اقتصاديات كأس العالم

المملكة 2034م.. “أهلا بالعالم“

المملكة تؤكد التزامها بتقديم تجربة استثنائية عام 2034م تدمج بين الضيافة العربية الأصيلة والإمكانات الحديثة التي توفرها، مستهدفة تعزيز دورها كمركز رياضي عالمي.

استضافة المونديال يمثل دفعة قوية في مسار تحقيق مستهدفات رؤية 2030م خاصة فيما يتعلق بتنويع القاعدة الاقتصادية، بمساهمته في خلق فرص استثمارية ضخمة، وجذب الاستثمارات الأجنبية.

 

في خطوة تاريخية تعكس المكانة العالمية للمملكة، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، في 12 ديسمبر 2024م عن اختيار المملكة لاستضافة البطولة الخامسة والعشرين من كأس العالم؛ حيث حقق الملف الذي قدَّمته المملكة أعلى تقييم فني يمنحه الاتحاد الدولي عبر التاريخ لملف تم تقديمه لاستضافة الحدث الكروي العالمي، بتقييم بلغ (419.8 من 500)، ما يعكس جودة التخطيط والتنظيم الذي قدمته المملكة.

وتُعتبر هذه البطولة هي الثالثة التي ستشهد مشاركة ثمانية وأربعون منتخبًا بعدد مباريات نحو 104 مباراة، بدلاً من اثنين وثلاثِين منتخبًا في البطولات السابقة، وبذلك سوف تكون المملكة أول دولة تستضيف بمفردها دون الشراكة مع دول أُخرى النسخة الأكبر من بطولة كأس العالم، بعد إقرار النظام الجديد للبطولة عام 2017م.

وقال صاحب السمو الملكي، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، (إن فوز المملكة بحق استضافة هذا المحفل الكروي العالمي، يأتي ضمن ثمار التقدم والتطور الكبير الذي يشهده القطاع الرياضي على الأصعدة كافة، بما يتماشى مع المستهدفات الرياضية في رؤية المملكة 2030م، والتي أسهمت في تحقيق قفزات نوعية استثنائية، انعكست على المجتمع المحلي ورياضة واقتصاد المملكة على حد سواء)، وبالفعل يُحقق القطاع الرياضي في المملكة نموًا سريعًا، وثمة توقعات بأن يسهم بحلول عام 2030م بنحو %1.5 من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، أي ما يعادل 16.5 مليار دولار سنويًا، مما يُظهر الدمج المتزايد للرياضة في الاقتصاد الوطني.

 

تقديم تجربة استثنائية

وكانت المملكة تحت شعار “أهلا بالعالم”، أكدت التزامها بتقديم تجربة استثنائية عام 2034م تدمج بين الضيافة العربية الأصيلة والإمكانات الحديثة التي توفرها، ويأتي هذا الإنجاز في إطار تنفيذ استحقاقات رؤية 2030م التي تهدف إلى تعزيز دور المملكة كمركز رياضي عالمي.

ففي أكتوبر 2023م أعلنت المملكة نيِّتها الترشح لاستضافة كأس العالم عام 2034م، وتقديم بطولة عالمية المستوى، تستمد الإلهام من التحول الاجتماعي والاقتصادي المستمر في المملكة، والشغف العميق لكرة القدم في البلاد؛ إذ جاء عرض المملكة لاستضافة كأس العالم مدعومًا بخبرة البلاد المتنامية في استضافة أحداث كروية وغيرها عالمية المستوى، وخططها المستمرة للترحيب بمحبي ومتابعي الدائرة المستديرة في جميع أنحاء العالم.

بوصلة للأحداث الرياضية

وقد باتت المملكة خلال السنوات القليلة الماضية بوصلة للأحداث الرياضية الإقليمية والعالمية سواء المتعلقة بكرة القدم أو بالرياضات الأخرى، مثل: كأس العالم للأندية، وبطولات السوبر الإيطالي والإسباني، والبطولة العربية، وكذلك عدد من المباريات الودية الدولية، والسوبر الأفريقي والمصري، وغيرها من الأحداث الرياضية المرتبطة برياضات أُخرى بخلاف كرة القدم، كجائزة فورمولا (1)، ورالي داكار، وفورمولا إي، وسباق إكستريم إي، فضلاً عن إقامتها لبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، التي شارك فيها نخبة من اللاعبين حول العالم، كما وتمتلئ أجندة المملكة الرياضة خلال السنوات المقبلة بالأحداث الرياضة الكُبرى كاستضافتها لكأس آسيا ودورة الألعاب الآسيوية، ودورة الألعاب الشتوية، على التوالي، التي ستكون الأخيرة في مدينة “تروجينا” في نيوم.

