تحليل

ما هي مفاتيح الاستثمار في الأوقات الصعبة؟

تحديات كثيرة يشهدها الاقتصاد العالمي، بسبب التقلبات العالية التي يتعرض لها على جميع الجبهات، فما أن ينتهي بتخطي أزمة معينة، حتى تبدأ أزمة جديدة تلوح بالأفق لتشغله.
أزمات عديدة واجهها العالم في السنوات الأخيرة وتقريبًا كانت على جميع الجبهات، من صحيّة إلى غذائية، وإلى أزمات الطاقة وإفلاس البنوك ومعدلات التضخم، وصولاً إلى انهيار الأسواق المالية، وثم تعافيها مع المرور بارتفاع معدلات الفائدة إلى مستويات عالية تؤذي النشاط الاقتصادي، ودخول البنوك المركزية العالمية في حرب بلا هوادة، ضد معدلات تضخم مرتفعة هي الأعلى منذ 40 عامًا.
بالنسبة إلى الشركات والتي دائمًا لا تحبّذ إطلاقًا معدلات الفائدة العالية، لأن ذلك يؤدي إلى عرقلة مشاريع التوسع والحد من نسب النمو، بسبب ارتفاع الكلفة عليها، وتصبح الاستدانة مكلفة عليها، وبالتالي تتأثر ربحية الشركات.

لكن في المقابل، شاهدنا أن الشركات استطاعت أن تتعامل مع هذه النسب من معدلات الفائدة، وحققت نتائج قوية في الربع الثاني، ولكن التحدّي الكبير هو الاستمرار بهذه المعدلات لأشهر طويلة، وهنا ممكن أن تفقد الشركات السيطرة على الوضع، وبالتالي يؤثر ذلك على تماسك سوق العمل ومعدلات البطالة.
شركات التكنولوجيا أصبحت اللاعب الأهم في تحريك الاقتصاد، وهي الفارق الكبير عند المقارنة مع الفترات التاريخية السابقة، فهذه الشركات ثبتت وجودها، رغم التضخم الكبير الذي شهدته أسعار أسهمها، وأتت الآن مرحلة الذكاء الاصطناعي، والتي استفادت منه بشكل خاص شركة إنفيديا، ودخلت بذلك ضمن الشركات العملاقة ولمع اسمها في الأشهر الماضية، وأيضًا يجب ألا ننسى الشركة العجوز بين الشركات العملاقة وهي مايكروسوفت، والتي تنافست عدة مرات مع شركة أبل، على لقب أكبر شركة تكنولوجيا في العالم، وأيضًا “وارن بافيت” أهم مستثمر في العالم، والذي كان لا يحبذ الاستثمار في شركات التكنولوجيا، أصبح اليوم أهم مستثمر فردي في شركة أبل، والتي تشكل تقريبًا نصف محفظة شركته المعروفة (بيركشاير هاثاواي)، هذا التحول الكبير الذي فعله “بافيت” قبل عدة سنوات في بناء مراكز شراء لم يحصل لو لم يكن متأكدًا بما سيحصل في السهم، والتطورات الكبيرة للشركة وقطاع التكنولوجيا بشكل عام.

الاستثمار عند “بافيت” هو شراء شركات القيمة، بأسعار مخفضة، ويقول إن أفضل الأوقات هي عندما يحصل انهيارات في الأسواق، وبالتالي تكون فرصة قوية للشراء، لأن السوق يتصرف بصورة غير عقلانية، مع تقلبات عالية تتدحرج فيه أسعار أسهم الشركات الكبيرة، إلى مستويات غير منطقية، وبالتالي تكون فرصة قوية لهذا المستثمر الكبير، في زيادة حصصه في هذه الشركات.
طبعًا “بافيت” لا يدخل في مجال المضاربـات، فهو عكس هذا التفكير كليًا فهو عندمـــا يشتــــري ممكن أن يحتفــظ بالسهم لعشـــرات السنيــــن، وحصل ذلك مع سهـــم كوكاكولا مثلاً.
هناك الكثير من المستثمرين الأفراد، يحاولون أن يقوموا باتباع طريقته بالشراء، ولكن الفرق هو أن “بافيت” لا يستعمل الرافعة المالية، ودائمًا ما يحتفظ بسيولة، وبالتالي مهما يحصل في الأسواق لديه هامش للتحرك يستطيع أن يقوم بتعديل الوضع، أو أن يقوم بردة فعل بسهولة، عدا عن ذلك لديه قناعة الاحتفاظ بالسهم على مدى سنوات عديدة، وهنا تأتي أهمية هذه النقطة، لأن تحقيق الأرباح الكبيرة يأخذ وقتًا، وبالتالي كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تحقيق العوائد العالية، ولكن أيضًا عدد قليل جدًا من المستثمرين يستطيع الجمع بينها.

نتكلم دائمًا عن الاستثمار هل هو صعب أم لا؟ وهل هو مناسب للجميع؟ وكم المبلغ الذي يجب أن يحدده الشخص؟ طبعًا كل هذه التساؤلات وغيرها، الإجابة عنها أصبحت متوافرة في عدد كبير من المواقع المختصة، والكتب المتخصصة، ولكن أيضًا تبقى شخصية المستثمر، هي التي تتحكم في النهاية في اتخاذ القرارات الاستثمارية، وبالتالي يكون لها الجواب النهائي في نتيجة الاستثمار، لأن العاطفة تلعب دورًا أساسيًا في سلوك المستثمرين، ولذلك نرى دائمًا تقلبات عالية بسبب تسارع القرارات، واختلاف طبيعة الشخصية بين كافة الأفراد، لذلك المضاربون الكبار دائمًا ما يتحركون بقوة، نسبة لتسارع الأحداث والبيانات الاقتصادية، بينما الشخص الذي يستثمر بطريقة عقلانية وبدون مغامرات، يكون متواجدًا مع الشركات التي تتمتع بمركز مالي قوي، ولا يدخل في هذه التداولات، ويفضل الاستثمار بالقيمة ويترك للوقت أن يكافئه في المستقبل.

طبعًا يجب دائمًا أن نأخذ بالاعتبار أخطار الأسواق، والتي كما يقال إن الفرص موجودة دائمًا، كذلك المخاطر هي حاضرة بشكل مستمر، ويجب التعامل أولاً معها قبل التفكير بنسب العوائد، لأن إدارة المخاطر تأتي بالدرجة الأولى، وخصوصًا مع الأوضاع الجيوسياسية والتي أصبحت كثيرة في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى مراقبة المخاطرة المترتبة عن ذلك بعناية كبيرة.
هناك مقولة دائمًا ما تتردد وهي: (أن في الأزمات تصنع الثروات)، وهذه مقولة صحيحة، ولكن أيضًا في أوقات الأزمات تحصل حالات الإفلاس، وتصبح الأمور سيئة، لذلك يجب الانتباه إلى عامل إدارة المخاطر، والذي يشكل العامود الأول في بناء العقل الاستثماري لكل شخص، يدخل إلى عالم المال والاستثمار ويريد بناء محفظة خاصة به.