المملكة تقرير

المملكة ولغة المؤشرات!

تلعب المؤشرات دورًا مهمًا في اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة الرقمية وتحديد المسارات وقياسات التقدم ومدى ترتيب الدول من حيث الإنجازات والقدرات.

حققت المملكة إنجازات تنموية بارزة في مختلف الجوانب التنموية بأبعادهـــا الاقتصاديــــة والبشريـة والبيئيـة والمؤسسيـــة بشهــــادة المؤشرات الدولية.

 

كثيرًا ما يتردد على مسامعنا مصطلح المؤشرات الدولية، والتي أصبحنا نسمعها أكثر على مدى العقد الأخير، وعندما يُعلن عنها يأتي إلى أذهاننا مباشرة أرقام وإحصاءات تقيس مراتب الدول وتقدمها في حزمة من الموضوعات والقضايا ذات الشأن البشري والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهي التي غالبًا ما تترجم إلى قوة اقتصادية وريادة إقليمية وتميز عالمي.

 

وتُعد المؤشرات الدولية من أهم المعايير المستخدمة في العصر الحالي لتقييم التقدم في مختلف المجالات التنموية بخاصة إذ أدركنا أن هذه المؤشرات بمثابة المرآة التي تعكس الواقع المُعاش ومدى تقدمه، وحتى نتعرف أكثر على المؤشرات الدولية ومدى تأثيرها وفاعليتها، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن تحقيق التقدم في هذه المؤشرات مرهون بالنهج والآليات أكثر من مجرد تحقيق مراكز متقدمة فيها، فالمسار نحو الارتقاء على المؤشرات العالمية منوط بإدراك أولاً: التحديات العالمية المحيطة بالدول ومدى إسهاماتها، وثانيًا: في دفع عجلة التقدم والتطور لتحسين جودة حياة الأفراد، كونها توفر إدراكًا ورؤية معرفية شفافة حول جهود تطوير الحلول المتوازنة والمبتكرة التي تعزز الرفاهية من خلال اعتماد أفضل السياسات والتشريعات..

النهج القياسي

ويُعدُّ هذا النهج القياسي وسيلة فعالة في تقييم مسار الحكومات نحو تحقيق الازدهار المستدام في ظل المحافظة على التوازن بين الإنتاجية العالية ورفع مستوى جودة الحياة، كما يفسح المجال أمام الحكومات لاستقطاب المواهب ورعايتها ونشر ثقافة الابتكار مما يؤدي في النهاية إلى زيادة حجم الاقتصاد وتوفير الاستقرار والأمان.

وتهتم دول العالم بالتقارير الدولية الخاصة بالمؤشرات المؤسسية والتنموية، وذلك لأهميتها بالنسبة لمتخذ القرار والقيادات وواضعي الخطط والبرامج التنموية الهادفة إلى تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كونها تتيح التعرف على حجم التطور ومكامن الخلل في مختلف الجوانب ذات الصلة بالتنمية في أبعادها المختلفة.

وتستند المؤسسات الدّولية وكبريات الشركات في تقييمها لأداء الدول إلى مجموعة من التقارير والمؤشرات العالمية، كمؤشر التنافسية العالمي، ومدركات الفساد، والمعرفة والابتكار، والتنمية البشرية، وسهولة الأعمال، والحوكمة والشفافية، ومؤشر التصنيف الائتماني، وغيرهم العشرات من المؤشرات التي تعتمد في حساباتها على منهجيات ومفاهيم إحصائية موحدة تُسهل دراسة وتقييم أداء الدول..

وتُغطي تقارير المؤشرات مختلف أنشطة الدولة المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية، وتصدر غالبًا عن جهات دولية أو محلية مستقلة، مما يعطيها المصداقية أمام المجتمع الدولي والمؤسسات السيادية، وصناديق الاستثمارات، والشركات الكبرى..

