رأي

البحث عن استثمارك المستقبلي؟

“صاحب القرش صياد”، مقولة أو مثل في الثقافة الشعبية، وهي مقولة صحيحة إلى حد كبير أثبتتها تجارب الشعوب، وخبرات التجار، فكم من مرة جاءت الفرصة للأفراد في بضاعة أو عقار أو سيارة لكنهم لم يكونوا يمتلكون المال الكافي، ولا الوقت للاقتراض إن كانوا مؤهلين له، وكم من مصنع أو مجمع عقاري أو حصة في شركة ضاعت على رجل أعمال لأن السيولة لم تكن كافية، وحد الائتمان لا يسمح بتدبيرها.
من لديه المال اليوم من أصحاب الأعمال عن ماذا سيبحث؟ لو سألته عن فرصته أو صفقته القادمة فكيف سيجيب؟
الباحثون عن الأمان وتقليل المخاطر وبالطبع الأرباح المعقولة سيتجهون غالبًا إلى مناطق الأمان الاستثماري بالنسبة لهم، أي إلى المناطق التي لديهم خبرة فيها، هم غالبًا سيوسعون مصانعهم بإضافة منتجات جديدة، أو يزيدون أصولهم العقارية، أو حصصهم في الشركات المساهمة.
الباحثون عما هو أكبر وربما أخطر من ذلك لا يذهبون إلى هذه الاتجاهات رغم أنها جيدة ومعقولة، أنهم يذهبون إلى عوالم جديدة، يبحثون في أروقة “الهاكاثون”، أي هاكاثون تقيمه أي جهة لعلهم “يصطادون” مبدعًا مبتكرًا بفكرة مجنونة يمدونه بالمال لكي تظهر على السطح، أو يزورون الأجنحة الصغيرة في معارض التقنية مثل “ليب” وغيرها يتحينون فرصة هنا أو هناك لتبني الاستثمار في تقنية جديدة واحتكارها ومن ثم بيعها أو تصديرها أو إخراجها للعالم.
هناك قناعة تتزايد بأن تحويل المعرفة العلمية إلى منتج هو أساس قوة وهيمنة بعض الدول والتكتلات، أو الشركات العملاقة العابرة للقارات، ومؤخرًا يمكن عبور القارات بضغطة زر دون الحاجة إلى البواخر وجيوش محامي “الامتياز التجاري”، نعم فتحويل المعرفة إلى منتج هو سيد الموقف الاقتصادي والاستثماري اليوم.
اليوم بعض الأفكار والتطبيقات والحلول العلمية للمعضلات الإنسانية أو المعيشية عبرت القارات وصاحبها في بيته أو مكتبه، وفي الاتجاه المقابل عبرت الملايين وربما المليارات من الدولارات إلى حسابه المصرفي وحسابات شركائه أو فريق عمله من المبدعين أو أصحاب المعرفة.
تحويل المعرفة إلى منتج لا يتم إلا بالبحث العلمي، أي أن المستثمر الحصيف اليوم، أو فلنسمه مستثمر المستقبل هو من يبحث عن العقول لأن التجربة أثبتت أن البحث العلمي هو الطريق الأفضل لتنمية البلاد ورفاه المجتمع وهو قاعدة مهمة تنطلق منها كل مشاريع التنمية بكافة قطاعاتها المختلفة لتحقيق النتيجة المرجوة، النتائج التي تتم اليوم عبر شركات خلاقة ومستثمرون يتميزون بالجرأة، وبعد النظر الذي يأخذهم للإبحار في العقول المبتكرة.
في المملكة اليوم ثمَّة تركيز واضح على البحث والتطوير والابتكار، تركيز جاء في كثير من مقررات الرؤية وبرامج التحول، وهناك قرارات بجعلها أهداف استراتيجية تضع نصب عينيها أولويات ثابتة هي صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والطاقة المتجددة، واقتصاديات المستقبل، وربما يمكن اعتبار ذلك خارطة طريق لاختيار أين يكون استثمار أصحاب المال والأعمال، يكون في المعرفة والابتكار والبحث عن العقول النيرة التي يمكن أن تحقق إنجازات في تنفيذ هذه الأولويات.
يقود هذا التفكير أو هذا الطرح إلى حقيقة أساسية هي أن بناء العنصر البشري عبر بناء وتبني العقليات العلمية المعملية يظل هو الداعم الأساسي لأي شركة أو صاحب عمل يروم المستقبل ويريد أن يكون له دور في تحقيق التحول في ثقافة العمل والإنتاج، التحول المرتكز على قراءة وفهم التكامل بين البحث العلمي والمعرفة وربما “الأفكار المجنونة” ، وبين استدامة التنمية والفرص الاستثمارية الكامنة في المستقبل.