الحوكمة ثروات

الحوكمة أيقونة الاستدامة!

ثمة علاقة وطيدة بين النمو في الأعمال والتحسينات الاقتصادية في البلدان، فكلما زاد العمل على تحسين البيئة الاقتصادية نمت بالضرورة الأعمال.

تمثل الحافز الحقيقي للنجاح طويل الأجل للشركات والحفاظ على حقوق مساهميها، وكذلك قدرتها في الحصول على التمويل وغزو الأسواق العالمية.

 

ليست الحوكمة بمفهومها الشامل رفاهية أو لوحة جميلة في مدخل المؤسسات أو الشركات، وإنما ضرورة لتشغيل ونجاح أي شركة وتحقيق استدامتها، فالمبدأ الأساسي للحوكمة هو المحتوى الأخلاقي والشفافية والممارسات السليمة وحماية حقوق المستثمرين والالتزام بالتشريعات والقوانين للمنشآت، وبالتالي الوصول للاستدامة التي تمثل واحدة من أهم القضايا والتحديات الرئيسية التي تواجه أصحاب الشركات على اختلاف مجالاتهم.

المسؤولية والمساءلة

وترتكز الحوكمة الشاملة التي تغطي قواعدها كافة الشركات سواء كانت مملوكة للدولة أو القطاع الخاص، على عدة مبادئ لعل أهمها المسؤولية والمساءلة، ويعني ذلك أن مجلس الإدارة مسؤول عن اختيار الرئيس التنفيذي وتحفيزه ومتابعة أداؤه، كذلك يعني أن الرئيس التنفيذي له كافة الصلاحيات اللازمة لإدارة المؤسسة في إطار التوجه الاستراتيجي لمجلس الإدارة وهو المسؤول عن أداء المؤسسة، ويترتب على الحوكمة الجيدة المتابعة المستمرة لأداء المؤسسة ورفع التقارير الدورية من الإدارة إلى مجلس الإدارة عن الأداء والمؤشرات الرئيسية لها، ما يضمن جدية الإدارة كما يضمن اكتشاف المشاكل والتحديات مبكرًا والتعامل معها.

ونظرًا لأن الحوكمة معنية بالحفاظ على حقوق كافة الأطراف المتعاملة، فإن ذلك يعني احترام حقوق العملاء والموردين والموزعين، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة ومراعاة حقوق المجتمع، والمحصلة النهائية هو أداء تشغيلي أفضل، ربحية أعلى، واحترام المجتمع للشركة وللعاملين بها..

وثمة علاقة وطيدة بين النمو في الأعمال والتحسينات الاقتصادية في البلدان، فكلما زاد العمل من جانب الدولة على تحسين البيئة الاقتصادية إجرائيًا وتنظيميًا وتشريعيًا نمت بالضرورة الأعمال التجارية والصناعية وغيرها، وعلى سبيل المثال الإصلاحات الهيكلية التي يمر بها اقتصاد المملكة تماشيًا مع رؤية 2030م، وحالة الانفتاح الكبيرة ناحية القطاع الخاص، أثرت إيجابًا على تحقيق نمو مُستدام لعدد كبير من هذه الشركات، وهو ما أشارت إليه العديد من مؤسسات التقييم العالمية؛ بأن شركات المملكة نمت نموًا إيجابيًا لاسيما من ناحية الإيرادات خلال العام الماضي، ومن المتوقع لها أن تنمو على صعيد المؤسساتية مع حزمة التحسينات الجارية الآن على قدم وساق..

إيجابيات التطبيق

وتتمثل إيجابيات تطبيق الحوكمة في ضمان استقرار المنشآت وتعزيز الكفاءة الإدارية والحصول على تمويل بتكلفة أقل ودعم المساهمة المجتمعية وتفعيل الدور الرقابي وتعزيز العدالة والشفافية والتنظيم الإداري السليم والحفاظ على السمعة الحسنة وتعزيز المكانة في السوق، كما أن إيجابيات تطبيق الحوكمة تتمثل أيضًا في العمل ضمن قوانين وإجراءات واضحة وتعزيز مستوى الأداء وجذب الاستثمار المحلي والأجنبي والشفافية والدقة في القوائم المالية ووجود هياكل إدارية والحد من المشاكل الإدارية والمالية..

وللحوكمة وآلياتها دورٌ كبير في جذب الاستثمارات داخل البلدان، إذ تعتني الحوكمة بمجموعة متكاملة من القيم والمبادئ؛ كالشفافية والإفصاح والإجراءات التنظيمية والتشريعية السليمة داخل الشركات وخارجها، فضلاً عن حمايتها لحقوق المُساهمين ومكافحتها ومساءلتها ومحاسبتها ومحاربتها للفساد الإداري والمالي في المنظمات والإدارات على أنواعها، وهي أمور دائمًا ما تجذب المستثمرين لضخ الأموال بلا تردد، وما سوق المملكة بقريب، فالإصلاحات التنظيمية التي أقرتها رؤية المملكة 2030م كانت دافعًا قويًا نحو تحسين سوق الاكتتاب الوطني بشكل لافت.

