الفضة “ذهب الفقراء”.. تحفظ قيمة الأموال وملاذ آمن للاستثمار
أداء الفضة سيكون أفضل من أداء الذهب بنهاية عام 2023م
منذ الأزل وتحتفظ الفضة بمكانتها في توفير الأمان المادي وحفظ قيمة الأموال، ولكنّها اكتفت بلقبها “ذهب الفقراء”، ساعية إلى الاحتفاظ بحصتها، التي تعتمد على أن الاستحواذ والاستثمار في الفضة لا يحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة مثل الذهب.
وتعتبر الفضة “ملاذا آمنا” للاستثمار، كما أنها تعد من وسائل التحوّط البارزة في مجال الاستثمار، لما لها من قدرة على الحفاظ على قيمتها المالية، ولذلك يضع البعض في محفظته الاستثمارية نسبة من الفضة لتقليل المخاطر ومواجهة التقلبات.
وتشير التوقعات إلى أن العالم سيشهد خلال الفترة الحالية والقادمة انتعاشًا قي أسعار الفضة، في ظل بعض السياسات المرتبطة ببنك الاحتياطي الفيدرالي وفي ظل طلب المستثمرين على الصناديق المتداولة في البورصة، فضلاً عن تحسن اقتصاد الصين وزيادة الطلب من السوق الهندي.
تاريخ ممتد
وعلى الرغم من أن الفضة ذات استخدامات متعددة، إلا أن استخدامها الأبرز كان هو استعمالها كنقود، حيث تعاملت بها معظم بلدان العالم، وكان يتم تحديد سعرها في ضوء الطلب على النقود أو لأغراض استخدامها في الزينة أو الصناعات المختلفة؛ حيث تعتبر الفضة معدنا ثمينا يُستخدم في صناعة المجوهرات وصناعة أدوات المائدة والإلكترونيات.
وتشير الدراسات إلى أن صقل الفضة وتعدينها يعود إلى العام 3000 قبل الميلاد في كل من تركيا واليونان، وتوضح النصوص المصرية القديمة بأن الفضة كانت ولفترة طويلة أعلى في قيمتها من الذهب؛ بسبب ندرتها قبل أن يرتفع سعر الذهب ويصل إلى ضعف سعر الفضة بعد أن انتشرت الفضة.
وعندما وصل المستكشفون الأوروبيون إلى العالم الجديد عام 1492م كان %85 من إنتاج الفضة عالميًا يأتي من بوليفيا وبيرو والمكسيك، خلال الفترة من عام 1500م و1800م.
وقد تزايد إنتاج العالم من الفضة بين الحربين العالميتين (الأولى، والثانية)، ثم انخفض الإنتاج، خلال فترة الحرب العالمية الثانية، قبل أن يرتفع الإنتاج مرة أخرى في السبعينيات من القرن العشرين ليصل إلى عشرة آلاف طن سنويًا، وتبلغ احتياطات الفضة في العالم حاليًا أكثر من احتياطات الذهب بنحو 17 مرة، وهو ما يفسر الفارق في السعر بين المعدنين.
وتُعد المكسيك في مقدمة الدول المنتجة للفضة بنسبة %15 تقريبًا من الإنتاج العالمي، تليها بيرو والصين، كما تحتل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية مراكز متقدمة في الإنتاج، أما على مستوى الوطن العربي الذي يُعد مستوردًا للفضة فإن الإنتاج قليل للغاية، ويتركز إنتاجه في المغرب بحوالي %80 من إجمالي إنتاج الفضة في الوطن العربي.
مؤشرات الارتفاع
وخلال الفترة الماضية قد واجه سعر الفضة صعوبات بسبب زيادات أسعار الفائدة، التي نفّذتها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما الإجراءات، التي اتخذها مجلس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إذ أن سعر الفضة يكون متذبذبًا عندما تضطرب بيئة الاقتصاد الكلي، فعندما ترتفع أسعار الفائدة، تقل جاذبية امتلاك الفضة باعتبارها لا توفر عائدًا منافسًا في هذه الحالة، وترتفع في المقابل الأصول البديلة مثل السندات ذات الفوائد البنكية.
