شركات التكنولوجيا المالية في المملكة اجتذبت استثمارات بقيمة 1.1 مليار دولار بنهاية 2023م.
78 مليار دولار القيمة المتوقعة لمعاملات سوق المدفوعات الرقمية بحلول عام 2027م.
خبير دولي: المملكة من أفضل النظم الإيكولوجية لرأس المال الاستثماري في المنطقة.
يشهد قطاع التكنولوجيا المالية أو “الفنتك” (FinTech)، في المملكة تطورًا مذهلاً خلال السنوات الأخيرة، مدعومًا بأهداف رؤية 2030م، الساعية إلى زيادة عدد الشركــات العاملــة في القطـــاع إلى 525 شركــة، حيث أصبحت أحد أهم المراكز المالية الناشئة في المنطقة، وتتخذ خطوات متقدمة نحو التحول إلى مركز عالمي مستفيدة من الابتكارات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي والحلول المالية المبتكرة.
الأولوية للقيادة الثاقبة والسياسات الاستباقية
وأشار تقرير صدر حديثًا عن “آرثر دي ليتل”، وهي شركة استشارات أمريكية، إلى أن البنك المركزي السعودي (ساما)، والهيئات التنظيمية الأخرى، يساهمان بشكل أساسي في دفع توسع القطاع، وتحديد المعالم الاستراتيجية والتطورات الحاسمة والآفاق الديناميكية التي تحدد مستقبل التكنولوجيا المالية في المنطقة، مشيرًا إلى ارتفاع عدد شركات التكنولوجيا المالية من 89 شركة في عام 2022م، إلى أكثر من 200 شركة بنهاية عام 2023م، وحصدت ما يقرب من مليار دولار من المستثمرين المحليين والعالميين.
وقال الشريك ورئيس قسم التكنولوجيا المالية في “آرثر دي ليتل”، “أرجون فير سينغ”، “إنه لكي تصبح مركزًا عالميًا رائدًا للتكنولوجيا المالية، فمن الضروري معالجة التحديات الناشئة، المتمثلة في تعزيز التنظيمات وتوسيع سبل التمويل وتنمية المواهب بشكل أكبر هي المفتاح للحفاظ على الزخم اللازم”.
وأضاف “بأن المملكة تعطي الأولوية للقيادة الثاقبة وصنع السياسات الاستباقية لتنمية مشهد مزدهر للتكنولوجيا المالية، مستفيدة من مجالات التحسين الاستراتيجية، لدفع طموحاتها الاقتصادية الوطنية لرؤية 2030م إلى الأمام، وإن تعزيز الشراكات المالية لتشجيع التعاون عبر الحدود ودعم شركات التكنولوجيا المالية في المملكة في مشاريعها الدولية سيكون له دور فعال في تحقيق النجاح على المدى الطويل”.
ومن بين التطورات التي شهدتها المملكة خلال الفترة الأخيرة، والتي تسهم في توسيع نطاق الخدمات المالية الرقمية، إعلان “فيجن بنك” عن إطلاق أول تطبيق للخدمات المصرفية الرقمية، واستحواذ شركة “تابي”، المتخصصة في مجال المدفوعات والتسوق، على تطبيق المحفظة الرقمية “طويق”.
كما انطلقت في الرياض فعاليات النسخة الأولى من مؤتمر “24 فنتك” خلال الفترة (5-3 سبتمبر 2024م)، والذي شهد مشاركة أكثر من 300 عارض وأكثر من 350 مستثمرًا وأكثر من 26 ألف زائر، والذي يُعدُّ من بين أهم التطورات في مجال التقنيات المالية الرقمية الجديدة، فالمملكة تسير على الطريق الصحيح لتصبح المركز الإقليمي الرائد لشركات المدفوعات الإلكترونية والرقمية، مع استثمار مليارات الدولارات في صناعة تكنولوجيا الخدمات المالية، بشكل يجعلها تتفوق على غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.
