“هين نا” يدخل موسوعة غينيس كأول فندق في العالم تديره الروبوتات بشكل كامل في اليابان
3 مليارات دولار حجم السوق المتوقع لروبوتات الفنادق بحلول 2030م
حين تدخل إلى بهو الفندق والمكتب الأمامي، لا تستغرب حين ترى “ديناصورًا” أو أي كائن آخر، يقوم بإنهاء إجراءات حجزك وتسكينك في الغرفة المناسبة، حتى حمل حقائبك إلى الغرفة يقوم “روبوت” ما بهذه المهمة، وحين تريد خدمة مثل طلب الطعام لن تجد عنصرا بشريا يساعدك في ذلك، حيث يقوم بكل هذه المهام “روبوتات” مخصصة لذلك، إذ أصبح وجود بشر عاديين مثلنا في بعض الفنادق حول العالم جزءًا من الماضي.
ويمكن القول بأن الفنادق الروبوتية هي أحدث صيحة في سلسلة التقدم المذهل الذي يشهده عالم الضيافة، وسط تسابق أصحاب الأعمال في هذا المجال، على استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة والذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة مميزة وغريبة من نوعها للعملاء، لاسيما ما كنا نعتقده ضربًا من الخيال في الماضي أصبح حقيقة وأمرًا واقعًا.
الروبوتات تغزو الفنادق
تنامى في الآونة الأخيرة الاعتماد على الروبوت في مختلف القطاعات؛ خاصة في الأعمال الروتينية التي تحتاج إلى دقة وجودة متناهية، لا يقتصر على عالم الضيافة، بل أصبحنا نشاهد الروبوتات في المطارات ومراكز المؤتمرات ومحطات القطارات حتى في إجراء العمليات الجراحية.
وقد كان التطور الملفت في الاستعانة بالروبوتات في الفنادق عام 2015م حيث أعلن فندق “هين نا” أو “الغرباء” في العاصمة اليابانية (طوكيو) عن تشغيله بالكامل بطاقم من الروبوتات والآلات الذكية، وحصل حينها على شهادة من موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية، باعتباره أول فندق في العالم يدار عن طريق الروبوتات، ورغم أن التجربة لم تؤتِ ثمارها بالكامل خاصةً وأن الروبوتات حينها لم تكن قادرة على الإجابة عن كل أسئلة واستفسارات النزلاء ولا حمل الأمتعة الخاصة بهم وهو ما دفع الفندق إلى اتخاذ قرار بتسريح نصف الروبوتات والاستعانة بالبشر مجددًا، إلا أن التجربة أخذت في التنامي لاسيما بعد جائحة كورونا، والتطورات المذهلة التي طرأت على الروبوتات بتلاشي الكثير من عيوبها وإضافة ميزات جديدة لها.
وتتميز هذه الروبوتات بالقدرة على التفاعل مع نزلاء الفندق بحركات جسدية، بالإضافة إلى قدرتها على التحدث بعدة لغات، ويستطيع النزلاء طلب أي شيء من جهاز حاسوب لوحي موجود في كل الغرف التي لا تعتمد على الوسائل التقليدية للتحكم في الضوء، حيث تقوم الروبوتات بهذه المهمة، كما أنها تقوم بوظيفة تنظيف الغرف وجمع القمامة، بحسب مدير فندق الغرباء/ يوكيو ناغيد.
ونجحت الروبوتات في غزو عالم الفنادق والضيافة ووجدت موطئ قدم لها بشكل ملحوظ؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، يعد “يوتيل نيويورك”، من أشهر الفنادق في استخدام التقنيات الحديثة وأجهزة الاستشعار الذكية، حيث يقوم بوظيفة استلام الحقائب وتوصيلها إلى الغرف، وفي فندق “Aloft ” في ولاية كاليفورنيا، يقوم الروبوت بتقديم خدمات الغرف وتوصيل الطعام.
وفي الصين، يستطيع نزلاء فندق “فلايزوو هوتيل” بمدينة هانغزو، طلب أي شيء من الروبوتات وتوصيلها إلى الغرف مباشرة، ليس هذا فحسب، بل يعتمد الفندق الصيني على التكنولوجيا بشكلٍ كلي، وفي سنغافورة إذا كنت بحاجة إلى المناشف وزجاجات المياه في غرف فندق “ام سوشيال”، أو حتى طهي أنواع معينة من الطعام في مطعم الفندق، تقوم الروبوتات بهذه المهمة.
ويستهدف فندق “Dorsett Melbourne” في استراليا، خفض تكلفة التشغيل بنسبة %30 بعد استخدامه للروبوتات في القيام بوظائف عدة لخدمة نزلاء 316 غرفة، خاصة مع ارتفاع تكلفة العمالة، وفي القارة السمراء، أعلن فندق “سكاي” في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، عن الاستعانة بالروبوت لخدمة نزلائه، حيث يعد أول فندق في أفريقيا في هذا المجال.
ولعل تراجع أسعار الروبوتات في السنوات الأخيرة، قد ساهم في تشجيع الفنادق على الاستعانة بها في تقديم خدمات الضيافة، حيث ذكرت مجموعة “Huazhu Hotels Group” في شنغهاي: “لدينا روبوتان في الفندق المكوّن من 200 غرفة، يقومان بنحو 70 مهمة يوميًا تعادل 10 ساعات عمل، حيث قاما خلال شهر واحد بإنجاز 4400 مهمة”، مشيرةً إلى انخفاض متوسط أسعار الروبوت الواحد (يقوم بعمل موظفين اثنين)، إلى 3 آلاف دولار مقارنة بحوالي 15 ألف دولار قبل عدة سنوات.
