ارتفــــاع القيمـــة السوقيــــة للدوري السعودي على أساس سنوي بنسبة 213% مقارنة بعام 2022م
المرة الأولى منذ عام 2016م يتجاوز فيها إنفاق دوري غير أوروبي إجمالي إنفـــاق أحــــد الدوريــــات الخمســـة الكبرى الأوروبية
لم يكن الإنفاق الكبير الذي قاده صندوق الاستثمارات العامة، ووزارة الرياضة، لدعم الأندية الرياضية، حدثًا ارتجاليًا وإنما وفقًا لخطوات اقتصادية مدروسة، أفرزت ارتفاعًا غير مسبوق في القيمة السوقية للدوري السعودي، الذي انتقل من المركز الـ 66 إلى المركز العاشر عالميًا، وثمة توقعات بأن يكون في قمة الدوريات العالمية خلال السنوات القليلة الماضية.
ففي أقل من شهرين قفز الدوري السعودي للمحترفين، قفزات هائلة في ترتيب الدوريات العالمية، مستفيدًا من دعم مالي غير مسبوق، مكَّن أنديته من التعاقد مع أهم لاعبي العالم، والأكثر شهرة في كرة القدم، وتسارعت قيمته السوقية لتصل إلى نحو 1.05 مليار يورو حتى يوم 1 سبتمبر من العام الجاري، وذلك بعد انتقال كثير من اللاعبين العالميين إليه، ليكون بذلك الدوري العربي والخليجي الوحيد بقيمة سوقية تتخطى المليار يورو.
ووفقًا لموقع “ترانسفر ماركت” المتخصص في القيمة السوقية للأندية واللاعبين، ارتفعت القيمة السوقية للدوري السعودي على أساس سنوي بنسبة 213% من مستويات 335.09 مليون يورو في أغسطس من عام 2022م، وباستثناء أندية الدوري الإنجليزي الذي أنفق بحسب شركة ديلويت المتخصّصة في مجال التدقيق المالي، 1.39 مليار دولار في نفس الفترة، وبذلك يعتبر الدوري السعودي للمحترفين هو الأكثر إنفاقًا في موسم (2023م و2024م)، بإجمالي أنفاق نحو 957 مليون دولار، ليتجاوز إنفاقه أكبر الدوريات الأوروبية كالإيطالي، والفرنسي، والألماني، والإسباني؛ وأشارت الشركة إلى أنها المرة الأولى منذ عام 2016م يتجـــاوز فيهــا إنفـــــاق دوري غير أوروبي إجمالي إنفاق أحد الدوريات الخمسة الكبرى الأوروبية.
مشروع الاستثمار والتخصيص
ويتسق ارتفاع القيمة السوقية للدوري السعودي مع مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، الذي ترتب عليه نقل ملكية 4 أندية كُبرى هي “الاتّحاد” و”الأهلي” و”النصر” و”الهلال” إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي بعد تحويلها إلى شركات بنسبة 75% مقابل 25% الباقية للجمعية العمومية، فيما تم نقل ملكية أربعة أندية أخرى – ليست في دوري المحترفين – إلى شركات وهيئات، حيث نقلت ملكية نادي القادسية إلى شركة أرامكو، ونادي الصقور في تبوك لشركة نيوم، ونادي الدرعية لهيئة تطوير الدرعية، ونادي العلا لهيئة تطوير العلا، مستهدفًا المشروع تحقيق قفزات نوعية بمختلف الرياضات في المملكة بحلول عام 2030م، لصناعة جيل متميز رياضيًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إضافة إلى تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة، والوصول إلى زيادة إيرادات الدوري السعودي من 450 مليون ريـال إلى أكثر من 1.8 مليار ريـال سنويًا، ورفع القيمة السوقية من 3 مليارات ريـال إلى أكثر من 8 مليارات ريـال بحلول عام 2030م.
وقد استقطبت أندية المملكة خلال موسم الانتقالات الصيفية الأخير، العديد من نجوم الصف الأول في العالم، أمثال البرازيلي نيمار دا سيلفا قادمًا من باريس جان جيرمان، والدولي الفرنسي كريم بنزيما قادمًا من ريـال مدريد الإسباني، وقائد منتخب السنغال ساديو ماني قادمًا من بايرن ميونخ الألماني، وقائد المنتخب الجزائري رياض محرز، وحارس المرمى المغربي بونو قادمًا من أشبيليه الإسباني إلى جانب استقدام الأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو منذ الموسم الماضي، الأمر الذي رفع من القيمة السوقية للدوري السعودي، ورفع من توقعات تربعه على عرش دوريات العالم خلال العامين المقبلين.
