على الرغم من أن اقتصاد المملكة انكمش بنسبة %0.8 عام 2023م إلا أن القطاع غير النفطي واصل أداءه القوي لينمو بنسبة %4.4.
الإيرادات غير النفطية ارتفعت من حوالي 166 مليار ريال عام 2015م إلى حـــوالي 457 مليـــار ريــال عام 2023م.
الناتج المحلي غير النفطي يسجل أرقام نمو جيدة تبلغ أكثر من %4، ومن المتوقع أن يتجاوز الـ %5 على المدى المتوسط.
المملكة استطاعت تحقيق أول فائض منذ 2013م بنحو %2 خلال 2022م و%2.3 عام 2023م بعد تعافي أسعار النفط وترشيد الإنفاق.
تسعى المملكة منذ إطلاق رؤية 2030م إلى تقليص العجز المالي تدريجيًا، وحققت بالفعل تقدمًا ملحوظًا في تحسين استدامتها المالية، خلال السنوات الماضية؛ حيث نجحت عام 2022م في تحقيق أول فائض مالي منذ عام 2013م ليس فقط بدعم من ارتفاع أسعار النفط، ولكن أيضًا بسبب نمو القطاع غير النفطي وزيادة إيراداته، بعد أن وضعت المملكة في رؤيتها محورًا أساسيًا لتحفيز البيئة المناسبة للقطاع غير النفطي، وزيادة حصته من الناتج المحلي الإجمالي.
مصادر مستدامة
وبعد أن كان صندوق النقد الدولي يربط توقعاته للاقتصاد السعودي بتقلبات أسعار النفط فقط، ويبني عليها معدلات النمو لمعظم المؤشرات الاقتصادية المهمة، على اعتبار أن النفط يستحوذ وقتها على أكثر من %90 من صادرات المملكة، فإن صندوق النقد، في تقريره لعام 2023م صنف اقتصاد المملكة، باعتباره الأسرع نموًا بين اقتصادات مجموعة العشرين، مرتكزًا على زيادة نمو الناتج المحلي غير النفطي بنسبة %4.8.
ويظهر المسح الشهري لمؤشر مديري المشتريات لبنك الرياض، والذي صدر في مارس 2024م انتعاش النشاط التجاري غير النفطي في المملكة للشهر الـ 41 على التوالي (حوالي 3 سنوات ونصف)، كما ارتفع المؤشر الفرعي للإنتاج، وهو ما يشير إلى انتعاش نشاط الطلبيات الجديدة مدعومًا بتزايد الطلب على المنتجات المحلية من الأسواق الدولية..
على الرغم من أن المملكة تبنت منذ سبعينيات القرن الماضي، عديدًا من خطط التنمية الخمسية، لتنويع اقتصادها، الذي يرتكز على النفط، وتقليل الانكشاف على المخاطر والتقلبات في أسعار هذا القطاع الحيوي، وحققت بالفعل نموًا في الإيرادات غير النفطية، إلا أنها واجهت تحديًا رئيسًا، ألا وهو عدم وجود مصادر مستدامة لزيادة الدخل غير النفطي، ومن هنا تبرز أهمية “رؤية 2030″، التي سعت لتعزيز المصادر المستدامة، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية، بناءً على عدد من المبادرات والاستراتيجيات المتنوعة..
كما عزز من توجهات المملكة لتنويع ودعم قطاعاتها غير النفطية وتسريع الإصلاحات، تراجع أسعار النفط في عام 2014م؛ إذ جاء انخفاض أسعار النفط في المتوسط إلى ما دون 55 دولارًا للبرميل خلال الفترة من (2015م إلى 2017م لتتحول الفوائض إلى عجز وتباطؤ للنمو، وتبدأ المخاوف مجددًا بشأن الاستدامة المالية، وانعكاساتها على استقرار الاقتصاد الكلي.
ولذلك بذلت الحكومة لمواجهة ذلك وتحقيق أهداف الرؤية عديدًا من الجهود لتعزيز القطاع غير النفطي، عبر خطة لإنفاق تريليونات الدولارات ودعم الاستثمارات الحكومية في القطاعات غير النفطية، مثل: السياحة والبناء والتصنيع، فضلاً عن دعم القطاع الخاص المحلي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز تصدير المنتجات الوطنية إلى الأسواق الخارجية..