وإذا نظرنا من حولنا في هذا العالم على اتساعه، سنجد أن غالبية إن لم يكن كل الشركات المستمرة والمستدامة حتى الآن، اتبعت إجراءات الحوكمة وحرصت على تطبيقها، فالحوكمة هي (أيقونة الاستدامة)، كونها تعمل على تحقيق الشفافية والعدالة وحماية الحقوق للمُساهمين وتحسين ومساعدة أصحاب القرار من الإدارة التنفيذية أو ومجالس الإدارة على بناء لوائح وتشريعات واستراتيجية متطورة تخدم الكفاءة الإدارية والمالية، وذلك عبر ما تُقره من أنظمة وقواعد وضوابط، كما أنه بفرضها الرقابة الجيدة والفاعلة على أداء الوحدات والإدارات داخل الشركة، ينتظم العمل ويتحسن الأداء ومن ثمّ تزيد القدرة التنافسية والبقاء طويل الأمد..

اعتقاد خاطئ

ورغم ذلك، يتخوف أصحاب الشركات من تطبيقات الحوكمة اعتقادًا بأنها تؤثر على أوضاعهم ومكانتهم في شركاتهم، وهذا اعتقاد خاطئ، بل آثاره السلبية ربما تتخطى الإطار الضيق للشركة لتؤثر في الوضع العام للاقتصاد الوطني، الذي ربما يرجع هذا الاعتقاد لدى بعد أصحاب الأعمال إلى غياب الوعي الكافي لديهم بما يمكن أن تُقدمه الحوكمة من تقدم وازدهار ونمو للشركة.

وهناك إجراءات تتعلق بالجانب الحكومي من خلال التحسينات في البيئة التنظيمية والتشريعية، والسنوات الأخيرة زاد الاهتمام بشكل كبير وواضح بمفهوم حوكمة الشركات وأصبحت من الركائز الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الوحدات الاقتصادية المختلفة، وهناك إجراءات أخرى تتعلق بأصحاب الشركات ذاتهم من الحرص على مأسسة شركاتهم وإجراء إصلاحات في الهيكل الإداري وتحديد مسؤوليات كل من الجهاز التنفيذي ومجلس الإدارة، الذي يقع عليه العبء الأكبر في ترسيخ الحوكمة داخل الشركة، وكذلك وضع خطة مسبقة للتعاقب الوظيفي، فضلاً عن زيادة جرعات التدريب بين أفراد الشركة، فتطبيق الحوكمة بشكل صحيح وسليم هو المخرج والحل الفعال لضمان حقوق أصحاب المصالح داخل أو خارج الشركات وخاصة المستثمرين.

ولا يمكن هنا إغفال دور مجلس الإدارة فهو مفتاح التغيير داخل الشركات، وبناء على ذلك، فإن القرارات المصرية داخل الشركات تكون بتمرير من مجلس الإدارة، فإنه صاحب القرار في حوكمة الشركة من عدمه، ويجب على أعضاء مجلس الإدارة بذل كل جهودهم لتحقيق مصلحة الشركة ومساهميها من خلال تطبيقهم للمعايير الأخلاقية العالية، كذلك أن يأخذوا في عين الاعتبار مصالح واهتمامات أصحاب المصالح في الشركة، ويقع على مجلس الإدارة مسؤولية توجيه استراتيجية الشركة وخطط العمل وسياسة المخاطر والموازنات التقديرية ووضع الأهداف ومراقبة الأداء واختيار المديرين التنفيذيين وتحديد رواتبهم ومكافآتهم وتأسيس وتحديد صلاحيات لجان مجلس الإدارة..

 

أربع تحديات

ويبقى أنه أمام ما تتضمنه الحوكمة من فوائد، ثمة عديد من التحديات التي تواجه التطبيق الصحيح للحوكمة، لعل من أبرز هذه التحديات هي ثقافة القائد الواحد الملهم، فاعتبار أن هناك قائد واحد له رؤية ثاقبة ويحظى بالثقة غير المحدودة يترتب عليها السماح له بالانفراد بالسلطة واتخاذ القرار لاسيما وأن القاعدة تقول بأن السلطة مفسده، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقه.

فيما يتجسد التحدي الثاني في الميل للسرية وإخفاء المعلومات، فالثقافة العربية في مجال الأعمال قائمة على فكرة أن الإفصاح كلما زاد كلما أدى ذلك لإضعاف تنافسية الشركات، كذلك تحرص الكثير من الشركات الكبرى عن عدم الإفصاح عن حجم أعمالها وأرباحها للحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بثرواتها، أما التحدي الثالث هو التداخل بين ثلاث سلطات لابد أن يتم الفصل بينها: أصحاب رأس المال (المساهمين) مجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية، وجود مساهمين على مجلس الإدارة بأنفسهم ووجودهم أحيانًا في الإدارة التنفيذية يضعف كثيرًا الدور الإشرافي والرقابي لمجلس الإدارة على الادارة التنفيذية..

ويتمثل التحدي الرابع في غياب الوعي بأهمية تطبيق الحوكمة وندرة الكوادر البشرية القادرة على التطبيق العملي، عنده يتحول تطبيق الحوكمة إلى مسألة مظاهر وتطبيق شكلي تجميلي لا تطبيق حقيقي لفكر وفلسفة الحوكمة، وترسيخ أنها الحافز الحقيقي للنجاح طويل الأجل للشركات والحفاظ على حقوق مساهميها، وكذلك قدرتها في الحصول على تمويل وغزو الأسواق العالمية.