البداية والكثير قادم
ويؤكد المختص في الاقتصاد الرياضي، خالد الربيعان، على أن الآونة الأخيرة تشهد اهتمامًا كبيرًا بتطوير قطاع الرياضة اقتصاديًا، الذي أصبح أولوية، جاءت مواكبةً لاستراتيجية شعارها “الدوري السعودي قادم بقوة”، ليس اقتصاديًا فقط، ولكن كقوة ناعمة مؤثرة، مشيرًا إلى من يشهد استقبال الإيرانيين لناديا النصر والهلال يلمس ذلك بشكل واضح”، ويضيف بقوله: بأن هذه هي البداية والكثير قادم، هكذا استشف العالم من الانطلاقة القوية للأندية السعودية ماليًا.
ويقول إن الأندية السعودية استفادت من ملكية صندوق الاستثمارات العامة لنحو 75% من حصصها، ضمن مشروع استثمار وتخصيص الأندية الرياضية، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030م ببناء قطاع رياضي فعال ومستدام، من خلال حوكمة الإنفاق، وتمكين الأندية من الدخول في استثمارات متعددة، تحقق إيرادات مالية كبيرة، وتحفز القطاع الخاص وتمكنه من المساهمة في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على جميع الأصعدة.
وأشار إلى أن التعاقدات والمبالغ التي دفعتها الأندية تتسق ومستهدفات مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة، ولفت إلى أنه سرعان ما أثمرت هذه الخطوات عن زيادة كبيرة في مساهمة الرياضة في الناتج المحلي الإجمالي، التي قفزت من 2.4 مليار ريال إلى 6.5 مليار ريال خلال الأعوام القليلة الماضية، وثمة مستهدفات يتــــم العمـــل عليها حاليًا بأن تسهم الرياضة بـ 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
من ترفيه فقط إلى ترفيه ومنتج
فيما رأي المحلل الاقتصادي المختص في الشأن الرياضي، عقيل العنزي، أن تصريحات صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، أكدت على أهمية الرياضة كمكون مهم وفاعل في الناتج المحلي مجسدة لواقع المشهد الرياضي في المملكة والذي تحول بعد مستهدفات رؤية 2030م من ترفيه فقط إلى ترفيه ومنتج يرفد الاقتصاد المحلي، ويساهم في تعزيز الروافد المالية غير البترولية، ويدعم التنمية المستدامة في الوطن، ويفتح آفاقًا جديدة من الوظائف، ويضيف بقوله: يعمل القطاع الرياضي على تحفيز القطاعات غير الحكومية على القيام بدورها تجاه المساهمة في تقوية مخرجات النشاطات والخدمات في تعزيز الملاءة المالية للمملكة، متابعًا “في اعتقادي بأن القطاع الرياضي من أسرع القطاعات نموًا لكونه لا يتطلب بنى تحتية سيما وأن المرافق الرياضية جاهزة بأحدث المعايير العالمية التي تتطلبها الرياضة، وهو ما يرجح بأن نرى الهدف الذي رسمه ولي العهد يتحقق في غضون عامين”.
صناعة اقتصادية رياضية
ومن جانبه يقول مستشار التسويق، الدكتور محمد حطحوط، إن هناك أمور كثيرة يمكن من خلالها تحقيق رؤية ولي العهد ورفع مساهمة الرياضة في الناتج القومي للمستوى المأمول منها تحويل لعبة كرة القدم لصناعة اقتصادية رياضية، وهو يعني فتح كل الأبواب للقطاع الخاص للاستثمار في كرة القدم والرياضة بشكل عام لدينا رفع القيمة السوقية للأندية حاليًا، ويضيف بتفصيل أكبر: “على سبيل المثال استثمرت المملكة نادي نيوكاسل الانجليزي بقرابة 300 مليون يورو، الآن قيمة النادي أكثر من مليار يورو، حدث هذا في أقل من عام، فتخيل قيمة الأدية الأربعة المملوكة لصندوق الاستثمار بعد التعاقدات الأخيرة”، لافتًا إلى أن هذا الاهتمام سينعكس على القيمة السوقية للدوري بكامله، وإنه سوف يقود لارتفاع قيمة التذاكر والرعايات ومنتجات الأندية، مازلنا نعيش أن غالبية الأدية يتم دعمها حكوميًا، غير أن هذا سيتغير خلال سنوات قليلة لنصل لقطاع مثمر اقتصاديًا ويتحول لصناعة كاملة بكل منظومتها”.