إصلاحات وركائز
يتمثل الهدف الرئيس للرؤية في محور تحقيق الاستدامة المالية، بتعظيم الإيرادات الحكومية غير النفطية، لذلك نفذت الحكومة عديدًا من الإصلاحات واتخذت الخطوات في هذا المجال، وأسهم تحسن البيئة التنظيمية وبيئة الأعمال في تعزيز التنوع الاقتصادي؛ ففي عام 2022م سجلت الصفقات الاستثمارية نموًا قدره %95، وسجلت التراخيص الجديدة نموًا قدره %267، بفضل القوانين الهادفة إلى تعزيز ريادة الأعمال وحماية حقوق المستثمرين وخفض تكلفة ممارسة الأعمال، وكذلك لجهود صندوق الاستثمارات العامة السعودي في توظيف موارده الرأسمالية لتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص..
وكجزء من برنامج التوازن المالي، تم إطلاق مبادرات إضافية مولدة للدخل غير النفطي، من خلال اعتماد الضرائب الانتقائية على التبغ والمشروبات والطاقة، وكذلك فرض رسوم وضرائب أخرى على الإقامات الفندقية والتأشيرات ودور السينما والأراضي البيضاء، وهو ما أدى إلى تحسن كبير في الإسهام السنوي للدخل غير النفطي من إجمالى الإيرادات الحكومية ليبلغ في المتوسط %36 بين أعوام (2016م و2022م) مقارنة بـ %19 خلال الفترة من (1970م حتى 2014م).
ومن الملاحظ أن الإصلاحات الضريبية ساعدت بشكل كبير في زيادة الإيرادات غير النفطية، إذ أصبحت الضرائب على السلع والخدمات المحرك الرئيس لنمو الإيرادات الضريبية، إلى جانب توسع الإنتاج والمبيعات في الصناعات غير النفطية، لذلك، نمت الإيرادات غير النفطية كنسبة من الإنفاق الحكومي من %17 عام 2015م إلى %35، واستطاعت العام الجاري وللمرة الأولى أن جاوزت نسبة الـ %50.
ويرى صندوق النقد الدولي أن دول الخليج مازالت محتفظة بقوة زخم نمو القطاعات غير النفطية المدفوعة بالطلب المحلي، وزيادة التدفقات الاستثمارية الخارجية، فضلاً عن احتفاظ أرصدة المالية العامة بقوتها، مشيرًا إلى أن استثمارات القطاع الخاص غير النفطي في المملكة ستكون العامل الرئيس لقيادة النمو الاقتصادي في البلاد، وأن تسارع الأنشطة غير النفطية يدعم الاستثمارات في هذا القطاع، خصوصًا مشاريع قطاعات الجملة، وتجارة التجزئة، والإنشاءات، والنقل، معتبرًا أن ارتفاع الإيرادات غير النفطية يشكِّل انعكاسًا للإصلاحات المالية والهيكلية المتواصلة، لكنه يرى بضرورة الاستمرار في تركيز الإصلاحات على تنويع النشاط الاقتصادي بعيدًا عن الهيدروكربونات..
نتائج ومؤشرات
ومن الواضح أن القطاع غير النفطي بالمملكة، يواصل نموه منذ حوالي 3 سنوات ونصف، رغم عديد من التحديات الناتجة عن ارتفاع التكاليف وأسعار الفائدة، وعلى سبيل المثال، فإنه على الرغم من الزيادات في التكاليف، فقد ظلت أسعار السلع والمنتجات لم ترتفع، وهو ما يشير إلى القدرة التنافسية العالية في السوق.
وقد نجحت المملكة في تقليص عجزها المالي من %15.8 من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015م إلى %4.5 من الناتج عام 2019م، وعلى الرغم من جائحة كورونا، فقد بلغت حصة الاقتصاد غير النفطي للمملكة عام 2022م حوالي %59، مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة %15 بالقيمة الحقيقية و%28 بالقيمة الإسمية، كما استطاعت المملكة تحقيق أول فائض منذ عام 2013م بنحو %2 خلال 2022م و%2.3 في عام 2023م مدعومًا بتعافي أسعار النفط وترشيد الإنفاق ورفع الإيرادات الضريبية.
وعلى الرغم من أن الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية، أعلنت تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة %0.8 على أساس سنوي، خلال عام 2023م متأثرًا بتباطؤ نمو القطاع النفطي بـ %9 خلال العام، وعلى الرغم من أن اقتصاد المملكة انكمش بنسبة %0.8 في عام 2023م إلا أن القطاع غير النفطي واصل أداءه القوي لينمو بنسبة %4.4.
فقد سجلت الأنشطة غير النفطية في العام نفسه أعلى مساهمة لها في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحوالي %50، وذلك بعد أن بلغ إجمالي الاقتصاد غير النفطي حوالي 1.7 تريليون ريال، نتيجة استمرار النمو في الاستثمار والاستهلاك والصادرات..
