المنتجات المزيفة تهدد قطاع التوظيف الأوروبي و200 ألف شخص مهددون بالبطالة سنويًا.
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يقلل فرص تسلل المنتجات المزيفة إلى الأسواق.
خبير دولي: جمارك المملكة تُعدُّ واحدة من أكثر السلطات نشاطًا في مكافحة المنتجات المُقلدة عالميًا.
أصبحت المنتجات والسلع المُقلدة قضية مثيرة للقلق في السوق العالمية، لاسيما مع تزايد المشكلات المرتبطة بالتزييف بشكل مخيف، فمع الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه معظم الدول، فضلاً عن نمو الأسواق والتجارة عبر الإنترنت والمبيعات المباشرة للمستهلكين، باتت تدابير مكافحة التزييف غير كافية، حيث أصبحت التجارة في هذه السلع تشهد نموًا يومًا بعد يوم، بشكلٍ يدق ناقوس الخطر، نظرًا لما تمثله من خسائر للمستهلكين والمستثمرين على حد سواء، بل والأكثر من ذلك المخاطر المتعلقة بتمويل العمليات المشبوهة حول العالم، وتعريض حياة المستخدمين لها للمخاطر التي قد تصل إلى حد الوفاة.
خسائر فادحة
وثمة تقديرات تشير إلى أن حصة السلع المُقلدة بلغت %5.5 من التجارة العالمية العام الماضي، مقارنةً مع %3.3 عام 2019م، وهو ما يعكس الزيادة المضطردة في هذه التجارة التي أصبحت أكثر رواجًا من أي وقت مضى في شتى دول العالم.
وكشفت دراسة أجراها مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية عن الخسائر الاقتصادية التي وصفتها بـ”العميقة” للمنتجات المُقلدة على قطاعات تجارية بعينها، حيث عانت ثلاثة قطاعات من خسائر كبيرة، وهي الملابس (بما في ذلك الأحذية)، ومستحضرات التجميل والألعاب، مشيرةً إلى أن الأخيرة تعرضت لخسائر في المبيعات بنسبة %8.7، وهي نسبة أعلى من الملابس (%5.2)، أو مستحضرات التجميل (%4.8)، لافتةً إلى أن التكلفة الحقيقة لهذه السلع، لا تقتصر فقط على إيرادات المبيعات المفقودة، بل على الخسائر التي تتكبدها الشركات المصنعة والتي تقدر بأكثر من ملياري يورو سنويًا.
ليس هذا فحسب، بل باتت السلع والمنتجات المُقلدة تشكِّل خطرًا كبيرًا على قطاع التوظيف، حيث أدت إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يحتفظون بوظائفهم بنحو 200 ألف شخص، وجاء فقدان الوظائف الأكبر في قطاع الملابس بنحو 160 ألف وظيفة سنويًا، وأوضحت الدراسة أن نسبة كبيرة من سوق مستحضرات التجميل المُقلدة تتركز بشكل كبير في فرنسا، في حين تهيمن إيطاليا على قطاع الملابس.
وأكدت الدراسة أن تزييف السلع لا يؤثر بالسلب على جيوب المستهلكين والمصنعين فحسب، لكنه دخل في قطاعات اقتصادية حيوية، مثل الأدوية، مما يشكل خطرًا على الصحة العامة، علاوةً على ذلك، فإن الأرباح المتدفقة من المنتجات المُزيفة “تغذي الجريمة المنظمة، وتقوض الثقة في سيادة القانون، وتؤثر سلبًا على البيئة”.
أجهزة إلكترونية مُزيفة
وفي الولايات المتحدة، ربما الأمر تعدى مسألة الأضرار الاقتصادية، إلى سقوط ضحايا وحدوث إصابات بسبب شراء الأجهزة والمنتتجات المُزيفة، فعلى سبيل المثال، تسببت الإلكترونيات المُزيفة، في وفاة أكثر من 70 شخصًا، و350 ألف إصابة خطيرة سنويًا، وفقًا لتقرير المجلس الوطني لمنع الجريمة، الذي يسلط الضوء على العواقب الوخيمة لما يطلق عليه “السلع الاحتيالية”.
وأضاف تقرير المجلس الوطني بقوله: “إنها صناعة مزدهرة، وتُعدُّ أكبر تجارة غير مشروعة في العالم، حيث يتم بيع منتجات مُقلدة بقيمة 2 تريليون دولار للمستهلكين سنويًا”، وفي السياق نفسه، حذرت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية من أن التسوق عبر الإنترنت قد حول تجارة المنتجات المُقلدة إلى أرض خصبة للمجرمين الذين يروجون لهذه المنتجات التي من المحتمل أن تكون خطيرة.
وأوضح التقرير أنه بعد حريق في منزل بمقاطعة كوينز بنيويورك، أبريل 2023م، ونتج عنه مقتل شقيقين اكتشفت إدارة الإطفاء في الولاية وجود سكوتر كهربائي متفحم وشاحن في المنزل يحمل ملصق شهادة سلامة مزيفة، ويشتبه المحققون في أن الحريق قد اندلع بواسطة شاحن آخر ربما كان يحمل النوع نفسه من الملصقات المُزيفة، وقال مدير ميناء مطار جون كينيدي، سالفاتوري إنجراسيا، (إن لدينا مئات التقارير عن حرق المنازل بسبب هذا النوع من الأجهزة الإلكترونية المُزيفة).
كما كشفت دراسة حديثة النقاب عن أن 7 من كل 10 أشخاص قالوا إنهم تعرضوا للخداع لشراء منتجات مقلدة عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل خلال العام الماضي.