النزلاء يفضلون الروبوتات
وتشير تقارير إلى أن الروبوتات قللت من الوقت الذي تستغرقه خدمة الغرف من 30 دقيقة إلى 5 دقائق، وأن قطاعا عريضا من النزلاء يفضلون قيام الروبوتات بتوصيل الأشياء لهم دون الحاجة إلى الاتصال بخدمة الغرف، كما أن الروبوتات متاحة طوال الوقت، ولا تحتاج إلى إجازات مثل البشر.
وكانت دراسة أجراها باحثون في جامعة ولاية واشنطن الأمريكية وشملت 170 شخصًا ونشرها موقع “تيك إكسبلور” المتخصص في التكنولوجيا، أن نزلاء الفنادق يشعرون بارتياح أكبر عند التعامل مع الروبوتات في الأعمال التي تتعلق بالضيافة وخدمات الفنادق، خاصة إن كان لديها سمات بشرية، لافتةً إلى أن أكثر من 50% من الوظائف الحالية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والدول الأوروبية، ستقوم بها هذه الآلات الذكية خلال العقدين المقبلين.
وتلجأ الفنادق إلى الاستعانة بالروبوتات في ضوء خططها لخفض التكلفة التشغيلية وتعزيز تجربة مثيرة ومميزة للنزلاء، منذ لحظة الدخول إلى الفندق وحتى المغادرة، حيث أصبحت تلعب دورًا متزايدًا في عالم الضيافة، علاوة على أن وجهات نظر النزلاء الإيجابية، شجعت الفنادق التي تعتمد بشكل كامل على العنصر البشري إلى الدخول إلى هذا السوق، والاستفادة مما توفره التكنولوجيا الذكية من حلول تساعدها على تلافي العناصر البشرية وتقليل وقت انتظار النزلاء لتحسين رضاهم عن الخدمات، ومع ذلك فإن وجود هذه الآلات الذكية لا يعني الاستغناء على الطاقم البشري.
سوق الروبوتات
ويبدو أن سوق الروبوتات في الفنادق مبشّر للغاية، لاسيما مع التوقعات بأن يصل حجم السوق إلى 338 مليون دولار بحلول 2025م مقارنة بـ 79 مليون دولار عام 2020م، وأن يصل إلى 3 مليارات دولار بحلول 2030م، وذلك رغم التحديات التي قد تواجه الصناعة، وأبرزها ارتفاع تكلفة وصيانة الروبوتات وعدم وجود معايير محددة لدى المصنّعين بشأن ما تحتاجه صناعة الضيافة، والقلق المتزايد المتعلق بفقدان الوظائف.
وتشير تقديرات عدة إلى أن سوق الروبوتات الخدمية من المتوقع أن يحقق معدل نمو مركب بنحو %21.5 ليصل إلى 216 مليار دولار في 2030م، وأن تنمو صناعة الروبوتات بشكل عام من 70 مليار دولار في 2022م إلى 568 مليار دولار بحلول 2030م مدفوعة بالاستثمارات الضخمة في هذا القطاع، وارتفاع الطلب عليها في قطاعي السفر والضيافة.
ويؤكد الأستاذ بكلية كولينز لإدارة الضيافة بولاية كاليفورنيا، لينشي كووك، أن قطاع الضيافة يشهد طلبًا أكبر على الروبوتات، لمعالجة مشكلة نقص العمالة المناسبة، وتقديم خدماتها بشكل أسرع، ومع التقدم الهائل، قد تصبح بعض الوظائف غير ضرورية أو عفا عليها الزمن، لكن وجود الروبوتات في الفنادق، قد يخلق وظائف جديدة، وقد يساهم في توجيه العنصر البشري إلى وظائف أكثر إبداعًا، بدلاً من المهام التقليدية.
ومع تزايد الشكوك حول مصير بعض الوظائف التي قد تهددها الروبوتات، يقول الأمين العام السابق لمنظمة السياحة العالمية/ طالب الرفاعي، إن استخدام التقنيات الحديثة في الفنادق والقطاع السياحي أصبحت ضرورة لتطوير هذا القطاع واستدراك ما فاته.
وحول مستقبل قطاع السياحة والفنادق مع الانتشار المتوقع للروبوتات، فإن ثمة توقعات بأن يكون لها دور أكبر في القطاع من دور البشر، وأن هذه التقنيات الذكية ستقلب طبيعة الوظائف الموجودة حاليًا رأسًا على عقب، وستعزز من نمو القطاع لتقديمها خدمات متطوّرة وفريدة من نوعها، لذا يجب على العاملين في هذا القطاع تطوير مهاراتهم بشكل يضمن لهم الاحتفاظ بوظائفهم في المستقبل.
ويمكن القول بأنه إذا كانت كلمة “روبوت” ظهرت لأول مرة عام 1920م في مسرحية للكاتب التشيكي “كارل تشابيك”، وتشير إلى العمل الشاق، فإن صناعة “الروبوتكس” تشهد تطورًا مذهلاً في السنوات الأخيرة، وفرضت نفسها في الكثير من المجالات ومنها قطاع الضيافة، بشكل أصبح يثير قلق الكثيرين خاصة مع تهديدها لمئات (بل آلاف) الوظائف في المستقبل القريب، في عالم يعاني حاليًا من أزمة اقتصادية يصاحبها ارتفاعًا في معدلات البطالة في معظم دول العالم.