وتجدر الإشارة إلى أن الاستثمار غير الحكومي ارتفع آخر عامين بمعدل نمو %57، لتصل قيمة الاستثمارات غير الحكومية إلى أعلى مستوى تاريخي لها عند 959 مليار ريال في عام 2023م..
ومن الملاحظ أن القطاع النفطي تتناقص إسهاماته تدريجيًا في الناتج المحلي الإجمالي، إذ كان عام 2015م حوالي %43 وبدأ التراجع التدريجي، حتى وصل إلى ما يقرب من %38.7 فيما تُعدُّ مساهمة القطاع النفطي هي الأقل مساهمة خلال عام 2022م، وذلك في إطار سعى الدولة للتوازن في باقي القطاعات الاقتصادية ورفع نسبة مشاركتها في الناتج المحلي الإجمالي..
وعلى العكس من ذلك، فقد كانت الإيرادات غير النفطية، خلال عام 2015م حوالي 166 مليار ريال، وظلت تتزايد حتى وصلت عام 2023م ما يقرب من 457 مليار ريال، وتهدف المملكة للوصول إلى تريليون ريال إيرادات غير نفطية خلال عام 2030م وتنويع الناتج المحلي الإجمالي والوصول بحجم ناتج محلي إجمالي خلال عام 2030م حوالي 6.4 تريليون ريال..
أربعة مجالات أساسية
وفقًا لـ “معهد دول الخليج العربي في واشنطن”، والذي أصدر تقريرًا، حول تنويع اقتصاد المملكة، فإن ثمَّة أربعة مجالات أساسية، نجحت المملكة في الاعتماد عليها، لتحقيق هذا التنوع، وهي:.
- المجال الأول: الصادرات؛ حيث تراجعت صادرات النفط من إجمالي الصادرات، وفي المقابل، زادت صادرات البتروكيميائيات من %9 من صادرات السلع والخدمات عامي 2012م إلى 2013م إلى %12 عام 2022م، كما ارتفعت صادرات السفر والسياحة من %2 إلى %5 خلال الفترة الزمنية نفسها..
- المجال الثاني: نمو حصة القطاع الخاص؛ إذ نمت حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للمملكة من %37 في 2012م إلى 2013م إلى %39 في 2022م، كما بلغت حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية %41 عام 2022م، مقارنة بـ %39 في عامي 2012م و2013م..
وسعت الحكومة إلى تفعيل ودعم القطاع الخاص ورفع إسهاماته في الناتج المحلي إلى %65، وفي هذا الإطار، يؤكد وزير المالية “محمد الجدعان” على دور الشركات والمستثمرين في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، قائلاً: “إذا فشلنا في إشراك القطاع الخاص الذي هو أكثر فعالية، فسيكون من الصعب تحقيق برنامج التنويع وفقًا للرؤية”..
ودشنت المملكة بالفعل، مبادرات للخصخصة والشراكة بين القطاعين العام الخاص بلغت 59 مبادرة لكسب 143 مليار ريال في الدخل غير النفطي، من خلال مبيعات الأصول والشراكات بين القطاعين العام والخاص بحلول العام 2025م، كما يلعب صندوق الاستثمارات العامة محركًا أساسيًا للنمو في هذا الإطار..
- المجال الثالث: وهو الإيرادات الحكومية؛ حيث ارتفعت الإيرادات الحكومية غير النفطية من %10 إلى %32 من إجمالي الإيرادات الحكومية في عام 2022م..
- المجال الرابع: يتمثل في انخفاض اعتماد الشركات الخاصة على العمال غير السعوديين وانخفاض اعتماد المواطنين على التوظيف في القطاع العام..
نمو الصادرات
وضمن خطة طموحة للاعتماد بشكلٍ أكبر على القطاع غير النفطي في النهوض بالاقتصاد، سعت المملكة إلى رفع نسبة صادرات القطاع من %16 إلى %50 من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال (44 مليار دولار) إلى تريليون ريال سنويًا (270 مليار دولار).
وبالفعل، ووفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء نمت الصادرات غير النفطية عام 2021م عقب تخفيف الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا، وبلغ معدل النمو حوالي %35.8 لتصل إلى 277.5 مليار ريال، مقابل 204.4 مليار ريال عام 2020م..
واستحوذت وقتها صادرات المملكة من المطاط والبلاستيك على النصيب الأكبر من إجمالي حجم الصادرات غير النفطية بقيمة بلغت 28.3 مليار ريال، كما زادت صادرات الصناعات الكيميائية لتصل إلى 26.2 مليار ريال، وفي عام 2022م واصلت الصادرات غير النفطية ارتفاعهاـ بوصولها إلى حوالي 313.5 مليار ريال، بمعدل نمو بلغ %11.6، وجاءت الصناعات الكيميائية، هذه المرة في الصدارة..