وغالبًا ما تحتوي مستحضرات التجميل المُزيفة على مواد ضارة، بينما قد تؤدي الأجهزة الإلكترونية المُقلدة إلى خطر الإصابة بالحرائق والصدمات الكهربائية، وتشمل قطع غيار المركبات المُزيفة الأكثر شيوعًا في جميع أنحاء العالم، والتي تشمل الإطارات ووسادات الفرامل والوسائد الهوائية، والتي يؤدي استخدامها إلى حوادث خطيرة.
وتؤدي السلع المُقلدة إلى مزيد من التلوث على كوكب الأرض، سواء في مرحلة إنتاجها أو توزيعها والتخلص منها، ولا تقدم أيًا من أشكال الحماية ضد التأثير البيئي التي توفرها الشركات التي تصنع منتجات مشروعة، وعلاوةً على ذلك، فإن التزييف له روابط وثيقة بالجريمة المنظمة، وفقًا للجنة الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، إذ تعد السلع المُقلدة ثاني أكبر مصدر للدخل الإجرامي في جميع أنحاء العالم بعد المخدرات.
الذكاء الاصطناعي
ولمواجهة هذه المخاطر ولمنع تسلل هذه السلع إلى الأسواق، تعتمد بعض الدول تقنيات متطورة، بما في ذلك أجهزة الأشعة السينية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لاستهداف الطرود الصغيرة التي تأتي من الخارج، إذ تسمح التكنولوجيا الجديدة بجمع وتحليل ميزات المنتجات الأصلية، واستخدام تلك البيانات لمعالجة واستهداف المنتجات المُزيفة بسرعة وحجم أكبر بكثير مما يمكن أن يفعله الأشخاص بمفردهم.
وفي السياق نفسه، يستخدم “أمازون”، موقع التجارة الإلكترونية الأشهر في العالم، الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للتصدي للبائعين الذين يحاولون بيع المنتجات المُقلدة على منصته، فقبل ثلاث سنوات، قام بإنشاء وحدة داخلية لمكافحة جرائم التزييف، تقوم بمسح أكثر من 8 مليارات قائمة من البائعين يوميًا.
الشرق الأوسط
ويعرف الشرق الأوسط بأنه مركز رئيس لإعادة شحن المنتجات المُقلدة بكميات كبيرة في حاويات ويتم إرسالها إلى بلدان أخرى في أفريقيا والاتحاد الأوروبي، كما تنتشر هذه السلع في الأسواق المحلية، نظرًا لرخص سعرها، وإقبال المستهلكين عليها رغم معرفتهم بأنها غير أصلية.
وبالرغم من عدم توافر إحصاءات رسمية دقيقة عن سوق السلع المغشوشة، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أنها تصل إلى 50 مليار دولار في الدول العربية سنويًا، وتستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على نسبة %14 منها، حيث تسعى الدول بشتى الوسائل مكافحة الغش التجاري وتزييف السلع، سواء عن طريق اللوائح والقوانين الرادعة، أو حملات نشر الوعي بين المواطنين بمخاطرها الهائلة.
جمارك المملكة
وحول جهود المملكة في مكافحة السلع المقلدة، ذكر الخبير والناشط الدولي في مجال إنفاذ حقوق الملكية الفكرية، ستيوارت آدمز، أن الجمارك السعودية أتلفت أكثر من مليوني سلعة مقلدة عام 2020م، شملت الأحذية والملابس وإكسسوارات الهواتف المحمولة والأدوات الصحية وفلاتر السيارات والمواد الغذائية، وجميعها كانت تعرض علامات تجارية مشهورة من كبرى الشركات العالمية.
وأضاف آدمز، أن المملكة تعد اقتصادًا رئيسًا في مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط، وتشهد طفرة تنموية في تطوير مرافق الموانئ والبنية التحتية لتصبح واحدة من الدول الرئيسة للتجارة ونقل البضائع في المنطقة، وتتصدى بكل قوة للسلع المُزيفة، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بإنفاذ القوانين الجمركية، تشهد جمارك المملكة تقدمًا هائلاً وتُعدُّ واحدة من أكثر السلطات نشاطًا في مكافحة المنتجات المُقلدة في البلاد، لاسيما وأنها من أكبر الأسواق للعلامات التجارية في العالم.
من جانبه، يرى عضو الجمعية السعودية للاقتصاد، الدكتور عبدالله أحمد المغلوث، أن السلع المُقلدة تؤثر بالسلب على خطط واستراتيجيات الصناعة المحلية، وبالتالي تُضيق فرص العمل أمام المواطنين، فضلاً عن إضرارها بالاقتصاد والاستثمار المحلي والقدرة على جذب رؤوس الأموال العالمية، مشددًا على أن الجمارك تقوم بدور فعال في رصد ومنع التقليد، إذ تشير إحصائية إلى منع دخول 87 مليون وحدة مقلدة في عام واحد، وفي آخر إحصائية، تم تقليص البضائع المُقلدة الواردة للسوق السعودية بنسبة %45 خلال السنوات الثلاث الماضية، موضحًا أن وزارة التجارة والاستثمار وقَّعت اتفاقية مع اليابان لمكافحة هذه السلع، ومثلها مع الصين، فضلاً عن حملات التفتيش التي تضبط عشرات الآلاف من المنتجات المخالفة في السوق، مشددًا على أن مكافحة هذه السلع تتطلب تعاون أكثر من المستهلكين، ونشر الوعي بخطورتها الحقيقية عليهم وعلى الاقتصاد بشكل عام.