تراجع كبير في مبيعات مركبات الهيدروجين بنسبة %36.4 وبيع 2382 مركبة فقط.
نقص محطات الوقود جعل مركبات الهيدروجين تفقد بريقها في سوق المركبات النظيفة.
تكلفة إنتاج الهيدروجين وبناء محطات التزود بالوقود أبرز تحديات مركبات الهيدروجين.
بعد مرور أكثر من مائة وخمسين عامًا، على اختراع أول مركبة تعمل بالهيدروجين على يد الخبير البلجيكي “إتيان لينوار” عام 1860م، واتجاه كافة دول العالم إلى وسائل النقل النظيفة خلال السنوات الأخيرة، شهد هذا النوع المبتكر من المركبات تطورًا مذهلاً، لكنه تعرض لانتكاسة في المبيعات خلال الربع الأول من العام الجاري.
فقد تراجعت وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة، مبيعات مركبات الهيدروجين العالمية بشكلٍ كبير، بنسبة %36.4 على أساس سنوي، حيث تم بيع 2382 مركبة كهربائية تعمل بالهيدروجين فقط في جميع أنحاء العالم، خلال الربع الأول من عام 2024م.
مبيعات هزلية لمركبات الهيدروجين
وأشارت بيانات شركة الأبحاث الكورية “إس إن أي”، إلى أنه خلال عام 2023م تم بيع 14,451 مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في مختلف دول العالم، وهي أقل بنسبة %30.2 مقارنةً بعام 2022م، وفي المقابل، تم بيع أكثر من 92 ألف مركبة كهربائية تعمل بالبطارية خفيفة الوزن في الهند وحدها.
كما انخفضت مبيعات شركتي تصنيع مركبات الهيدروجين الرئيسيتين في العالم، “هيونداي” و”تويوتا”، وإن كانت بدرجات متفاوتة، حيث باعت شركة “تويوتا” 868 سيارة فقط في الربع الأول، وهو ما يمثل انخفاضًا سنويًا بنسبة %4.2، بينما باعت شركة “هيونداي” 691 سيارة فقط، مقارنةً مع 2044 سيارة في الربع الأول من عام 2023م، وهو ما يمثل انخفاضًا هائلًا بنسبة %66.2.
وتأتي المبيعات الهزيلة لمركبات الهيدروجين في الربع الأول، في الوقت الذي شهدت فيه مبيعات المركبات الكهربائية نموًا كبيرًا، حيث تم بيع 9.5 مليون مركبة كهربائية في جميع دول العالم عام 2023م، مع توقعات بأن تصل إلى 17 مليون مركبة بنهاية العام الجاري.
ويعود الانخفاض الهائل في مبيعات شركة “هيونداي” إلى تراجع مبيعاتها في الولايات المتحدة وكوريا، بنسبة %67 و%70 على التوالي، بسبب مشكلات تتعلق بالتزود بالوقود، فضلاً عن تراجع الاهتمام بسيارة “نيكسو سوف”.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه شركة “شل” عن عزمها إغلاق محطات التزود بالوقود بشكل كامل، في كاليفورنيا بسبب ما اعتبرته “تعقيدات إمدادات الهيدروجين وعوامل السوق الخارجية الأخرى”.
ويبدو أن نقص محطات التزود بالوقود جعلت مركبات الهيدروجين تفقد بريقها بشكل كبير في سوق المركبات النظيفة، لكن من ناحية أخرى، تعمل الصين على تسريع خططها لتسويق هذه المركبات، من خلال زيادة عدد هذه المحطات، كجزء من استراتيجية الهيدروجين الوطنية (2021م- 2035م)، وهو ما أسهم في زيادة حصتها في سوق المركبات العاملة بخلايا الوقود العالمية من خلال دعم سوق المركبات التجارية التي تعمل بالهيدروجين.
وعلى الرغم من التراجع الحاد في المبيعات، ثمة توقعات بأن يصل حجم سوق مركبات الهيدروجين إلى 69.6 مليار دولار بحلول عام 2032م، مقارنةً مع مليار دولار في عام 2022م، ليسجل معدل نمو سنوي مركب بنسبة %52.9 خلال الفترة (2023م- 2032م)، مدفوعًا ببرامج الدعم الحكومي لتعزيز النقل المستدام، والاستثمارات الهائلة من الشركات المصنعة.