واستضافت كذلك شركة “هواوي كلاود” العالمية يومها السنوي لتقنية المعلومات والاتصالات في المملكة، في أغسطس الماضي، وأطلقت خلاله برنامجها لدعم رواد التكنولوجيا المالية، الذي يقدم خصومات حصرية لشركات التكنولوجيا المالية في المملكة.
رحلة التكنولوجيا المالية في المملكة
وقد قطعت المملكة خطوات كبيرة في تطوير التكنولوجيا المالية وتحويلها إلى صناعة وطنية مزدهرة؛ إذ زادت الخدمات المالية المتنوعة من المساهمات المالية في الاقتصاد الوطني، حيث تتطلع إلى مواكبة اقتصادات التكنولوجيا المالية القوية في الأسواق الغربية.
وذكر خبير الصناعة المالية الرقمية، “لويس تومبسيت”، أن رحلة التكنولوجيا المالية في المملكة مُبشرة بشكلٍ ملحوظ، حيث النمو القوي منذ عام 2018م، مشيرًا إلى إطلاق مبادرة “فنتك السعودية” التي تهدف إلى تعزيز ودعم صناعة التكنولوجيا المالية من خلال عدد من البرامج منها “مسرعة فنتك” والدورات الصيفية للتقنية المالية، وبرنامج فنتك التدريبي، والتي ساهمت في زيادة عدد شركات التكنولوجيا المالية العاملة في المملكة بمقدار 20 ضعفًا، وتم استثمار أكثر من مليار دولار في هذه الشركات، واستفادة أكثر من مليون شخص من برامجه المتنوعة.
وثمة توقعات بأن تتجاوز عائدات التكنولوجيا المالية العالمية 1.5 تريليون دولار سنويًا، وتسعى المملكة إلى تحقيق النمو المستدام من خلال دعم ثقافة أفضل للابتكار، وبيئة تنظيمية محسنة، وبنية تحتية رقمية متطورة، وجذب المواهب والمستثمرين المتميزين، وتطوير مهاراتهم، بحسب مختصين.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات الدولية ” كيه بي إم جي”، فإن سوق التكنولوجيا المالية العالمية واجهت تحديات كبيرة في النصف الأول من العام الجاري، بسبب عدم اليقين الجيوسياسي وارتفاع أسعار الفائدة بشكلٍ مستمر، ومع ذلك، استمر الاستثمار في التكنولوجيا المالية في المملكة في الارتفاع، فخلال ثلاث سنوات فقط، اجتذبت شركات التكنولوجيا المالية استثمارات بقيمة 1.1 مليار دولار بنهاية 2023م، بزيادة قدرها %230 عن العام السابق.
وقال رئيس قسم الابتكار العالمي في “كي بي إم جي”، “أنتوني رودنكلاو”، إن الرؤية الاستراتيجية للمملكة تغذي ثورة التكنولوجيا المالية، ويمثل النمو في المدفوعات الرقمية ومنتجات الشراء الآن والدفع لاحقًا بداية التحول المالي الذي سيعيد تشكيل اقتصاد المملكة، مشيرًا إلى أن التزام المملكة بالتكنولوجيا المالية، الذي تدعمه خطة تطوير القطاع المالي وخطة تنفيذ استراتيجية التكنولوجيا المالية، أدى إلى زيادة في الاستثمارات والشركات الناشئة وتبني المدفوعات الرقمية، حيث ارتفع عدد شركات التكنولوجيا المالية بنسبة %154.
وثمة توقعات بنمو قطاع التكنولوجيا المالية في المملكة من 64 مليار دولار في عام 2024م، إلى 87 مليار دولار بحلول عام 2029م، وأن تصل القيمة الإجمالية للمعاملات في سوق المدفوعات الرقمية إلى 78.4 مليار دولار بحلول 2027م، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي بنسبة %12.5، كما تشكل التجارة الرقمية أكبر شريحة في السوق، حيث بلغت القيمة الإجمالية للمعاملات حوالي 25 مليار دولار عام 2023م، وشكلت المدفوعات ثلثي السوق ونحو %98 من قاعدة المستخدمين، وتبعها التمويل الشخصي، الذي يمثل أكثر من %30 من قيم معاملات التكنولوجيا المالية، وزادت معاملات الدفع عبر الهواتف الذكية بنسبة %352.
