لاڤندر

ملابس أيكولوجية!

الملابس والأحذية العالمية مسؤولة عن %8 من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم

%1 فقط من الملابس يعاد تحويلها إلى ألياف جديدة لعدم انتشار تقنيات التدوير

 

صناعة مُعقدة مليئة بالعوامل ذات الأثر البالغ على البيئة، إذ يُنظر إليها باعتبارها من الصناعات الأكثر استهلاكًا للمواد الكيميائية، باستخدامها الآلاف منها في تحويل المواد الخام إلى منسوجات، إنها صناعة الملابس، التي تُصنّف بأحد المصادر الرئيسية لانبعاثات الكربون والنفايات والتلوث البيئي، فضلاً عن أنها من الصناعات الأكثر كثافةً في استخدام الموارد في العالم، وهو ما يترتب عليه تكلفة كُبرى تدفعها ــ بلا شك ـ البيئة.

تُسهم صناعة الأزياء مجتمعة وفقًا لتقرير “حالة الموضة لعام 2020م” بما نسبته %6 من إجمالي ناتج انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا، وثمة توقعات بأن تصل مخلّفات الأزياء حول العالم إلى نحو 150 مليون طن عام 2030م، كما أن صناعة الملابس بما تشمله من غسيل واستخدام الأصباغ مسؤولة عن خُمس تلوث المياه في العالم، فضلاً عن استهلاكها نحو 215 تريليون لتر من المياه سنويًا، وقدّر كذلك تقرير بعنوان “قياس عالم الأزياء”، بأن قطاعات الملابس والأحذية العالمية مجتمعة مسؤولة عن %8 من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.

القطن المستدام

وفي دراسة أجرتها خدمة الأبحاث في البرلمان الأوروبي حول التأثير البيئي لصناعة الملابس، تبين أنها وحدها مسؤولة عن %2 إلى %10 من التأثير البيئي الناجم عن استهلاك الاتحاد الأوروبي، وأن %1 فقط من الملابس يتم إعادة تدويرها إلى ألياف جديدة لأن التقنيات التي تفعل ذلك لا زالت غير منتشرة بالقدر الكافي، وفي تقرير مشترك صدر عام 2020م بين شركة ماكنزي وموقع أعمال الموضة، كشف عن أن قطاع الملابس مسؤول عن توليد ما بين %20 إلى %35 من تدفقات الجسيمات البلاستيكية في المحيطات.

وأمام التغييرات المناخية الوجودية التي يشهدها العالم، وارتفاع الأصوات الحكومية في مختلف البلدان بتوجيه الدعم لكل ما شأنه الحد من التغيرات المناخية وحماية البيئة وزيادة الوعي العالمي لأهمية حمايتها، وكذلك أمام الممارسات غير المستدامة في صناعة الأزياء التي تبلغ قيمتها العالمية 2.4 تريليون دولار وتوظف ما يقرب من 300 مليون شخص حول العالم، ظهر ما يُعرف بالأزياء المستدامة أو الأيكولوجية أو الصديقة للبيئة، وهي تلك الأزياء التي يتم تصنيعها بأسلوب صديق للبيئة يراعي المعايير البيئية ويُحقق الاستدامة في كل خطوات التصنيع، بدايةً من الغزل وبناء النسيج والصباغة وحتى خروج المنتج بشكله النهائي، وبالتالي إنتاج ملابس تتوافق مع مبادئ الاستدامة البيئية، التي تدعم تخفيض نسبة التلوث والنفايات، وذلك من خلال استبدال الألياف الصناعية بالطبيعية، كالمواد الخام القابلة للتحلّل الحيوي التي لا تتطلب أي مواد ضارة سواء عند استخراجها أو معالجتها، مثل القطن العضوي الذي يتم مزجه بألياف نباتية أُخرى كالكتان، والصويا والقنّب والحرير والصوف والخيزران وغيرهم، ويعد هذا المزيج أحد أكثر الموارد المستدامةً عالميًا، وذلك بفضل سرعة نمو مكوناته وعدم حاجته للمبديات، فضلاً عن الاستبدال بألياف البروتين أو الألياف الحيوانية؛ وكذلك استخدام الألياف المعاد تدويرها كبقايا الأقمشة المجمعة من المصانع والثياب المستعملة والملابس الجديدة التي لم يتم بيعها، ومنها تتم صناعة القطن المستدام بيئيًا.

مايكل ستانلي جونز

اتجاه عالمي

وقد أخذت صناعة الملابس المستدامة؛ دعمًا عالميًا قويًا، وذلك أعقاب اعتماد الأمم المتحدة عام 2015م لأهداف التنمية المستدامة، واتفاق باريس لمكافحة تغير المناخ وتكثيف العمل نحو عالم منخفض الكربون عام 2016م، وأصبحت الاستدامة على برنامج أعمال رواد الصناعة ومروجوها، فانطلقت في ديسمبر 2018م خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، مبادرة ميثاق صناعة الأزياء لأغراض العمل المناخي من قِبل 43 علامة تجارية رائدة وتجار تجزئة ومجموعة كبيرة من الموردين، وتضمن الميثاق تأكيدًا على ضرورة تقديم حلولاً لصناعة ملابس منخفضة الكربون.

هذا وقدَّم نحو 86 شركة أزياء عالمية عام 2019م بيانًا مشتركًا يحث حكومات البلدان على سن القوانين واللوائح المناسبة والعمل على تنفيذها وصولاً إلى صناعة ملابس خالية من الكربون، ناهيك عن التحالفات الأُخرى من قبل المئات من العلامات التجارية في قطاع الأزياء والمنسوجات تعلن التزامها بتحقيق الأهداف البيئية الرئيسية.

