2000 عالم تقنية يطالبون الشركات بالتوقف مؤقتًا عن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي
الاعتماد على نموذج ذكاء اصطناعي غير دقيق كان أحد أسباب أزمة الرهن العقاري عام 2008م
“تكمن المشكلة الآن في أننا اكتشفنا أنه يعمل بشكل أفضل مما توقعنا قبل بضع سنوات، ماذا نفعل للتخفيف من المخاطر طويلة المدى للأشياء الأكثر ذكاءً منا والتحكم فيها؟، إن الخطر من أن يؤدي ذلك إلى انقراض الجنس البشري ليس بالأمر الذي لا يمكن تصوره”. هكذا عبر “جيفري هينتون” الذي يلقب بـ الأب الروحي أو عرّاب الذكاء الاصطناعي عن مخاطره المحتملة على البشرية، بل وانضم إلى مجموعة من خبراء التكنولوجيا في العالم القلقين من الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي بأن يؤدي استخدامه السيء إلى انقراض الجنس البشري.
مطالب بالتوقف
كذلك يدعم الرئيس التنفيذي لشركة “كونجتشتر” في لندن، “كونور ليهي” مخاوف “هينتون”، بقوله: “ليس فقط كذلك، بل اعتقد أن من المحتمل جدًا للأسف، وأنا لست الوحيد الذي أقول ذلك، بالإضافة إلى أن الشركات التي تعمل على تطوير هذه التقنية، مثل “جوجل وopen AL” وغيرهما، تقول بشكل صريح في أهدافها إن ما يحاولون القيام به هو بناء ذكاء اصطناعي بقدرات خارقة، إنهم لا يحاولون بناء نظام الإكمال التلقائي فقط، وهذا هدفهم المعلن عند التأسيس، وهذا يعني شيئًا يفوق البشر في كل شكل من أشكال القدرة، إنه أفضل من البشر في كل نوع من مهام التفكير، كل نوع من المهام الجسدية في مرحلة ما، كل نوع من المهام القائمة على المهارة، أكثر إبداعًا في كل شيء”، وأضاف “إذا أنشأنا نظامًا من أي نوع، أكثر ذكاءً من الجنس البشري، فإنني لا أتوقع بأن ينتهي الأمر بشكل جيد”.
المخاوف المتنامية من تقنيات الذكاء الاصطناعي دفعت أكثر من 2000 من عمالقة التكنولوجيا (من بينهم إيلون ماسك، وستيف وزنياك، أحد مؤسسي شركة آبل) إلى التوقيع في مارس 2022م خطابًا إلى الشركات المطوّرة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، للمطالبة بالتوقف اختياريًا لمدة 6 أشهر على الأقل من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكبر وأقوى مما تم بناؤها حتى الآن، إلى حين التوصل إلى أنظمة حماية وتشريعات تسمح بمراقبتها ومعالجة ما قد ينتج عنه من مشكلات.
واستمرارًا لحالة الهلع العالمي، نبّهت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية إلى خطورة استخدام الذكاء الاصطناعي في استنساخ الأصوات، محذرةً من إساءة استخدامها في عمليات الاحتيال، وأشارت إلى أنه خلال عام 2022م سُرق نحو 11 مليون دولار من أفراد بعد استنساخ أصوات ذويهم أو أصدقائهم، ولا تقتصر هذه الحوادث على الأفراد، بل تقع الشركات ضحية لهذا النوع من الاحتيال، فعلى سبيل المثال، قام موظف بتحويل مبلغ قدره 250 ألف دولار بعد ظنّه أن المستلم هو الرئيس التنفيذي للشركة الأم، حيث شدّدت على ضرورة أخذ الحيطة والحذر والتأكد من أي مكالمة هاتفية قبل إتمام أي تحويل مالي.
سيناريو قاتم
ويمكن القول بأن الذكاء الاصطناعي أصبح وكأنّه “ترند عالمي” في الوقت الحالي، وخاصة النسخ المطوّرة من برامج الدردشة “شات جي بي تي 4″، (أطلقت شركة open AL أول برنامج دردشة في نوفمبر الماضي، واستطاع جذب 100 مليون شخص في غضون شهرين) الذي يقدم إجابات فيها نسب من الدقة، ولديه القدرة على القيام بعدد هائل من المهام البشرية (كتابة المقالات، الترجمة، التحليل المالي وغيرها)، لكن الأمر ليس مقتصرا فقط على قضية فقدان الوظائف في المستقبل، لكن يتعدى ذلك إلى المخاوف المتعلقة بتهديد حياة الكثير من المستخدمين، بحسب دراسات دولية.
ففي بلجيكا على سبيل المثال، حدثت واقعة انتحار غريبة من نوعها لأحد الباحثين المهتمين بقضايا البيئة، والناجمة عن استخدامه إحدى منصات الدردشة، وإدمانه لها وانعزاله عن أسرته لفترات طويلة، وإصابته بالاكتئاب بعد فترة قصيرة، وبعد انتحاره، عثرت زوجته على رسالة من تطبيق الدردشة تقول “سنعيش معًا كشخص واحد في الجنة” و”إنني لن أفارقك أبدًا”.
ويؤكد مختصون على أن أبرز أخطار دردشات الذكاء الاصطناعي الخشية من الاحتيال الأتوماتيكي أو إنشاء حسابات أو مواقع مزيفة، فضلاً عن استخدام المركبات ذاتية القيادة أو الطائرات بدون طيار كأسلحة دون تدخل بشري، وكذا الدعاية المغرضة من خلال الإنتاج التلقائي للصور ومقاطع الفيديو المزيفة، ونشر أخبار مزيّفة ومضلّلة، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وهو ما قد يتسبب في حدوث فوضى تكنولوجية قد يصعب السيطرة عليها.