وإلى جانب أن المؤشرات تلعب دورًا مهمًا في تحديد المسارات وقياسات التقدم ومدى ترتيب الدول من حيث الإنجازات والقدرات، فإنها أيضًا تُشكل مرجعًا أساسيًا وضروريًا للحكومات وللمستثمرين ومنظمات الأعمال والقطاع الخاص في كل دولة، تُساعد في اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة الرقمية، وتسمح بإجراء مقارنات مع مرور الوقت بين السياسات والبرامج ومدى بلوغها لأهدافها، والدول والمناطق الجغرافية، والمجموعات الاجتماعية والصناعات، مما يُسهم في زيادة الحوكمة والشفافية والمساءلة..

تميز المملكة

والمتتبع لترتيب المملكة في المؤشرات العالمية الصادرة على مدار الأعوام الماضية، يرصد تقدمًا مستمرًا يعكس أداء البيئة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد؛ إذ حققت المملكة تميزًا عالميًا، بتقدمها – على سبيل المثال – في بيانات عديد من المؤشرات، كمؤشر التنافسية العالمية لعام 2023م، المُقيم للقدرات التنافسية والصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، بتحقيقها المرتبة 17 عالميًا من أصل 64 دولة هي الأكثر تنافسية في العالم، لتصبح من الدول الـ 20 الأولى؛ إذ قفزت المملكة سبع مراتب عن مركزها الذي حققته عام 2022م، مدعومة بالأداء الاقتصادي والمالي القوي في عام 2022م، وتحسن تشريعات الأعمال، ما جعلها في المرتبة 3 بين دول مجموعة العشرين، متفوقة بذلك على دول ذوات اقتصادات متقدمة في العالم مثل: كوريا الجنوبية، ألمانيا، فرنسا، اليابان، إيطاليا، الهند، المملكة المتحدة، الصين، المكسيك، البرازيل، تركيا، وذلك وفق منهجية التقرير التي تغطي جوانب مختلفة للتنافسية، فضلاً عن تقدمها في مؤشرات التنافسية المرتبطة بالسوق المالية محققة المركز الثالث بين الدول الأكثر تنافسية على مستوى دول العشرين (G20)..

واحتلت المملكة المرتبة الأولى في مؤشر (سهولة البدء في الأعمال)، حسب تقرير المراقبة العالمية لريادة الأعمال لعام 2023م، الصادر عن مجموعة المراقبة العالمية لريادة الأعمال، فضلاً عن وصولها إلى المراتب الثلاث الأولى في 23 مؤشرًا، وواصلت تقدمها في “مؤشر الابتكار العالمي” للعام 2023م، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، التابعة للأمم المتحدة، بأن حلَّت في الترتيب 48 عالميًا من بين (132) دولة، ولهذا المؤشر  أهميته الخاصة في تطوير بيئة الابتكار  والذي يهتم به صنَّاع القرار وراسمو السياسات المتعلقة بها، والأكاديميون الباحثون، وروّاد الأعمال المبتكرين، ويتضح من خلاله جهود المملكة في هذا الشأن، فضلاً عما حققته المملكة من تميز عالمي في بيانات مؤشر نضج الحكومة الرقمية لعام 2022م، الصادرة عن مجموعة البنك الدولي، بتقدمها إلى المرتبة الثالثة عالميًا، من بين (198) دولة، و(الأولى) إقليميًا، كما أظهرت النتائج تفوقًا سعوديًا في جميع المؤشرات الفرعية، حيث صنفت ضمن مجموعة الدول “المتقدمة جدًا”، والتي تضم الدول ذات الأداء المرتفع جدًا في مجال الحكومة الإلكترونية..

وفي مؤشرات التصنيف الائتماني أكدت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” وكذلك وكالة ” فيتش” في تقريرها الائتماني للمملكة منتصف العام الجاري تصنيفها عند “A1” مع نظرة مستقبلية “إيجابية”، وذلك على خلفية استمرار جهود المملكة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، وأثرها على مرونة اقتصادها، والإسهام بدعم تطور نمو القطاع غير النفطي ورفع الإيرادات المالية العامة.

