اقتصاديات الرمال

رمالنا ثروة!

تركيز الرؤيــة على خطــة تعدينيــة ضخــمــة ســـوف يكــــون لـــه أثر واضـح على صناعـــة الرمـــال وحسن استغلاها.

تمتلك المملكة خطة لتوسيع مجالات استثمارها للرمال عبر عديد من مشاريعها تستهدف تحقيق أكبر استفادة ممكنة خلال السنوات القادمة.

 

صنفتها الأمم المتحدة كثاني أكثر الموارد استخدامًا على وجه الأرض بعد المياه، وأوجبت الاعتراف بها كمورد استراتيجي، تُقدر قيمته السوقية عالميًا بأكثر من 70 مليار دولار، وثمة تزايد مستمر لاستخدامات الرمال لاسيما مع التقدم الحاصل في الصناعات المعتمدة عليها بأنواعها المختلفة.

وتشكل الرمال اليوم سلعة تباع وتشترى؛ لاستخداماتها المتعددة التي يعتمد عليها كثير من الصناعات الاستراتيجية، ناهيك عن أنها تدخل في كثير من المنتجات الصناعية الحديثة ذات الأهمية الاقتصادية، وبالأخص استثمارات الحصول على مادة السيليكا (رمال الكوارتز)، التي تمتلك مواصفات كيميائية وفيزيائية تناسب صناعات عديدة..

وتدخل رمال الكوارتز في صناعة الرقائق الإلكترونية التي تدخل في معظم الصناعات التكنولوجية الحديثة مثل صناعة السيارات الكهربائية والطائرات وأجهزة التحكم، بالإضافة إلى أنه يدخل في صناعة الخلايا الشمسية التي تبرز أهميتها هذه الأيام مع تزايد الاتجاه إلى الاستفادة من الطاقة الشمسية كأحد أهم مصادر الطاقة البديلة، إضافة لأن أبخرة السيليكا وهي أحد النواتج الجانبية لصناعة السيليكون، تستخدم في صناعة الأسمنت الذي يُعدُّ المادة الأساسية في عمليات البناء والإعمار، وتسعى كافة الدول والشركات الكبرى حول العالم بشتى الوسائل للحصول على هذه المادة النادرة، الأمر الذي يجعل المملكة محط أنظار دول العالم بعد اكتشاف “السيليكا” في رمالها  بكثرة..

خمس مناطق رئيسة للرمال

وطالما امتدت المساحات الرملية على أراضٍ شاسعة في عدد من مناطق المملكة، وقد قدَّرت هيئة المساحة والجيولوجيا مساحة التجمعات الرملية بنحو %33 من مساحة المملكة ما يفوق مساحة 14 دولة أوروبية مجتمعة، وعلى مدى عقود ماضية، لم يكن ثمَّة استغلال كاف لهذه الثروة الرملية، غير أن هذه الصورة بدأت في التغيير بعد أن قررت المملكة في إطار رؤيتها 2030م، استغلال كافة موارد المملكة والعمل على الاستفادة الكاملة منها، ولدى المملكة خطة من أجل توسيع مجالات استثمارها لرمالها، عبر عديد من مشاريع تعدينية ضخمة، تستهدف تحقيق أكبر استفادة ممكنة منها خلال السنوات القادمة..

وثمَّة خمس مناطق رئيسة للرمال، أبرزها الربع الخالي وكثبان رمال الدهناء وصحراء النفود، والتي تُعدُّ موردًا ضخمًا ونوعيًا للرمال المتحركة والمنقولة، وزاخرة بالمعادن، وذات فائدة اقتصادية وجدوى كبيرة فيما يتعلق بالمستخلصات منها؛ إذ تتميز المملكة بتنوع كبير في الرمال ليس في اللون فقط، ولكن في البنية الجيولوجية لها، خاصة فميا يتعلق بالجرف القاري والصخور تحت الرمال..