الحدث الرياضي الأكبر عالميًا

ويأتي تنظيم الحدث الرياضي الأكبر عالميًا، ليس مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل هو خطوة ذات أثار اقتصادية متنوعة، بل وتتخطى ذلك إلى مكاسب كُبرى للبلاد المستضيفة سواء خلال سنوات الاستعداد للمونديال أو سنوات ما بعده؛ حيث تجهيز البنية التحتية التي بدورها ينشط مجموعة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية المهمة كقطاع السياحة والتشييد والبناء، فضلاً عن الأنشطة المتعلقة بهما مثل: قطاع التجزئة والإعلان والتسويق وغيرهم، وبالتالي فإنه حدث استثنائي يترك أثرًا دائمًا على المشهد الرياضي والاقتصادي والسياحي في البلد المستضيف، كونه يصنع طلبًا إضافيًا على منتجات اقتصادية محلية تُضاف إلى الطلب القائم على المنتجات، ما يخلق فرصًا تجارية ووظائف إضافية وعوائد ضخمة، فعلى سبيل المثال، وبحسب تقرير نشرته “ستراتيجك جيرز”، وهي شركة استشارات إدارية، حصد مونديال قطر عام 2022م قرابة الـ17 مليار دولار، وحقق مونديال روسيا عام 2018م نحو 14 مليار دولار، فيما تفوق عليه مونديال البرازيل عام 2014م بمبلغ 15 مليار دولار، أما مونديال جنوب أفريقيا عام 2010م فكانت عوائده المالية نحو 12 مليار دولار، وأخيرًا مونديال ألمانيا عام 2006م الذي حصد 14 مليار دولار.

دفعة قوية في مسار رؤية 2030م

فإن استضافة المونديال يمثل دفعة قوية في مسار تحقيق مستهدفات رؤية 2030م خاصة فيما يتعلق بتنويع القاعدة الاقتصادية، بمساهمته في خلق فرص استثمارية ضخمة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ودعم القطاعات الاقتصادية الرئيسية منها والفرعية، فزيادة الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، وضخ مبالغ إضافية لإنجاز المشاريع والمرافق الرياضية والترتيبات النهائية لما قبل استضافة المونديال، يدفع بقوة نحو زيادة الحركة الاقتصادية على كافة المستويات.

فمن المتوقع باستضافة 48 منتخبًا مشاركًا في البطولة، أن يزور المملكة عددًا قياسيًا من محبي كرة القدم، وهو ما تستعد له المملكة بالعمل على تجهيز أكثر من 232 ألف وحدة فندقية لاستضافتهم، في المدن الخمس التي ستقام بها المباريات، وتتناسب مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهو ما يعني إضافة نحو 175 ألف غرفة فندقية على الموجود حاليًا، كما خصصت المملكة نحو 10 ساحات لاحتفالات الجماهير في المدن الخمس المستضيفة للمباريات، تتسم بتنويع السعة الجماهيرية، أكبرها حديقة الملك سلمان بالرياض التي تتسع لنحو 80 ألف زائر، ما يخلق في مجمله فرصًا استثمارية متنوعة ويزيد من قيمة الأصول بخاصة العقارية؛ وذلك بارتفاع الطلب على العقارات في المدن الخمس المستضيفة، والتي يقدرها الأكاديمي والخبير الاقتصادي، بندر الجعيد، بنسبة %502 في الرياض وحدها و%2274 في مدينتي أبها ونيوم.

جوهرة تاج الملاعب

ومن المقرر أن تُقام البطولة في 5 مدن وهي: الرياض بواقع 8 ملاعب، منها جوهرة تاج الملاعب، وهو ملعب الملك سلمان، الذي يكون جاهزًا في عام 2029م بسعة أكثر من 92 ألف متفرج لاستضافة مباراتي الافتتاح والنهائي، وفي مدينة جدة بواقع 4 ملاعب، وملعب واحد في كل من مدن: الخبر وأبها ونيوم، إضافةً إلى 10 مواقع أخرى للتدريبات والملاعب المساندة في كل من (الباحة وجازان والطائف والمدينة المنورة وأملج والعلا وتبوك وحائل والأحساء وبريدة).

