رأي

“إحنا ليش ما نجحنا في الصناعة؟“

عنوان المقال بداية حديث وسؤال طرحه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله-، على معالي الأستاذ بندر الخريف، في لقاء جمعهما قبل تعيين الأخير في منصبه كوزير للصناعة والثروة المعدنية في أغسطس 2019م.
أهمية السؤال تدل دلالة واضحة عن القناعة بوجوب رفع كفاءة قطاع الصناعة وعدم التوقف عند أي مستويات نجاح سابقة، عطفًا على حجم موارد ومكانة المملكة العربية السعودية وما يجب أن تكون عليه وما لهذا القطاع من أهمية محورية في عملية التنمية والناتج المحلي الإجمالي للبلد، وبالتالي حتمية فهم كافة التحديات التي تواجه القطاع والعمل على تذليلها بما يتماشى مع طموح وأهداف رؤية 2030م.
“تقويم” القطاعات الإنتاجية بصورة دورية عن طريق متابعة تحدياتها وجدارة أداء مخرجاتها واتجاهات التغير في توسع أنشطتها محليًا وعالميًا، بما يتلاءم مع أفق الطلب المستجد والمنافسة الدولية هي من الثوابت الأصيلة للاقتصاديات الناجحة، وعلى الرغم من أن المسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص في هذا الشأن، إلا أن دور الجهة الرسمية الاقتصادية العليا (مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية) في حالة المملكة يبقى القائد المحوري في عملية التوجيه، لما يتمتع فيه من صلاحيات غير محدودة ونظرة معرفية واستشرافية مفترضة لمستقبل المحتوى الاقتصادي.
يذكر مستشار منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي والبنك الآسيوي وأستاذ الاقتصاد في جامعة كامبريدج، ها-جون تشانج: أن من منظور السوق الحرة لا تتمتع “الحكومة” بالكفاءة عندما يتعلق الأمر برعاية تطوير الصناعات الجديدة، (أثبت الواقع ضحالة هذا المنظور!)، إلا أنها في الغالب ما تختار الفائزين، كما يجب على الحكومة أن تصبح أكبر حجمًا وأكثر نشاطًا من أجل تصحيح الأخطاء التي حدثت بسبب الأفكار التقليدية عن السوق الحرة!
ويضرب أمثلة على نجاح الحكومة بالتدخل في توجيه صناعات القطاع الخاص نحو مجالات جديدة من خلال التشجيع وتقديم المساعدات أو من خلال فرض تعريفة جمركية مرتفعة أو التهديد بسحب القروض من البنوك المملوكة للدولة.
كما حصل في كوريا حينما نجحت الحكومة في الفترة ما بين (1970م – 1990م) على إجبار شركة “LG” على اقتحام مجال صناعة الكابلات الكهربائية بدل مجال المنسوجات التي كانت تود الشركة ولوجه، وكان هذا التدخل أساسًا لانبثاق شركة عالمية رائدة في مجال الإلكترونيات.
فضلاً عن تهديد الرئيس السابق لكوريا الجنوبية (بارك تشونغ)، شركة “هونداي” بإعلان إفلاسها إن لم تدخل مجال صناعة السفن، وأصبحت الشركة الآن من أكبر مصنعي السفن في العالم!
يمكن سرد أمثلة أخرى على فاعلية الدور الحكومي في الاقتصاد وتجاوزه أيدلوجية السوق الحرة وأنظمتها التقليدية المعيقة من خلال تعاظم الدور الحكومي الصيني ونجاحه في عمليات الاستثمار المباشرة وغير المباشرة في القطاع الخاص داخليًا وخارجيًا، فضلاً عن نجاح الدول الإسكندنافية ومزجها بين مفهوم الحكومة الكبيرة والرخاء والنمو الاقتصادي.

وقفات:
• الأفراد يستفيدون ويربحون من الملكية الخاصة فقط بسبب الاستثمار العام (نظرية هنري جورج).
• زيادة أعمال صندوق الاستثمارات العامة السعودي (المملوك من قبل الحكومة) في القطاعين العام والخاص تتوافق مع المفهوم المرن (لا للأيدلوجيا الرأسمالية والسوق الحرة).
• لصندوق الاستثمارات العامة أدوار محورية متعددة بعد أن توسع حجمه المالي عن السابق فدوره الاقتصادي لم يعد محصورًا بالاستثمارات المباشرة أو المشاركة بها بل تحول إلى حاضنة للمشاريع والأفكار التنموية المستجدة التي يمكن أن تنتقل ملكيتها أو جزء منها للقطاع الخاص لاحقًا (عملية تبادلية).
• من الضرورة أن تتجه الشركات نحو تطوير وتنويع أنشطتها بما يتوافق مع متطلبات المرحلة، فشركات القطاع الخدمي على سبيل المثال بإمكانها أن تتوسع نحو التصنيع في مجالها، وقس ذلك على مختلف القطاعات الأخرى.