تطور القطاعات
وفي إطار السعـــي لتنويـــع الاقتصاد الوطني وعـــدم الاعتمـــاد على النفط شهد عديـــد مـــن القطاعـــات غير النفطيـــة تطورًا كبيرًا، ومنها:.
- التحول الرقمي: ويرتبط بذلك تفعيل استراتيجية الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء المملكة، ووضع التحول الرقمي على رأس أولويات الرؤية من خلال استراتيجية متكاملة، تهدف إلى تمكين وتسريع التحول الحكومي؛ حيث وصل حجم الإنفاق على الحكومة الرقمية أكثر من 12 مليار ريال، وهو ما انعكس على تحقيق مؤشرات ونتائج إيجابية، وشهدت المنصات الحكومية الرقمية في المملكة تطورات متسارعة تعزز من التنافسية، وتسهل دخول الشركات والمؤسسات إلى السوق المحلية، لتحقيق مستهدفات البلاد في تشجيع الاستثمار والنمو من خلال خدمات سلسة وذات جودة عالية..
- الحفاظ على البيئة ودفع عملية التحول في مجال الطاقة: إذ أطلقت المملكة مبادرة “السعودية خضراء”، وقررت استثمار أكثر من 180 مليار دولار لتحقيق أهدافه البيئية، وعلى رأسها تعهدها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060م..
- تنمية المواهب، وكذلك توطينها وتأميم وتوطين سلسلة التوريد والاقتصادات الصناعية واقتصادات المهارات..
- إصلاحات التأشيرات الجديدة للمغتربين وزيادة الحوافز التجارية للشركات الصغيرة والمتوسطة..
- الضيافة والسياحة: بتنمية الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية وتطوير نظام التأشيرات، من خلال القوانين والمبادرات السياحية الجديدة وتطوير مناطق الجذب السياحي..
وتمثلت أبرز القطاعات غير النفطية، التي حققت مؤخرًا نموًا كبيرًا، وأسهمت بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي، في أنشطة الترفيه والتقنية والسياحة، إذ بلغ معدل نمو قطاع خدمات الإقامة والمطاعم، حوالي %77، وقطاع النقل والتخزين بنحو %29، كما حقق نشاط مشغلي الجولات السياحية، نموًا ملحوظًا في عدد السجلات التجارية الجديدة، والتي بلغت خلال الربع الأول من عام 2024م حوالي 6789 سجلًا مقارنةً بـ 5092 في الربع الأول من عام 2023م.
وجاءت منطقة مكة المكرمة على رأس مدن المملكة، فيما يتعلق بحجم السجلات الجديدة ضمن أنشطة الجولات السياحية بواقع 3,693 سجلاً، وتلتها مدينة الرياض بعدد سجلات بلغ 1,611 سجلاً، وجاءت المدينة المنورة ثالثًا بواقع 611 سجلاً تجاريًا، وفي المرتبة الرابعة جاءت منطقة الشرقية بـ 430 سجلاً، أما منطقة عسير فجاءت خامسًا بـ 106 سجلات جديدة..
وحقق قطاع فنادق الاستشفاء نموًا في السجلات التجارية بحوالي %68 خلال الربع الأول من عام 2024م، حيث بلغت السجلات التجارية في الربع نفسه 2,100 سجل جديد مقارنةً بـ 1,244 بالربع الأول من عام 2023م.
توقعات مُبشرة
وتسعى المملكة في ظل استمرار التخفيضات الطوعية في إنتاج النفط، إلى دعم قطاعها غير النفطي، وهو ما ظهر بوضوح في موازنة عام 2024م التي أكدت، من خلال خطتها وبنودها، أهمية تعزيز إسهام الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز دور القطاع الخاص في دعم الاستثمارات غير النفطية.
ورأى الجدعان أن الناتج المحلي غير النفطي يسجل أرقام نمو جيدة للغاية تبلغ أكثر من %4، متوقعًا أن يتجاوز الناتج المحلي غير النفطي الـ %5 على المدى المتوسط (أقل من التوقعات السابقة التي كانت تصل إلى %6)، ومشيرًا إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ستساعد على التعامل بشكل أفضل مع الصدمات الخارجية، على غرار كورونا والمخاطر الجيوسياسية..