وهناك مؤشرات على أن أداء الفضة سيكون أفضل من أداء الذهب بنهاية عام 2023م وربما في السنوات القادمة، فخلال عام 2022م وفيما انخفض سعر الذهب بنسبة %1.8 ليصل إلى 1797.6 دولارًا للأوقية، ارتفع سعر الفضة بنسبة %0.2، ووصلت إلى 23.4 دولارًا للأوقية بنهاية العام، كما شهدت أسعار الفضة في بعض أوقات العام ارتفاعًا وصل إلى 27 دولارًا للأوقية.
ومن الملاحظ أنه بنهاية عام 2022م تحسن أداء الفضة، وبدأت أسعاره في الانتعاش في ظل التوقعات المتفائلة بحدوث انفراجة في سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، كما أن هناك مؤشرات على حدوث ارتداد مرتقب للمعدن في 2023م.
العوامل السعرية
هناك العديد من العوامل التي تؤثر على الأسعار ويمكن من خلالها معرفة المسار السعري الخاص بالفضة واتجاهه نحو الصعود أو الهبوط، ومن أبرز هذه العوامل العرض والطلب مثله في ذلك مثل كافة السلع، فحاليًا يتم استخراج أكثر من 25 ألف طن من الفضة سنويًا، ومع تزايد دخول الفضة في العديد من الصناعات، من المتوقع أن يزداد الطلب وترتفع الأسعار في ظل ثبات العوامل السعرية الأخرى.
أما ثاني العوامل المؤثرة على أسعار الفضة واتجاهاتها السعرية، فهو مدى النمو في الاقتصاد العالمي، فمع النمو الاقتصادي المرتفع، وزيادة الدخل، يزداد الإقبال من المواطنين على السلع الإلكترونية والكهربائية، التي تدخل في تصنيعها الفضة، كما يزداد الإقبال على الفضة كوسيلة للزينة أو لحفظ قيمة الأموال، أما مع فترات التدهور الاقتصادي فيقل الاستحواذ على المعادن وتقل القدرة الشرائية وينخفض الإقبال على السلع الإلكترونية ومن ثم تنخفض أسعار الفضة.
ومن العوامل الأُخرى النسبة بين سعر الذهب إلى الفضة، فكلما زادت النسبة بين الذهب والفضة، كلما زاد إقبال المستثمرين على الفضة، لأنها تصبح رخيصة مقارنة بـالذهب، وكلّما تقاربت النسبة كلمّا كان خيار الذهب هو الخيار المفضل للمستثمرين.
وهناك أيضًا علاقة عكسية بين الفضة والدولار الأمريكي، فكلما زادت قوة الدولار انخفضت أسعار الفضة وكلما ضعف الدولار زاد الإقبال على الفضة، حيث يلجأ المواطنون إلى الفضة كملاذ آمن للحفاظ على أموالهم في مواجهة التضخم.
أسباب الارتفاع
خلال العام الحالي 2023م يتوقع الكثير من الخبراء ارتفاع أسعار الفضة، ووصوله إلى 34.7 دولار أمريكي للأونصة، وبالإضافة للإقبال على الفضة لاستخدامه كمجوهرات والاستثمار المرتبط بالتحوط، فإن هناك العديد من الأسباب الأخرى، التي تدفع في اتجاه زيادة أسعار الفضة، ومنها:
• تُعد الفضة خيارًا استثماريًا وملاذًا آمنًا بفضل ما توفره من عائد معقول، كما أنها تمثل خيارًا جيدًا في وقت الأزمات الاقتصادية والمالية وفي مكافحة التضخم لما تملكه من قدرة على الثبات والمرونة في الوقت ذاته، فضلاً عن إمكانية تسييلها إلى أموال بسهولة.
• من الملاحظ أن الإقبال على الذهب في العامين الماضيين كان سببًا في ارتفاع أسعار الفضة، ووصولها إلى مستويات مرتفعة.
