انخفاض معدل البطالة التاريخي يؤكد نجاح الرؤية ودقة التوقعات التي طرحتها وقدرة الحكومة على تحقيقها.
معدلات البطالة هبطت من %15.4 إلى %7.6 في أقل من أربع سنوات، متجاوزة تبعات جائحة “كوفيد 19”.
خطت المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية خطوات واسعة نحو تقليص نسب البطالة بين السعوديين، مقتربةً بشكل سريع من المعدلات المستهدفة قبل نحو ست سنوات من موعد استحقاقاتها؛ إذ سجلت معدلات البطالة خلال الربع الأول من العام الجاري انخفاضًا كبيرًا، بلغ 0.2 نقطة مئوية على أساس فصلي، ليسجل %7.6، مقارنة بما كانت عليه في الربع الأخير من العام الماضي، وهو أدني مستوى يصل له منذ بدء الخطط الحكومية لزيادة معدل التوظيف، واقترب من المستهدف في رؤية 2030م والمحدد بـ %7.
وما شهدته معدلات البطالة من تحسن لافت، يؤكد قدرة الاقتصاد الوطني على خلق مزيد من الوظائف الجيدة، واستدامة العمل الحكومي الهادف لمعالجة أزمة البطالة، بعد أن تمكن سوق العمل من استيعاب مزيد من القوى العاملة الوطنية، وكان معدل البطالة تراجع في الربع الأخير من عام 2023م نحو %0.9 مقارنة بالربع الثالث من العام نفسه وبانخفاض %0.3 عن الربع الرابع من عام 2022م.
تحول نوعي
جاءت تلك الأرقام المشجعة، بفضل الجهود التي بذلتها وزارة الموارد البشرية والشؤون الاجتماعية لتنظيم سوق العمل، وإطلاق برامج التوطين والتدريب ورفع كفاءة طالبي الوظائف، إضافة إلى دور الوزارات الأخرى ذات العلاقة في تعزيز الأنشطة الاقتصادية وبما انعكس إيجابًا على خلق مزيد من الوظائف النوعية.
ولا يمكن فصل معدل البطالة عن متغيرات الاقتصاد، والإصلاحات المهمة التي أحدثت تحولاً نوعيًا خلال السنوات الماضية؛ إذ يرتبط خلق الوظائف بتطور الاقتصاد وتنوعه، وقدرته على النمو والتنوع، من خلال ضخ مشروعات كبرى في الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز القطاعات الواعدة وهو ما أسهم في تمكين قوى العمل الوطنية، وخلق مزيد من الوظائف النوعية لهم، وتحسن مستوى البطالة الذي كان عند مستوى %12.7 في الربع الأول من عام2017م.
السيطرة على البطالة
ويؤكد أستاذ الإدارة المشارك، الدكتور عاصم بن محمد السعيد، على أن رؤية 2030م أسهمت في وضع الخطط للسيطرة على البطالة وخفض نسبتها، لافتًا إلى الحرص الذي أبدته الجهات الرسمية بالعمل على تحقيق أهداف الرؤية من خلال توفير عديد من فرص العمل للشباب المتدرب والمؤهل وإعطاء مزيد من الدور للقطاع الخاص وزيادة مشاركة المرأة وخصخصة القطاعات الخدمية ومساهمة قطاع السياحة في خلق الوظائف والاستثمارات الأجنبية في توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة، وقال إنه في عام 2021م أطلق ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان برنامج تنمية القدرات البشرية، ليكون أحد البرامج التنفيذية لرؤية 2030م الذي يسعى إلى تطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف، وتطوير أساس تعليمي متين للجميع يسهم في غرس القيم منذ سن مبكرة، وتحضير الشباب لسوق العمل، ولهذا نلاحظ من خلال النتائج الاحصائية لمستوى البطالة نجاح الجهات الرسمية في تحقيق أهداف الرؤية ووضع السياسات والخطط التي تؤدي إلى متابعة زيادة معدلات التوظيف وتحسين المهارات لدى الشباب من خلال تطوير نظام التعليم والتدريب المهني لتأهيل الشباب لسوق العمل وزيادة فرص العمل وخفض معدل البطالة، وتقديم الحوافز لدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة وتشجيعها توظيف المواطنين السعوديين.
انخفاض تاريخي
وكانت نشرة سوق العمل، التي صدرت عن الهيئة العامة للإحصاء للربع الأول من العام الجاري أظهرت انخفاضًا تاريخيًا لمعدل البطالة لإجمالي السعوديين، وقدرة كبيرة للحكومة في تطوير وتنمية سوق العمل، والتوسع في استقطاب الكوادر الوطنية، إذ استطاعت المملكة أن تتقدم إلى المرتبة الخامسة في معدل البطالة بين دول مجموعة العشرين بنسبة %3.5 والذي يعد من أدنى المعدلات في العالم، بما يعكس نجاح الجهود في توفير فرص العمل وتعزيز الاقتصاد الوطني.
ويؤكد هذا الانخفاض المستمر في معدلات البطالة أن المملكة تسير في الطريق الصحيح الذي رُسم لها، ويشدد الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي، خالد السهيل، على أن انخفاض معدلات البطالة يعتبر أحد المنجزات المهمة، وهو من المؤشرات التي تؤكد نجاح الرؤية في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال بوصلة ذات نتائج إيجابية من خلال تشجيع الدخل المحلي غير النفطي وتشجيع الاستثمارات من الداخل والخارج وتمكين رواد الأعمال والاستثمار أيضًا في القطاعات الواعدة مثل: السياحة والثقافة والترفيه وسواها من نشاطات أعطت فرصة لتوليد وظائف جديدة للذكور والإناث، وقال إنه بلا شك أن إثراء وتوسيع دائرة الاقتصاد المحلي ومصادره تصب بشكل كامل في توفير مزيد من الوظائف، القطاع السياحي الذي بدأت المملكة الاستثمار الفاعل فيه منذ الربع الأخير من 2019م ما أعطى العام الماضي نتائج كبيرة، إذ أن تزايد وصول السياح إلى المملكة أدى لزيادة التوظيف في هذا القطاع الواعد.
