أسمدة كرييتڤ

أسمدة مبتكرة.. ثورة زراعية جديدة

4.5 مليار دولار حجم الأسمدة الحيويـــة المُستخدمــــة لمعالجة التربة بحلـول 2028م.

9 مليارات دولار القيمة السوقية للأسمــدة الحيويـــة في العـــالم وتوقعات بنمو %11.3.

 

“في حين أن البشر يمارسون الزراعة منذ أكثر من 10,000 عام، فقد حدثت ثورة زراعية كُبرى منذ قرن من الزمان من خلال ابتكار الأسمدة الكيميائية الاصطناعية، لكن اليوم أصبحت هذه الأسمدة مصدرًا للتلوث وتهديدًا للتربة، وهو ما أذن بثورة زراعية جديدة، قوامها الأسمدة الحيوية والعضوية، والتي تعتمد على مصادر طبيعية”.

 

ومن هذا المنطلق، خطت عديد من دول العالم خلال الآونة الأخيرة خطوات متسارعة نحو الحد من استخدام الأسمدة التقليدية، (يبلغ حجم السوق العالمي 170 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 210 مليارات دولار بحلول 2028م)، والتوسع في إنتاج واستخدام الأسمدة الحيوية، ليس لأسباب بيئية فحسب، بل لزيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين التربة أيضًا، فضلاً عن توفير مياه الري، ومن ثم تحقيق فوائد اقتصادية هائلة للدول والشركات المختصة بمجال التنمية الزراعية.

ويقصد بالأسمدة الحيوية تلك التي تتكون من كائنات حية دقيقة، تساعد على تحفيز نمو النباتات عن طريق توفير العناصر الغذائية الأساسية، حيث تعد بمثابة “مُلقحات” لهذه العناصر، وثمَّة توقعات تشير إلى أن سوق الأسمدة الحيوية المُستخدمة لمعالجة التربة تصل إلى 4.5 مليار دولار بحلول عام 2028م، بمعدل نمو سنوي يقارب %5، مدفوعة بالمخاوف البيئية المتزايدة على مستوى العالم..

الزراعة المستدامة

وذكرت الأستاذة بكلية العلوم بجامعة لشبونة البرتغالية، كريستينا كروز، أن تحديات اليوم تحثنا على إعادة التفكير في دور التربة في الزراعة، وخاصةً أهمية الكائنات الحية لاستدامة إنتاج الغذاء وجودته، وبما أن عديدًا من أنواع التربة في جميع أنحاء العالم قد تدهورت بالفعل بسبب ممارسات الإنتاج المُكثفة، وانخفض تنوعها البيولوجي للغاية وأصبح غير متوازن في الوقت نفسه، فيجب علينا استعادة تنوع الكائنات الحية في التربة ووظائفها.

وأضافت أن إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي استخدام الأسمدة الحيوية، والتي تعمل على تغيير قواعد اللعبة في وظائف التربة، حيث تحفز العلاقات المفيدة بين الكائنات الحية في التربة والنباتات مع تقليل الحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية، مشيرة إلى أنها تسهم في الزراعة المستدامة وتعزيز التنوع البيولوجي للتربة.

ويمكن القول إن الاعتماد المتزايد على ممارسات الزراعة العضوية ومبادرات الزراعة المستدامة والدعم الحكومي فضلاً عن الإقبال المتزايد على الأغذية المستدامة، تؤدي إلى زيادة الطلب على الأسمدة الحيوية في جميع أنحاء العالم..

اهتمام عالمي واسع

ويقدر حجم سوق الأسمدة الحيوية العالمية بحوالي 9.1 مليار دولار بحلول عام 2032م من 3.14 مليار دولار قبل عامين، وسط توقعات بأن يحقق معدل نمو سنوي مركب يبلغ %11.3، وبإيرادات متوقعة تصل إلى 5.2 مليار دولار في عام 2029م..

وتستحوذ أمريكا الشمالية على الحصة الأكبر من سوق الأسمدة الحيوية، ويرجع ذلك إلى التبني السريع للزراعة المستدامة، حيث تعد موطنًا لعديد من الشركات والمؤسسات البحثية التي تعمل على تطوير منتجات مبتكرة وطرق تطبيق جديدة، كما تعد الولايات المتحدة وكندا من أهم الأسواق في هذا المجال، إذ أطلقت عديدًا من حكومات الولايات برامج دعم كبيرة للمزارعين، فعلى سبيل المثال، أنشأت ولاية كاليفورنيا برنامج “التربة الصحية” لتحفيز المزارعين على تبني ممارسات تعمل على تحسين صحة التربة، بما في ذلك الأسمدة الحيوية.

وكشفت جمعية التجارة العضوية في الولايات المتحدة، أن مبيعات الأغذية العضوية تجاوزت 60 مليار دولار قبل عامين، مشيرة إلى أنها في تزايد متواصل، مما يمثل علامة فارقة في القطاع العضوي المرن، لافتةً إلى أن إجمالي المبيعات العضوية، بما في ذلك المنتجات العضوية غير الغذائية، وصل إلى رقم قياسي بلغ 67.6 مليار دولار، مما يسلط الضوء على الزخم المتزايد نحو عادات الاستهلاك الصديقة للبيئة والمراعية للصحة..