إصلاحات تنظيمية لتسهيل عمليات الاستثمار
وفي ذات السياق، يؤكد الخبير في مجال التكنولوجيا المالية، ماجد الرشيد، على أن هذا الزخم الاستثماري يُعزز من خلال مبادرات حكومية مختلفة تهدف إلى جذب رأس المال الجريء الأجنبي، وتسهيل نمو الصناديق المحلية، وتشمل هذه الجهود إصلاحات تنظيمية لتسهيل عمليات الاستثمار، والحوافز الضريبية للمستثمرين، والبرامج المصممة لمطابقة الاستثمارات مع الشركات الناشئة، مما يعزز جاذبية القطاع لجمهور عالمي من المستثمرين ورجال الأعمال.
وأشار الرشيد إلى أن منظومة التكنولوجيا المالية في المملكة تتمتع بموقع فريد يسمح لها بمعالجة وحل عدد لا يحصى من التحديات المالية المحلية، والاستفادة من التكنولوجيا لسد الفجوات في المشهد المالي التقليدي، حيث تتعامل الشركات الناشئة في المملكة بشكلٍ مبتكر مع قضايا مثل فجوة تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، والوعي المالي، والشمول المالي، مما يبرز الدور الحاسم الذي يلعبه القطاع في الإطار الاقتصادي الأوسع.
ومن المتوقع أن تتضاعف عائدات التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثلاث مرات تقريبًا من 1.5 مليار دولار في عام 2022م، إلى حوالي 4 مليارات دولار في المتوسط، بحلول عام 2025م، مما يعزز حصة التكنولوجيا المالية في عائدات الخدمات المالية من أقل من %1 إلى حوالي %2.5، وسيكون للمملكة الحصة الأكبر من هذه العائدات.
وأشار وكيل هيئة السوق المالية للتمويل والاستثمار، عبد الله بن غنام، إلى ارتفاع استثمارات شركات التكنولوجيا المالية ست مرات لتصل إلى 666 مليون دولار في عام 2023م، عبر 10 جولات تمويلية، لافتًا إلى النمو الاستثنائي في هذا القطاع، حيث بلغ عدد الشركات 216 شركة، متجاوزًا الهدف البالغ 150 شركة بنسبة %144، وتجاوزت الوظائف المباشرة في القطاع 6500 وظيفة، أي أكثر من ضعف هدفنا”.
وأوضح أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام، الدكتور محمد مكني، أن القطاع المالي يحتل أولوية وميزة في رؤية المملكة 2030م، لاسيما وأنه يدعم كافة الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي زيادة إسهاماته في الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي، لافتًا إلى أن المملكة احتلت المرتبة الثالثة بين دول مجموعة العشرين في مؤشر تنافسية السوق المالية، الصادر عن مركز التنافسية التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية، متقدمة 7 مراكز مقارنةً بعام 2022م.
وتضم المملكة حاليًا أكثر من 120 صندوقًا لرأس المال الاستثماري، والتي دعمت أكثر من 3000 شركة ناشئة، كما أنها من أفضل النظم الإيكولوجية لرأس المال الاستثماري في المنطقة، برأس مال يقارب 1.4 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة بنسبة %33 عن عام 2022م، حيث يعد قطاع التكنولوجيا المالية المستفيد الرئيس، بقيمة تبلغ أكثر من 700 مليون دولار، وفقًا لـ”ليكس لازارو”، الخبير الأمريكي في مجال التكنولوجيا المالية وريادة الأعمال، وأضاف” من المؤكد أن السنوات القليلة القادمة في مجال التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط عمومًا، وفي المملكة على وجه التحديد، ستكون مثيرة للاهتمام”، خاصةً مع الاهتمام المتزايد للمستثمرين الدوليين للدخول إلى السوق السعودية والدعم الحكومي الهائل.