مصنع محلي لصب الرمال

وفي أكتوبر 2023م، طرح موقع “استثمر في السعودية” وهو أحد أبرز القنوات التسويقية للتعريف بالبيئة الاستثمارية والمزايا التنافسية في البلاد 24 فرصة استثمارية في قطاع التعدين والمعادن في منطقة المدينة المنورة، كان من أهم تلك المشاريع مشروع لإنتاج 144 كيلو طنًا من رمل السيليكا عالي النقاء، وإنشاء مصنع محلي لصب الرمل، كما بلغ حجم الاستثمار المتوقع لفرصة إنشاء مصنع للمواد الفعالة من جرافيت أنود بقدرة 10 كيلو طن سنويًا نحو 200 مليون دولار أمريكي، وجاءت فرصة إنشاء مصنع لمعالجة الزجاج المصقول بقدرة 42 كيلو طنًا سنويًا بحجم استثمار متوقع يبلغ 50 مليون دولار، وفرصة لتطوير 250 كيلو طنًا سنويًا من رمل فراك والرمل المطلي بالراتنج لتزويد المملكة والمنطقة بشكل رئيس، بحجم استثمار متوقع يبلغ 40 مليون دولار، وأيضًا كانت وزارة الصناعة والثروة المعدنية، أعلنت تخصيص خمسة مواقع لخام الرمل كمجمعات تعدينية بمحافظة الزلفي وسط البلاد، من أجل الحفاظ عليها من تعديات الغير، وعدم المساس بها أو الإحداث فيها أو تملكها، وتخطط الوزارة لتخصيص مزيد من المناطق في مختلف مدن المملكة..

إبراهيم محمد آل الشيخ

خطط لاستغلال بحر الرمال

ولا تقتصر خطط المملكة الصناعية، على إنتاج وتعدين الرمال فقط، بل إن هناك كثيرًا من الخطط لاستغلال بحر الرمال الذي يدفق في مختلف مدن المملكة، يمكن الاستفادة منها في السياحة العامة والسياحة العلاجية من خلال تطوير أماكن معينة تكون موجهة للسياح من أجل الاستجمام والتزلج، كما يحدث في “العُلا” حاليًا، ولكن بخطط أكثر توسعًا، غير أن التركيز الأكبر حاليًا سيكون على التصنيع، وهي خطط تشمل أكثر من رمال الكوارتز البيضاء؛ ففي ديسمبر الماضي، استأنفت وزارة الصناعة والثروة المعدنية عملية تصدير (الكثبان الرملية) من المجمع التعديني المعتمد والمخصص لنهل الرمال في غونان بالمنطقة الشرقية، وتأتي هذه الخطوة كجزء من المرحلة الأولى من مراحل تدريجية تهدف لاستئناف تصدير الرمل والبحص من عدة مجمعات تعدينية معتمدة..

ناصر القرعاوي

تصدير الرمل الأحمر

وكشفت الوزارة حينها أن استئناف تصدير الرمل الأحمر والبحص جاء بعد إتمام الدراسات الفنية والبيئية بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة، وأوضحت الوزارة أن عملية اختيار المجمعات التعدينية لاستئناف تصدير الخامات الأساسية لمواد البناء تمت وفقًا لعدة معايير، منها القرب من المنافذ الحدودية، وتنسيق فعال مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، والجهود المبذولة في تطوير هذه المجمعات التعدينية لتطبيق عمليات الرقابة والامتثال..

ويؤكد رجل الأعمال الخبير في محال الصناعة، إبراهيم محمد آل الشيخ، أن الرمال المتناثرة حول كافة مدن المملكة ليست لمجرد أعمال البناء، فثمَّة توجه للدولة لأن تكون صناعة لها قيمة عالية، خاصة التي تحتوي على مادة السيليكا، هذه النوعية من الرمال ذات قيمة كبيرة جدًا، ولدينا كميات كبيرة من هذه الرمال التي تدخل في صناعة الزجاج، وهي التي يتركز عليها دائرة التصنيع حاليا، قائلاً: إنه منذ قرابة العام، بدأ التركيز على مشاريع تعدين الرمال، واستثمارها من خلال الصناعة، وهو استثمار قوي للدولة، سيكون له انعكاس واضح وكبير على الناتج القومي.