وفي تعليقه على انكماش الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي بحوالي %0.8، أكد الوزير أن الحكومة لم تعد تركز على أرقام الناتج المحلي الإجمالي، بل على تطور القطاع غير النفطي، في ظل مستهدفها لتنويع الاقتصاد وفق رؤية 2030م؛ حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى %4.6.
وفي ظل التوقعات بزيادة الإنفاق الحكومي في السنوات المقبلة، من المتوقع أن يعطي ذلك دفعة للنمو المحلي وللناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وإن كانت زيادة الإنفاق ستؤدي أيضًا إلى عجز مالي يبلغ حوالي %2.
وتتوقع وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني في تقرير لها بعنوان “النظرة المستقبلية للقطاع المصرفي في المملكة: استمرار النمو غير النفطي، والظروف التشغيلية الملائمة تدفع التوقعات الإيجابية” أن ينمو الاقتصاد السعودي بمعدل أعلى من المتوقع في عامي 2023م و2024م مدعومًا بقطاعه غير النفطي، موضحةً أن زخم القطاع غير النفطي، سيستمر في نموه بمعدل %5.5 في عام 2024م مدعومًا بتنفيذ المشروعات والتوقعات الاقتصادية الإيجابية وأسعار النفط الداعمة.
كما تؤكد مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، وهي مؤسسة بحثية مقرها لندن، أن اقتصاد المملكة سيحقق تعافيًا عام 2024م بفضل استمرار الزخم القوي للاقتصاد غير النفطي، ليعوض التأثير الناتج من تمديد خفض إنتاج النفط، مشيرةً إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي %2.8، لتتسارع إلى ما بين 3.6 و%4.8، خلال 2025م و2026م مع تزايد إنتاج النفط، بعد إلغاء الخفض الطوعي وبقاء العمل بالسياسات المالية التيسيرية.
وفي هذا الإطار، تشير الباحثة الاقتصادية بمؤسسة “موديز أناليتكس”، كاتارينا نورو، إلى إن اقتصاد المملكة شهد تحولاً كبيرًا مع استحواذ القطاع غير النفطي على حصة متنامية من نمو الناتج المحلي الإجمالي، متوقعةً أن يسجل نموًا بين 3 و%4 حتى عام 2030م فيما سيكون نمو القطاع النفطي بين %0.5 و%1.5 بعد عام 2025م، موضحةً أن استمرار المملكة في تقديم تسهيلات ائتمانية للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم من المنتظر أن يُحفز النمو في قطاعات حيوية، مثل: السياحة والإنشاءات، وهو ما يتطلب نموًا موازيًا للقوى العاملة..
تحديات وتداعيات
وعلى الرغم من الجهود المستمرة لتنويع ميزانية الحكومة في القطاعات غير النفطية، وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة في الإيرادات غير النفطية، حيث وصلت إلى %47 عام 2020م، وفي عام 2024م إلى أعلى نسبة لها بحوالي %50، إلا أن اعتماد ميزان المالية العامة مازال يرتكز نصفه تقريبًا على أسعار النفط، وهو ما يعنى أن أى صدمات أو انهيارات في هذا القطاع ستُلقي بتداعياتها، مثلما حدث مع انهيار أسعار النفط خلال جائحة كورونا، وهو ما أدى إلى حدوث عجز بالميزانية.
وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يرى أن القطاع غير النفطي سيكون داعمًا للنمو في دول الخليج خلال السنوات المقبلة، إلا أنه يشير إلى أنه لن يعوض بشكل كامل تراجع نمو النفط على المدى المتوسط، ولذلك فإنه يدعو الحكومات للاستمرار في دعم القطاع غير النفطي وفي الوقت نفسه عدم إهمال القطاع النفطي، والذي كان قاطرة نمو الاقتصاد الخليجي في العقود الماضية..
من جانب آخر، فإنه من المهم الانتباه والعمل على الحد من بعض التداعيات السلبية، للمساعي الخاصة لتنويع الإيرادات الحكومية غير النفطية عن طريق زيادة الضرائب، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الاستهلاك والاستثمار الخاص، لذلك يجب رفع كفاءة الإنفاق، وضمان النمو الاقتصادي المستدام للقطاع الخاص لتعويض ذلك..
وإذا كان نمو القطاع غير النفطي يرجع إلى قوة الطلب المحلي، فإن مواصلة هذا النمو يتطلب تطبيق سياسات اقتصادية كلية تتناسب مع ظروف اقتصاد المملكة والتحديات المستقبلية، التي تواجهه بشكل عام، وعلى رأس ذلك تعزيز الإنتاجية، من خلال المشاريع الضخمة، وتوفير بيئة أكثر دعمًا للابتكار والاستثمار في القطاع الخاص.