وكانت كذلك مؤشرات دولية معنية بالأمن، أظهرت تقدّم المملكة وتصدرها دول مجموعة العشرين، متفوقة في الترتيب على الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وذلك من خلال 5 مؤشرات أمنية صادرة عن تقرير التنافسية العالمي 2019م. وتقرير التنمية المستدامة 2020م، كمؤشر شعور السكان بالأمان أثناء السير بمفردهم ليلاً، ومؤشر ثقة المواطنين بخدمات الشرطة، وضبط الجريمة المنظمة.

وفي تقرير مؤشر التنمية البشرية 2023م 2024م، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حققت فيه المملكة تقدمًا بـ 5 مراتب لتحقق المركز الـ 35 عالميًا عام 2022م، وأظهر التقرير أن المملكة تقدمت بعد أن كانت في المرتبة الـ 40 عالميًا في العام 2021م، حيث حصلت على المرتبة الـ 10 من بين دول مجموعة العشرين، وحققت أعلى تقدم بين نتائج العامين 2019م و2021م من بين دول مجموعة العشرين، واحتلت المركز الثالث عربيًا..

شهادة قياس

ويلاحظ أن المملكة استطاعت خلال السنوات الماضية وتحديدًا منذ انطلاق الرؤية بمستهدفاتها للتنويع الاقتصادي والاستدامة التنموية، الارتقاء بترتيبها على الصعيد العالمي في تقارير المؤشرات المتنوعة، ما يدل على قوة الإرادة، التي تتحلى بها المملكة في احتلال مكانة تنافسية تتناسب مع ما تحظى به من مقومات عديدة وكبيرة، وما يتميز بها اقتصادها من أداء قوي جعل المملكة واحدة من أسرع الدول نموًا في العالم..

وأمام ما تهدف إليه المؤشرات الدولية إلى قياس قدرة الدول على تحقيق الازدهار الاقتصادي على المدى الطويل، من خلال تحليل وتصنيف البلدان وفقًا لكفاءاتها في إدارة الموارد وتحقيق القيمة على المدى الطويل، فإن هذه المؤشرات رغم عدم تقديمها بالضرورة تفسيرًا للتطور فإنها تشير إلى التطورات الحاصلة في القضايا والموضوعات التي تقيسها، أي أنها تجعلنا على دراية بالاتجاهات فيها، فهي أداة مهمة للنظر على الواقع وبعض ملامحه..

ويبدو أن تقدم المملكة في المؤشرات العالمية يدل على الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها المملكة في إطار رؤية 2030م، والتي كان لها دور بارز في امتصاص واحتواء الأزمات العالمية المُتلاحقة، وزيادة نسبة النمو الاقتصادي كأسرع وأعلى نمو بين دول مجموعة العشرين..

وفي الأخير يمكن القول إن النتائج الإجمالية تُبرهن على التقدم المطرد للمملكة في الارتقاء بترتيبها في كافة تقارير المؤشرات الدولية، واقترابها من تحقيق هدفها في احتلال واحدٍ من المراكز الأولى فيها، الذي يُتوقع وصولها إليه في غضون السنوات القليلة المقبلة، مع تقدمها بنفس الوتيرة الحالية..

ويبقى أن المملكة حققت إنجازات تنموية بارزة في مختلف الجوانب التنموية بأبعادها الاقتصادية والبشرية والبيئية والمؤسسية بشهادة المؤشرات الدولية، وهو ما يعكس إلى حد كبير حسن استغلال العوائد المالية والقدرة على التعاطي مع معايير ومتطلبات المؤشرات الدولية؛ والتي تُعدُّ أداة ذات فاعلية في تحديد بوصلة الاتجاه وتعطي تصورًا حول القدرة على تحقيق الأهداف والسياسات والمسارات الجاري تنفيذها والمخطط لها مستقبلاً، فهي شهادة قياس تدفع الحكومات إلى التحسين المستمر، فإنها جزء لا غني عنه من القياس المعياري ووسيلة للقادة وصناع القرار لتقدير مدى الفاعلية والقدرات على إدارة الموارد إدارة جيدة.