وأضافوا أن القلق المتعلق من أن الذكاء الاصطناعي غير المنظم وغير المنضبط يمكن أن يشكل في النهاية تهديدًا للوجود البشري هو قلق في محله، خاصة أن ما يطلق عليه “السيناريو القاتم” والذي يشير إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تعليم نفسه والتطور بشكل أسرع إلى “الذكاء الخارق”، قد ينذر حينها بتكرار أو انقراض الجنس البشري.
ويعتبر أخطر ما في الذكاء الاصطناعي هو أن يصبح بملامح بشرية، فكلما زاد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي زادت المخاطر، فأصبحت الخصوصية والاستقلالية الفردية على المحك، وأن قضية المساءلة أصبحت أكثر غموضًا عند الاعتماد على العوامل الاصطناعية، كما قد يؤدي إلى حدوث نتائج غير متوقعة، ففي أزمة الرهن العقاري التي تعرّضت لها الولايات المتحدة عام 2008م، وأثّرت حينها بشكل كبير على العالم، كان من ضمن أسبابها الاعتماد على نموذج ذكاء اصطناعي غير دقيق لارتباط مخاطر التقصير في سداد الديون.
الأخطاء البشرية
وفي المقابل، يقول فريق من الخبراء، إنه منذ عام 1997م حين هزم الحاسوب “ديب بلو” الذي صنعته شركة “IBM”، بطل العالم في الشطرنج الروسي “جاري كاسباروف”، وتشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورًا مذهلاً، وأصبحت جزءا من حياتنا اليومية، حيث يستخدم ملايين البشر حول العالم “خرائط جوجل” ونظام تحديد المواقع العالمي “GPS”، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم هذه التقنيات لمراقبة نشاط المستخدمين للتأكد من الالتزام بالشروط والأحكام، لكن موجة الغضب العالمية الأخيرة بخصوص برامج الدردشة هي التي جعلت تقنيات الذكاء الاصطناعي في مرمى النيران.
ويعدد خبراء المزايا الفريدة للذكاء الاصطناعي، والتي تتمثل في الحد من الأخطاء البشرية، حيث يتم تحديد القرارات في كل خطوة من خلال المعلومات التي تم جمعها مسبقًا ومجموعة معينة من الخوارزميات، عند برمجتها بشكل صحيح، يمكن تقليل هذه الأخطاء لتصل إلى صفر، فضلاً عن مساعدة البشر في القيام بمهام تحتاج إلى دقة متناهية (إجراء عمليات جراحية مثلاً)، أو السفر إلى الفضاء أو أعماق المحيطات، أو المهام التقليدية المتكرّرة كالرد على أسئلة العملاء من خلال غرف الدردشة الإلكترونية وتقديم يد العون والمساعدة لهم، ناهيك عن قيام تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعمل طوال الوقت وبدون راحة.
كما ساهم الذكاء الاصطناعي في مساعدة الأطباء على اكتشاف الأمراض في مرحلة مبكرة (منها سرطان الثدي لدى النساء)، ويمكن للأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تساعد الأطباء والباحثين في تحليل بيانات المرضى، وتحديد المخاطر الصحية المحتملة، ووضع خطط علاجية مُخصصة، كما ساعدت السيارات ذاتية القيادة التي تعتمد على أجهزة الاستشعار والخوارزميات في تقليل الحوادث والازدحام المروري، إذ تشير دراسات عدة إلى أن الأخطاء البشرية مسؤولة عن %90 من حوادث الطرق، فضلاً عن مساعدتها للأشخاص ذوي الاعاقة للتنقل بحرية وسهولة.
ويمكن القول بأن هذه التقنيات شقّت طريقها بالفعل إلى عالمنا المعاصر الذي يعتمد على التكنولوجيا بشكلٍ متزايد، وأن العالم لا يستطيع حاليًا الاستغناء عنها، كما أن الشركات العاملة في هذا المجال، لن تتوقف عن نشاطها، بل سيزداد هذا النشاط قوةً عامًا بعد آخر، حيث تتوقع دراسات غربية أن يُحقق السوق العالمي للذكاء الاصطناعي معدل نمو يصل إلى %54 سنويًا.
وفي ذات السياق، يقول العضو المنتدب في شركة الخدمات المالية “ويدبوش” للأوراق المالية/ دانيال آيفز إن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن يستحوذ على نسبة تتراوح بين 8 ــ %10 من ميزانيات الشركات والمؤسسات العاملة في مجال التكنولوجيا العام المقبل، مقارنةً مع نسبة تقترب من %1 في 2023م متوقعًا بأن يصل إجمالي الاستثمارات في مشروعات الذكاء الاصطناعي إلى 800 مليار دولار خلال العقد المقبل.
ويمكن التأكيد على عدم إمكانية الاستغناء عن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي قدّمت خدمات جليلة للبشرية، لكن في الوقت نفسه لا يمكن مجاراة هذا التقدم السريع والمذهل وما يفرزه من ممارسات وانتهاكات مُرعبة، سواء للخصوصية وسرية البيانات أو الاحتيال الالكتروني، لذا فإن العالم بحاجة ماسة إلى التوصل إلى اتفاق بشأن الضوابط والمعايير والإجراءات الرادعة التي تمكننا من مواصلة الابتكار وتعظيم الاستفادة من التقنيات التكنولوجية الحديثة، وفي ذات الوقـــت التصـــدي لأيـــة ممارســـات من شأنها الإضرار بالمستخدمين سواء ماديًا أو معنويًا.