“تويوتا” و”بي إم دبليو” في المقدمة
ويمكن القول إن المركبات الكهربائية تتقدم في السباق مع مثيلاتها العاملة بالهيدروجين، حيث تشهد الأولى تطورًا مستمرًا خلال السنوات الأخيرة، حيث إن وقودها متاح بالفعل، لكن لم تشهد تكنولوجيا الهيدروجين مستويات مماثلة من الاستثمار في المركبات، خاصة مع التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا البطاريات.
وعندما يتعلق الأمر باهتمام كبرى شركات تصنيع السيارات، فإن مركبات الهيدروجين مازالت محل نقاش، إذ أشار كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة “فولكس فاجن”، “كاي جرونيتز”، إلى عدم اهتمام شركته بالدخول في مجال تصنيع محركات الهيدروجين، وأضاف ” بالطبع، الهيدروجين مهم لصناعة الكيماويات وإنتاج البلاستيك وإنتاج الصلب، وبصرف النظر عن ذلك، هناك كميات محدودة من الهيدروجين، ونحن في “فولكس فاجن” يمكننا أن نعيش بشكل جيد تمامًا مع البطاريات الكهربائية”.
وفي المقابل، تقوم منافستها شركة “بي إم دبليو” الألمانية، بتجربة تقنية خلايا الوقود مع أسطول من طرازات “إي إكس 5″، والتي تخضع حاليًا لاختبارات صارمة، وأوضح رئيس مجلس إدارة الشركة، “أوليفر زيبسي”، قائلاً: “لقد أدت جولة أسطولنا التجريبي حول العالم إلى زيادة الوعي بالدور الذي يمكن أن يلعبه الهيدروجين في التحول في مجال الطاقة، ليس فقط للتنقل، ولكن على مستوى الصناعة، لقد حققت مركباتنا أداءً جيدًا في ظل ظروف مناخية وحركة مرورية مختلفة، وكانت استجابة الجمهور إيجابية بشكلٍ كبير”.
وأضاف: “لم يكن هذا مفاجئًا لنا لأن أنظمة نقل الحركة بخلايا وقود الهيدروجين تجمع بين مزايا القيادة الكهربائية الخالية من الانبعاثات، والتزود بالوقود السريع الذي اعتاد عليه الجمهور، ولهذا السبب نرى الهيدروجين كتقنية دفع بديلة إضافية يمكن أن تكون منطقية للغاية في الأمد المتوسط إلى الطويل”.
وتعد شركة “تويوتا” اليابانية، واحدة من أبطال السيارات الهيدروجينية، حيث تخطط لتطوير 5 طرازات حالية من خلال مصنع الهيدروجين في أوروبا، لتسويق تكنولوجيا الهيدروجين، بما يتسق مع استراتيجية الشركة لتحقيق الحياد الكربوني في أوروبا بحلول عام 2040م.
مستقبل مركبات الهيدروجين
وتعد المركبات التجارية أحد الأسواق التي ستكون أكثر ملاءمة للهيدروجين في المستقبل القريب، حيث توفر خلايا وقود الهيدروجين نطاقًا يعادل غالبًا نطاق محركات البنزين والديزل التقليدية.
إذ تُعدُّ البنية التحتية أكبر المشكلات التي تعوق نمو سوق مركبات الهيدروجين، سواء من حيث الإنتاج أو التزود بالوقود، ففي حين أن الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة على وجه الأرض، فإنه غالبًا ما يوجد متصلاً بعناصر أخرى ويجب فصله لاستخدامه كوقود، وإحدى الطرق هي التحليل الكهربائي الذي يستخدم تيارًا كهربائيًا لتقسيم الماء إلى أكسجين وهيدروجين، ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه العملية كثيفة الكربون اعتمادًا على نوع الكهرباء المستخدمة، ففي حين أن الخيارات المستدامة موجودة، إلا أنها تتطلب مزيدًا من التطوير.