ناصر الأنصاري

عوائد استثمارها عالية

ويقول من جهته رجل الأعمال، ناصر الأنصاري، إن الرمال أحد أهم عناصر البيئة، وهي ثروة وطنية كبرى لم تحظَ قديمًا بالاهتمام الاستثماري الكافي على الرغم من أن عوائد استثمارها عالية جدًا، وهي في تزايد مستمر مع التقدم الحاصل في الصناعات المعتمدة على الرمال بأنواعها المختلفة الصفراء والسوداء والبيضاء، واليوم تُعدُّ الرمال سلعة تباع وتشترى وتصنع، لأن لها استخدامات عديدة تعتمد عليها حياة الإنسان والحيوان والنبات، ناهيك عن أنها تدخل في كثير من المنتجات الصناعية الحديثة ذات الأهمية الاقتصادية”..

الاكتفاء الذاتي محليًا

ويرى المحلل والخبير الاقتصادي، ناصر القرعاوي، أن تركيز الرؤية على خطة تعدينية ضخمة سوف يكون له أثر واضح على صناعة الرمال وحسن استغلالها، مشيرًا إلى أن المملكة تمتلك موارد هائلة من المعادن المختلفة، سواء الثمينة والنفسية، أو النادرة وذات القيمة العالية، إضافة إلى الرمال التي تشكل موردًا ضخمًا، وثمة خطة لاستثمارات ضخمة لهذا المجال، مستهدفة الاكتفاء الذاتي محليًا، وصولًا للتصدير لجميع أنحاء العالم، وفتح باب اقتصادي جديدة، ولفت إلى أن الجانب الأهم في مجال الرمال، أن هناك خمسة مواقع من أهم مواقع الرمال في العالم، فيما يتعلق بالجودة والنوعية والكمية، الأمر الذي يجعل دور المستثمر المحلي بالغ الأهمية في محاولة الاستفادة من تلك المزايا، مع الشريك الأجنبي، وليكون هذا التوجه كبيرًا ومضمونًا ومأمولًا، لكي يضيف للمملكة فرصًا واعدة خاصة  فيما يتعلق برأس المال أو العمالة، أو ما يتعلق بالقيمة الاقتصادية المضافة..

ويقول القرعاوي نحن ننظر لما يتم اقتطاعه من صخور في نجران، ثم تصنيعه في جدة، ثم تركيبة في الحرمين، هذه الكميات الضخمة والنادرة لها قيمة كبيرة، إضافة إلى ما يتم اقتطاعه من منطقة الباحة، تمتلك نوعًا نادرًا من الصخور لا يتواجد إلا في ثلاث مناطق في العالم، وذات قيمة عالية جدًا، يصل المتر فيها لأكثر من 30 ألف ريال، وبالتالي هي نوعية ستغطي الاحتياج وتغري المستثمرين الأجانب، خاصة الأوروبيين والصينين، الذين يبحثون عن مثل هذه النوعية من الرمال..

 

 

أكبر المنتجين للزجاج

وتوقع القرعاوي أن تكون المملكة خلال العشر سنوات القادمة من أكبر المنتجين للزجاج أو الصناعات التي تتعلق بالرمال خاصة المتطورة منها، مثل أودية النانو والاختراعات الدقيقة والمتعلقة بالأجهزة الإلكترونية والذكية، وهي صناعات لم تكن متوفرة في المنطقة من قبل، وفي طريقها لتكون رائدة فيها، وبحسب القرعاوي فإن الدولة تشجع من خلال التراخيص والامتيازات المستثمرين الأجانب، وأيضًا من خلال دعم البنوك المتخصصة، بالإضافة للحماية الوقائية لها من الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي، وهي قادرة على أن تكو هذه الصناعة من أكبر خمس صناعات خلال السنوات القليلة القادمة.