وإجمالاً سوف يحتضن البطولة قرابة الـ 15 ملعبًا، وسيتم تجديد 4 ملاعب قائمة، في حين سيتم بناء 11 أُخرى جديدة بأحدث المواصفات، لاستيعاب أكثر من 770 ألف مشجع، فضلاً عن توفير 72 موقعًا مخصّصا لمعسكرات تدريب المنتخبات وكل موقع يجب أن يقترن بفندق، وأيضًا توفير 4 مواقع تدريب مناسبة في كل ملعب ويكون مقترن بفندق، ومقرّان على الأقل لمعسكرات تدريب حكام البطولة وأيضًا مقترن بفندق.

 

القطاع الخاص المستفيد الأكبر

ووفقًا لتقديرات شركة “الأهلي المالية” فإن متوسط تكلفة الملعب الواحد بنحو مليار دولار، بما يتماشى مع المتوسط العالمي، وذكرت الشركة المالية أنها تلاحظ أن معظم الاستثمارات هي جزء من برامج رؤية 2030م وضمن سياقات مشاريع أُخرى مثل: إكسبو 2030م وكأس آسيا 2027م، مؤكدةً أن مثل هذه الأحداث الضخمة تساعد في خلق فرص عمل دائمة ومؤقتة وتحسين مناخ الاستثمار من خلال جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وبالتالي دعم النشاط الاقتصادي ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وتوحي بأن القطاع الخاص بكامل أشكاله أمام هذا الإنفاق الحكومي المتوقع، مُقبل على حزمة من الفرص الاستثمارية الثرية؛ إذ سيستفيد القطاع الخاص بشكل مباشر جراء ارتفاع الطلب المتوقع على منتجات وخدمات الشركات الكبرى كشركات الكهرباء، الحديد، الأسمنت، صناعات الألمنيوم والبلاستك والخدمات التقنية والفنية والتي سيعتمد عليها في اكتمال عملية الوفاء لالتزام المملكة باكتمال بناء الملاعب الجديدة، الفنادق، والخدمات والتجهيزات المساندة التقنية والمقاعد الخاصة للملاعب، وقطاع النقل على أنواعه، الذي توقعت له “الأهلي المالية” أن يشهد طفرة، لافتةً إلى أن مطارات المدن الخمس الرئيسية سوف تشهد خلال السنوات المقبلة توسعًا بدعم من خطط التوسع في أسطول شركات طيران المملكة استعدادًا للأحداث الكبرى التي سوف تهدها المملكة وعلى رأسها كأس العالم، إضافة إلى توسيع مترو الرياض ليصل إلى 7 حارات من 5 حاليًا بسعة 3.6 مليون مسافر، وستعتمد جدة على شبكة السكك الحديدية وأنظمة الحافلات، كما ستعتمد المدن الأخرى بشكل أساسي على أنظمة الحافلات.

كما سينعكس كأس العالم 2034م إيجابيًا على شركات الاتصالات التي ستزيد استثماراتها لارتفاع الطلب العالي المتوقع لعدد الجماهير واستخدم منتجاتها في خدمات النقل والاتصالات والإنترنت؛ إذ يُتوقع أن تحقق حقوق البث التلفزيوني إيرادات تصل إلى 12 مليار ريال، مع عدد مشاهدات يتجاوز 34 مليار مشاهدة عبر مختلف المنصات العالمية، كما أن المنشآت الصغيرة ستتأثر اقتصاديًا بشكل إيجابي خاصة في مجال السياحة، مبيعات الملابس التراثية والهدايا المرتبطة بالحدث العالمي والتراث السعودي، المتاحف، النقل، الأغذية المتنقلة، المطاعم وأماكن التنزه وتناول القهوة.

 

مشروع وطني ضخم

وبالتأكيد سيكون لكأس العالم تأثير مباشر في الصناعات والقطاعات التقليدية والجديدة وتأثير دائم طويل الأمد على القطاع السياحي، فسوف يؤدي استقبال ملايين الزوار الدوليين إلى زيادة الإيرادات من خلال الإنفاق المتوقع بأن يتجاوز الـ 80 مليار ريال على تذاكر المباريات وعلى الإقامة والطعام والنقل، مما يحفز توسع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.

وبذلك، يمكن القول إن تنظيم المملكة لكأس العالم 2034م ليس مجرد حدث رياضي عادي، بل هو مشروع وطني ضخم يهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي واجتماعي طويل الأمد، من خلال التحضيرات الاستراتيجية التي تشمل تطوير البنية التحتية، وتعزيز التنوع الاقتصادي، وفتح آفاق جديدة للاستثمار، ستتمكن المملكة من تعزيز مكانتها بين أكبر اقتصادات العالم، كما ستمثل هذه البطولة نقطة انطلاق نحو تحقيق أهداف الرؤية والتي ستكون فعالة في رفع تحسين جودة الحياة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية للمملكة.