ويقول الأمين المشارك لتحالف الأزياء التابع للأمم المتحدة في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مايكل ستانلي جونز، بحسب تقرير لموقع (WIPO)، أن ثمة تقدما في قطاع الأزياء سواء من حيث التتبع والمساءلة بدعم تطبيقات التكنولوجيا الجديدة، مثل سلاسل الكتل وجواز سفر المنتج، أو من حيث قياس انبعاثات الكربون المتولدة عبر سلاسل القيمة التجارية، على سبيل المثال، من خلال مبادرة الأهداف القائمة على العلوم، والتي تساند اعتماد الأهداف القائمة على العلوم كوسيلة قوية لتعزيز الميزة التنافسية للشركات في انتقالها إلى اقتصاد منخفض الكربون، ولفت إلى أن المبادرة تتيح للشركات مسارًا واضحًا للنمو المستقبلي من خلال تحديد المقدار والسرعة اللازمين للحد من انبعاثات غازات الدفيئة.

مستقبل كبير

وما من شك أن صناعة الملابس المستدامة تُعزز النمو الاقتصادي للبلدان وتدعم تنوعه بتوفيرها لفرص العمل وزيادة الصادرات وتوليد مصادر جديدة للإيرادات وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى أنها تفتح أسواقًا جديدة في مجال النسيج ومسارًا جديدًا للاستثمار ما يتيح فرص عمل جديدة ويدعم الشركات الناشئة، وهو ما يتطلب من الصناعيين للملابس الانتباه لمسار الأزياء الأيكولوجية المتصاعد، الذي لا يبدو أنّه اتجاه يقتصر على المدى القريب، وإنما قد يستمر في المستقبل مع استمرار زيادة الوعي العالمي بأهمية حماية البيئة، فبينما كان قديمًا حماية البيئة في صناعة المبلاس لا تتعدى التبرعات الخيرية، يتم الآن ابتكار اساليب جديدة تدعم البيئة في عملية التصنيع من خلال استخدام أقمشة صديقة للبيئة ووسائل تضمن عدم الإخلال بالمسؤولية الاجتماعية.

وقد أخذ الحراك نحو الملابس المستدامة يؤتي بعضًا من ثماره فمن ناحية ظهرت ابتكارات جديدة تدفع المنتجين نحو التوسع في تقديم ملابس مستدامة، منها على سبيل المثال تكنولوجيا النسيج ثلاثي الأبعاد، وتقنية مسح الجسم بملايين نقط البيانات التي تضمن أحجامًا مثالية للملابس تتوافق تمامًا مع جسد مرتديها، إضافة إلى صناعة أزياء معينة ومُخصصة حسب الطلب، وكل هذا انعكس على حماية البيئة من خلال تقليل كمية النفايات الناتجة عن هذه الصناعة، فضلاً عن أن تصميم العديد من المنتجات يتم الآن بعناية، باستخدام مواد مثل البوليستر المُجدد، والقطن العضوي المعاد تدويره والأقمشة المستدامة الملونة بأصباغ صديقة للبيئة، ومن ناحية أُخرى قامت علامات تجارية كُبرى مثل: أديداس باستخدام مواد قابلة للتدوير كاستخدام عبوات بلاستيك تمّ جمعها من نفايات المحيطات والبحار، واستخدامها في صناعة الملابس، وثمة علامات تجارية أخرى بدأت في الترويج والاهتمام بالملابس الأيكولوجية كشركة (A&C) أكبر مشتر في العالم للقطن العضوي، الذي تقل بصمته البيئية من القطن المزروع وفقًا لطرق تقليدية، التي حددت لنفسها هدفًا منذ عام 2020م وهو تحقيق نسبة %100 من حيث استخدام القطن المنتج بطرق مستدامة فقط.

وشركة (Nike)، التي تعمل الآن على تنفيذ مجموعة من المبادرات، كمبادرة (Move to Zero)، والتي تُشير إلى برنامج الشركة نحو تحقيق مستوى صفري من انبعاثات الكربون والنفايات، وهدفها هو تحقيق عمليات خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2025م والقضاء على النفايات من سلسلة التوريد الخاصة بها من خلال استبعادها للمنتجات الضارة وتحسين عمليات التصنيع الخاصة بها، فضلاً عن ظهور عدد من العلامات التجارية الأُخرى التي تنطلق وفقًا للنهج المستدام مثل علامة أف فايف العصرية التي ابتكرتها فتاه في سن الـ 15 عامًا، وعلامة هاش بابيز للأحذية وغيرهم الكثير من متاجر التجزئة التي بدأت في زيادة حصتها من الملابس المستدامة مثل زارا واتش اند أم.

وعلى الرغم من هذا الحراك نحو تدشين صناعة الملابس المستدامة، والمبادرات الحكومية وغيرها، فإن أداء قطاع صناعة الملابس لا يزال بشكل عام ضعيفًا من حيث البصمة الكربونية ولا يتخذ غالبيته تدابير ملموسة لتحسين أدائه البيئي، ولا يزال المستهلكون لا يتبنون المنتجات والمبادرات المستدامة بشكل كامل، نظرًا لقلة عدد المصممين المؤمنين بنهج الأزياء المستدامة، وبالتالي لا يزال إقبال المستهلكين على الأزياء المستدامة ضعيفًا، ومع ذلك تبقى صناعة الأزياء الصديقة للبيئة تؤشر بمستقبل كبير السنوات القادمة أمام الاهتمام العالمي بالحد من التغيرات المناخية.