• كان أداء الفضة ما بين عامي 1999م -2011م هو الأفضل مقارنة بالذهب، ومؤخرًا ارتفع الطلب العالمي على الفضة بنسبة %16، وسجل الطلب الصناعي على الفضة مستوى قياسيًا في عام 2022م ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب العرض بنحو %20.
• استطاع سعر الفضة أن يحقق مكاسب قياسية وصلت إلى %50 خلال عام 2019م كما حقق مكاسب كبيرة منذ أوائل عام 2020م مع ظهور جائحة كورونا.
• كان عام 2022م عامًا قياسيًا في استهلاك الفضة، حيث تجاوز الطلب 1.1 مليار أوقية بسبب دور الفضة كعنصر حاسم في الخلايا الكهروضوئية للألواح الشمسية.
• يسهم التحوّل في مجال الطاقة والثورة التكنولوجية في إعطاء دفعة للطلب على الفضة وارتفاع أسعارها وذلك في ظل زيادة الطلب على الفضة في صناعات كثيرة، فبالإضافة إلى أهميتها في صناعة الألواح الشمسية والخلايا الكهروضوئية، فإنها تدخل في العديد من الصناعات، مثل الإلكترونيات والصناعات الدوائية، كما تدخل في صناعة أفلام التصوير، وفي مواد طب الأسنان، ومواد اللحام، والموصلات الكهربائية، والبطاريات.
• في ظل توجه العالم للاقتصاد الأخضر، وزيادة الاعتماد على التقنيات الخضراء، من المتوقع أن يسهم ذلك في زيادة الطلب على الفضة، ومن ثم ارتفاع سعرها، لدخولها في العديد من الصناعات الخضراء.
• هناك مؤشرات على تزايد الطلب على الفضة في السوق الهندي، وهو أحد أكبر الأسواق التقليدية للمعادن الثمينة حول العالم ومن ثم، فإن تزايد الطلب فيه من المرجح أن يؤدي إلى قيادة ارتفاع أسعار الفضة حول العالم.
• مع تخفيف قيود كورونا يزداد الطلب على الفضة في الصين باعتبارها أكبر مستهلك للفضة.
توقعات متفائلة
وعلى الرغم من أن هناك توقعات ترى أن قوة الدولار الأمريكي قد تدفع الفضة إلى الانخفاض على المدى القصير، إلا أن هناك العديد من الآراء الأخرى التي ترى أن انتعاش وصعود أسعار الفضة هو الاحتمال الأكبر، للعديد من الأسباب التي ذكرناها، وعلى رأسها تضاؤل المخاوف من احتمالية حدوث زيادات في أسعار الفائدة في البنوك المركزية حول العالم.
كذلك، فإن ارتفاع أسعار الذهب من المرجح أن يسهم في زيادة الطلب على الفضة باعتبارها هي “ذهب الفقراء”، إذ يزداد الإقبال عليها كوسيلة لمواجهة التضخم والحفاظ على الأموال، خاصةً أن سبائك الفضة أقل تكلفة مقارنةً بالذهب.
ومع أن الفضة تتمتع بمعدل تقلبات سعرية أعلى من الذهب إلا أنها أرخص بكثير، كما أن للفضة القدرة على الحفاظ على قيمتها على المدى الطويل باعتبارها استثمارا طويل الأجل، وفضلاً عن ذلك، فإن الفضة تعطي قوة للمحافظ الاستثمارية، التي كلما تنوعت عناصرها كلما زادها ذلك أمانًا.
وربما كل تلك الأسباب والعوامل، هي التي دفعت بعض المؤسسات، ومنها مؤسسة ATA Global Horizons، إلى توقع ارتفاع أسعار الفضة في عام 2023م فبسبب المؤشرات المرتبطة بالتضخم، ودخول الفضة في العديد من الصناعات والتقنيات الخضراء، التي يتجه العالم للاستثمار فيها، فإن هناك توقعات بتجاوز الفضة خلال الفترة القادمة الـ 30 دولارا أميركيا، فيما تشير توقعات أُخرى إلى أن سعر الفضة سيصل في منتصف 2023م إلى 23 دولارًا، وقد يصل إلى 25 دولارًا بنهاية العام.