أربعة تحديات
ومنذ عام 2020م أطلقت المملكة عديدًا من المبادرات والخطط لزيادة التوظيف، من أبرزها برنامج تنظيم العمل المرن المحدّث، الذي أسهم في صقل مهارات وخبرات الكثيرين لدمجهم في سوق العمل، عبر إيجاد تنظيم تعاقدي مرن يحفظ حقوق كافة الأطراف، وهو ما أسهم وبشكل كبير في ارتفاع معدَّل مشاركة إجمالي السعوديين في القوى العاملة في الربع الأول من عام 2024م، ليبلغ 51.4 في المائة، مقارنة بـ 50.4 في المائة، في الربع الرابع من العام 2023م.
وبفضل تلك البرامج والإصلاحات الاقتصادية والمبادرات الحكومية تقدمت المملكة إلى المرتبة الخامسة بين مجموعة العشرين في معدل البطالة، بما يشير إلى مستقبل واعد للشباب وإلى تعزيز بيئة العمل من خلال مساهمة برامج صندوق تنمية الموارد البشرية الموجهة لدعم التدريب والتمكين والإرشاد، حيث استفاد من تلك البرامج نحو 1.1 مليون مواطن لينضموا إلى سوق العمل، وهو أيضًا ما أسهم في ارتفاع معدل المشاركة في القوى العاملة للإناث في الربع الأول من عام 2024م إلى %35.8 مقارنة بـ %35.0 في الربع الرابع من عام 2023م وارتفاع معدل مشاركة الذكور إلى %66.4 مقارنةً بـ %65.4 خلال نفس الفترة.
خطوات مستقبلية
وتواصل المملكة سعيها لتخفيض معدل البطالة عبر عدة خطوات مستقبلية، أبرزها تطوير برامج التدريب والتأهيل المهني، والتوسع في برامج التدريب والشراكات مع القطاع الخاص لتزويد الشباب بالمهارات المطلوبة في سوق العمل، وتشجيع ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتركيز على القطاعات الواعدة والتكنولوجية، ومواصلة جذب الاستثمارات فيها.
ويؤكد خالد السهيل، على أن نمط التوظيف الحالي أصبح يركز على بناء المهارات قبل الانخراط في الوظيفة وتستمر المسألة على رأس العمل من خلال الدورات الملزمة للجهات كافة، ويقول: نرى أن المشروعات الضخمة مثل: نيوم والبحر الأحمر وسواهما تسيران على النمط الذي اتخذته أرامكو منذ تأسيسها وأعني بذلك استقطاب الشباب من الجنسين وتوفير التعليم التدريب اللازم لهم والذي يفضي للتوظيف، حالياً لا يوجد منشأة حكومية أو شبه حكومية إلا ولديها برامج تدريب وتعليم منتهي بالتوظيف، هذه المبادرة التي رسّختها الرؤية ساعدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على تحقيق استراتيجيتها لتقليص معدلات البطالة والوصول بها إلى الحد الأدنى.
دقة التوقعات
من جانبه يرى رئيس مكتب عرب للاستشارات، الدكتور عاصم عرب، أن هذه الأرقام الإيجابية لم تكن وليده الصدفة، ويقول إن الاقتصاد الوطني شهد تحسنًا ملحوظًا من نهاية فترة كوفيد 19 متقدمًا على الكثير من الاقتصاديات الكبرى، وهو ما يؤكد نجاح رؤية ولي العهد ودقة التوقعات التي طرحتها الرؤية، بل وقدرة الحكومة على تحقيقها رغم التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.
يشدد عرب على أن المتتبع للجهود الحكومية المبذولة في هذا المجال خصوصًا من قبل منظومة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية سيجد أن برامج وقرارات التوطين لدعم منشآت القطاع الخاص أسهمت في وصول عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص إلى رقم قياسي، حيث بلغ 2.363.194 سعوديًا وسعودية، كما تؤكد نشرة سوق العمل الأخيرة نجاح برامج وخطط الحكومة في تنشيط سوق العمل وتحفيز السعوديين على الانخراط في صفوفه للمشاركة في التنمية والبناء.
وفي أواخر 2023م أصدر صندوق النقد الدولي تقريرًا إيجابيًا عقب اختتام مناقشات مشاورات المادة الرابعة، أكد خلاله أن الاقتصاد السعودي يشهد حالة من الازدهار والنمو، وأن موقف المملكة المالي يتسم بالقوة، مشيدًا بالتقدم الذي أحرزته في تنفيذ الأجندة الإصلاحية لرؤية 2030م، كما أشاد الصندوق حينها بتسارع وتيرة التحول الرقمي وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وبالإصلاحات في البيئة التنظيمية وبيئة الأعمال، والجهود الجارية بالاستثمار في رأس المال البشري، والنمو المستمر للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
وأثنى التقرير على الجهود المتواصلة لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتحقيق مستهدفات الرؤية، منوهًا بأن المملكة كانت أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموًا في عام 2022م بمعدل بلغ %8.7 مع نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو %4.8، وتراجع معدلات البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي لها.