ومن المتوقع أن تنمو سوق الأسمدة الحيوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بسرعة في السنوات المقبلة، مدفوعة بزيادة الطلب على الغذاء، والدعم الحكومي للزراعة المستدامة، والوعي بصحة التربة، والتقدم التكنولوجي، والإعانات والحوافز الحكومية، ففي الهند، أطلقت الحكومة المشروع الوطني للزراعة العضوية، التي تعتمد بشكل أساسي على هذه الأسمدة.

كما تعد أوروبا سوقًا مهمًا آخر للأسمدة الحيوية التي من المتوقع أن تحقق معدل نمو ملحوظ في حدود %14.8 وبقيمة 1.2 مليار دولار بحلول عام 2028م، ومن المتوقع كذلك، أن تسجل ألمانيا أسرع نمو خلال السنوات المقبلة، حيث يتم دعم استخدام الأسمدة الحيوية من خلال شبكة توزيع قوية تضم مجموعة من الموزعين وتجار الجملة وتجار التجزئة.

وأعلنت المفوضية الأوروبية منذ أكثر من عامين عن حوافز مالية ضخمة، لتمويل 13 برنامجًا بحثيًا تتعلق بتطوير الأسمدة المبتكرة من عدة مصادر، أبرزها الطحالب الزرقاء والبكتيريا ومخلفات الحيوانات ومياه الصرف الصحي.

يأتي ذلك في الوقت الذي يسابق فيه الباحثون الزمن في مختلف دول العالم، للاستفادة من المخلفات الزراعية في إنتاج أسمدة مبتكرة، حيث توصل فريق بحثي في جامعة شولالونغكورن بتايلاند، إلى طريقة لتحويل مخلفات “الكسافا” والصرف الصحي الناتج عن مصانع إنتاج “نشا التابيوكا” إلى أسمدة عضوية، في محاولة للاستفادة من مخلفات تقدر بحوالي 12 مليون طن من نباتات “الكسافا” سنوياً.

وفي روسيا، قدم أحد طلاب جامعة شمال القوقاز الفيدرالية، مشروعًا بحثيًا لإنتاج الأسمدة من ريش الطيور والنفايات الحيوانية المحتوية على البروتين، حيث تواجه البلاد نقصًا في الأسمدة، كما تدعم المؤسسات الزراعية وشركات الأسمدة نفسها مثل هذه الأبحاث المبتكرة.

 

 

خطوة الريادة العالمية

وليست دول مجلس التعاون الخليجي بمنأى عن الانتشار المتزايد لاستخدام الأسمدة العضوية، فثمة توقعات تشير إلى أن السوق ستحقق معدل نمو سنوي مركب في حدود %13.5 حتى عام 2028م، بسبب الاهتمام المتنامي بممارسات الزراعة العضوية، وارتفاع طلب المستهلكين على المنتجات الغذائية العضوية، علاوةً على ذلك، فإن زيادة الاستثمارات في الشركات الناشئة في مجال الزراعة العضوية تدعم أيضًا زيادة استخدام الأسمدة العضوية..

وتشير أحدث بيانات لوزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة، إلى وصول مساحة الأراضي الزراعية العضوية إلى 23.3 ألف هكتار تضم محاصيل (الفاكهة، النخيل، الأعلاف، النباتات الطبية والعطرية، الخضار)، بإجمالي إنتاج 95.3 ألف طن، بمعدل نمو بلغ %55 مقارنًة مع عام 2019م.

ويؤكد مختصون دوليون أن المملكة من الدول الرائدة في مجال الزراعة العضوية، من خلال التشجيع على استخدام المخصبات الحيوية والطبيعية والأسمدة العضوية “الكمبوست”، مشيرين إلى الدعم الذي يقدمه صندوق التنمية الزراعية لمشروعات تصنيع مخصبات التربة سواء الحيوية مثل النيتروجين والميكروبين والبلوجين وغيرها، أو الطبيعية مثل السماد والطين والسبائك الدودية..

كما أشاد المختصون بإطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، للاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، والتي اعتبروها بمثابة “خطوة نحو الريادة العالمية”، والتي تشمل ضمن مجالاتها تعزيز التكنولوجيا الحيوية الزراعية وتحويل النفايات العضوية إلى عناصر مفيدة أبرزها الأسمدة.

وفي الوقت نفسه، وقعت وزارة الاستثمار وشركة الأفلاج الدولية العمانية مذكرة تفاهم لإنشاء مصنع في المملكة لإنتاج الأسمدة السائلة التي توفر مغذيات للمحاصيل الزراعية، وهي خطوة من شأنها أن تسهم في زيادة الإنتاج الزراعي، في ظل وفرة الأراضي الصالحة للزراعة في المملكة.

ويبقى أن سوق الأسمدة العضوية يكتسب أهمية متزايدة في المجال الزراعي في المملكة، وهي فرصة واعدة للشركات العاملة في هذا المجال سواء في الوقت الحالي أو المستقبل، وسط الدعم الحكومي المتنامي، الذي يهدف إلى توطين الصناعات الزراعية وزيادة القدرات التصديرية، فضلًا عن تحقيق متطلبات الأمن الغذائي.