ومن أكبر التحديات التي تواجه مستقبل مركبات الهيدروجين أيضًا، هو التكلفة الباهظة لتصنيع خلايا الوقود، علاوةً على أن إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع ليس بالأمر البسيط، وفي هذا السياق، أعلنت شركة “جنرال موتورز” الأمريكية، عن استثمارات بقيمة 35 مليار جنيه لتطوير خلايا الوقود الهيدروجينية والسيارات الكهربائية حتى عام 2025م.
كما أن إنتاج الهيدروجين مازال باهظ الثمن، ويصل إلى 12 دولارًا للكيلوجرام، في حين يبلغ متوسط سعر الوقود التقليدي 1.7 دولار للكيلوجرام، والكهرباء المتجددة حوالي 8 دولارات للكيلوجرام، وهذا يعني في النهاية ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة، وهو ما يجعل المستهلكين لا يرون أي فوائد من حيث التكلفة من خلال التحول إلى الهيدروجين.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ارتفعت تكلفة الهيدروجين إلى ما يصل إلى 36 دولارًا للكيلوجرام في وقت مبكر من العام الجاري، وهذا يعني أن ملء خزان سيارتك من طراز “تويوتا ميراي” سعة 5.6 كجم سيكلفك أكثر من 200 دولار، ومع قيادة لمسافة تقدر بنحو 402 ميل، تكلف “ميراي” حوالي 0.50 دولار لكل ميل، في حين تعمل السيارات الهجينة التقليدية، مثل “تويوتا بريوس” بسعر يتراوح بين 0.15 إلى 0.18 دولار لكل ميل (حسب أسعار الوقود)، وتكلف سيارة “تسلا موديل 3″ حوالي 0.10 دولار فقط لكل ميل، وفقاً لـ”جيف بيريوس” الخبير الأمريكي في المركبات النظيفة.
وتقدر لجنة الطاقة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، سعرًا متوسطًا لإنشاء محطة تزويد الهيدوجين في حدود 6.5 مليون دولار، في حين يبلغ متوسط تكلفة محطة شحن السيارات الكهربائية حوالي 110 آلاف دولار فقط، وهو ما يفسر العدد القليل من المحطات الموجودة في الولايات المتجدة، الذي يقدر بحوالي 53 محطة فقط (52 في كاليفورنيا وواحدة في هاواي).
وثمَّة مخاوف تتعلق بالسلامة مرتبطة بالقيادة بخلية وقود الهيدروجين تحت غطاء محرك السيارة، وأن مركبات الهيدروجين مازالت تتعرض لمخاطر الصدمات الكهربائية بشكل كبير، فضلًا عن المخاوف المتعلقة بقابلية الوقود للاشتعال، ما يتطلب بناء هذه السيارات بشكل أكثر أمانًا من السيارات التي تعمل بالغاز.
وفي السياق نفسه، ذكر الخبير البريطاني المتخصص في مركبات النقل المستدامة، “شين ويلكينسون”، أنه لا يمكن تجاهل الهيدروجين عند الحديث عن استراتيجيات وخطط التوسع في النقل النظيف في العالم وخاصة وسائل النقل الثقيل، حيث تعوق سعة بطاريات الشاحنات الكهربائية قطع مسافات طويلة، كما أنها غير مناسبة للنقل التجاري، لكن الجانب السلبي في الاعتماد على مركبات الهيدروجين هو التكلفة المرتبطة بتطوير البنية التحتية اللازمة.
وأضاف أن مفتاح تشجيع المركبات الهيدروجينية هو جعلها جزءًا من “اقتصاد الهيدروجين” الأوسع نطاقًا، فبناء محطات التزود بالوقود لسيارات الهيدروجين وحدها سيكون غير فعال، وبدلًا من ذلك، يتعين دمج الهيدروجين في منظومة الطاقة الحالية، بمعنى أن يتم إنشاء وحدات لوقود الهيدروجين داخل محطات الوقود التقليدية، حيث إنه يمكن إنتاجه داخل هذه المحطات، بدلًا من نقله، وكذلك يمكن توفيره من خلال شبكات مثل توزيع الغاز الطبيعي.