الخصخصة هدف حكومي
ويؤكد من جهته خبير التسويق الرياضي العراقي، زيد يعرب، على أنه يمكن تحويل الرياضة لصناعة حقيقية من خلال الخصخصة، ويقول: “صحيح أن المملكة في المرحلة الأولى منها ولكنها خطت خطوات كبيرة وسريعة، وشاهدنا القلق الأوروبي من الحراك الرياضي السعودي”، ويضيف بتفصيل أكبر: الخصخصة هدف حكومي بأن تكون صناعة قادرة على دعم الاقتصاد المحلي بعيدًا عن الدعم الحكومي الذي لا يمكن أن يستمر”، لافتًا إلى أن الحراك السعودي هو الموجود في كل أنحاء العالم، ولكنها خطوات لن تكون سهلة والمهم أخذ الخطوة الأولى، قائلاً: إن المملكة قادت الريادة في الوطن العربي وقدمت نموذجًا ممتازًا وبخطوات سريعة، معتقدًا أن ثمة سنوات قليلة قبل أن تتحول جميع الأندية للقطاع الخاص وهذا سيخلق تسويق كبير في مختلف الأنشطة الرياضية، بعيدًا عن الترويج، فالرياضة تجارة مربحة وما قامت به السعودية مؤخرًا خطوات عظيمة”.
عوائد الأندية السعودية
وثمة توقعات بأن تتحسن أرقام الأندية حتى غير المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، فخلال عدة أشهر قليلة، ستدخل أربع أندية جديدة في دائرة الخصخصة، كأندية الشباب والاتفاق والوحدة والفيحاء، كونها تملك الأرضية المثالية لذلك، وكانت خلال عام 2022م حققت بعض الأندية إيرادات جيدة، فقد غرد الهلال وحيدًا خارج سرب الديون، ونجح في تقديم ميزانية خالية من الديون، وتحتوي على فائض بأكثر من 300 مليون ريال، جراء مشاريعه الاستثمارية الأخيرة، وبحسب لتقرير لمكتب TrendX المتخصص في ماليات الأندية، بلغ مجموع عوائد الأندية السعودية من الرعايات نحو 455 مليون ريال فيما بلغ عدد الرعاة 105 راع، كان نصيب نادي الهلال منها 45.8%، محققًا 207 ملاين ريال من إعلانات 11 راع، تلاه وبفارق كبير نادي النصر بـ97 مليون، فالاتحاد 87 مليونا، والشباب 24 مليون، فيما تراوحت أرباح بقية الأندية من الإعلانات ما بين 7 و1.2 مليون ريال.
وقد نجح نادي الهلال في تحقيق المزيد من الإيرادات من خلال شركة بلو ستوري التي تولت مبيعات قمصان الفريق، والشركات الاستثمارية التي أسسها مؤخرًا، ومبيعات التذاكـــــر، وخـــلال العـــــام الجـــاري، حصلـــت عدد من الأندية السعودية على صفقات كبيرة بإعلانات رئيسية تفـــوق الـ 100 مليون ريال، من شركات تتبع صندوق الاستثمارات العامة.
وعلى الرغم من ارتفاع الأرقام، إلا أن أندية المملكة ماتزال بعيدة عن الأرقام التي تحققها الأندية العالمية، فنادي مثل ريال مدريد الإسباني يحصل سنويًا على 281 مليون ريال من إعلانات طيران الإمارات على قمصان الفريق، فيما يحصل باريس سان جيرمان الفرنسي على 262 مليون ريال من إعلانات أكور للفنادق، ويحصل برشلونة الإسباني على 228 مليون من سبوتيفاي الموسيقى ومانشستر سيتي على 221 مليون ريال من رعاية طيران الاتحاد لقمصانه، ومع ذلك يظل أن الخطوات التي تمت والنجاحات المستمرة وفقًا للتخطيط المدروس يؤشر بأن الأندية السعودية على الطريق الصحيح نحو العالمية.