الإصلاحات التنظيمية وتدابير التجارة وممارسة الأعمال جعل المملكة هدفًا لشركات الحاويات الدولية.
المملكة في المركز 16 عالميًا في مؤشر مناولة الحاويات و38 في مؤشر كفاءة الخدمات اللوجستية.
المملكة تستهدف إنتاج 40 مليون حاوية نمطية ومضاعفة سعة الشحن الجوي بحلول عام2030م.
في عالم يتسم بالتغيرات السريعة والحاجة المتزايدة للتجارة العالمية، تلعب الحاويات دورًا محوريًا في تعزيز البنية التجارية للمملكة، التي تضم بدورها عديدًا من الموانئ التي تشكِّل نقطة ارتكاز رئيسة للتجارة الدولية بما يعزز من قدراتها اللوجستية، ويتماشى هذا التقدم مع الجهود الأوسع التي تبذلها المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030م، لتنويع الاقتصاد وترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، حيث تدفع الاستثمارات في البنية التحتية البحرية والتكنولوجيا والشراكات الاستراتيجية هذا التحول، مما يعزز دور المملكة في طرق التجارة الدولية.
طفرات تنموية
ويقدر حجم سوق شحن الحاويات عالميًا بـ 119.68 مليار دولار أمريكي في عام 2024م، ومن المتوقع أن يصل إلى 145.70 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %4.07 خلال الفترة المتوقعة من (2024م إلى 2029م).
وقد كشفت بيانات الهيئة العامة للموانئ “موانئ”، عن نمو الحاويات الصادرة في المملكة بنسبة %19 خلال أغسطس 2024م، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، لتسجل 258.9 ألف حاوية، فيما سجلت الحاويات الواردة 261.3 ألف حاوية، محققة نموًا بنسبة %15، مشيرة إلى أن البضائع المناولة بلغت 30.5 مليون طن، مقارنةً مع 24.1 مليون طن، بمعدل نمو بلغ %27.
ويشهد قطاع الموانئ في المملكة قفزات كبيرة وغير مسبوقة، من حيث كفاءة الأداء التشغيلي العالية وتحقيق أرقام قياسية في المؤشرات الدولية ونمو خطوط الملاحة البحرية وزيادة الربط البحري مع دول العالم.
وسجل ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام زيادةً ملحوظة بنسبة %37.4 على أساس سنوي في مناولة الحاويات خلال النصف الأول من عام 2024م، مما يشير إلى نمو قوي في القطاع البحري، إذ شهد مناولة 1.53 مليون حاوية قياسية، ارتفاعًا من 1.11 مليون وحدة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفعت حاويات الترانزيت بنسبة %87.8 إلى 37.8 ألف حاوية من 20.1 ألف حاوية في عام 2023م، في الوقت الذي ارتفعت فيه الحاويات الصادرة بنسبة %39.1 إلى 624.7 ألف حاوية، في حين زادت السفن الواردة بنسبة %34.7، كما نما إجمالي حجم البضائع بنسبة %28.7 إلى حوالي 25 مليون طن من 19.4 مليون طن في العام السابق.
وخلال العام الجاري، أطلق ميناء الملك عبدالعزيز عديدًا من المبادرات الاستراتيجية لتعزيز بنيته التحتية، بما في ذلك الاستحواذ على 21 رافعة ساحلية وجسرية لاستيعاب السفن المتقدمة والأكبر حجمًا بكفاءة، فضلًا عن 80 شاحنة كهربائية من خلال شراكة بين الشركة السعودية العالمية للموانئ و”ساني جلوبال”، مما جعله أكبر ميناء في الشرق الأوسط بمثل هذا الأسطول، كما قام بتوسيع حركته التجارية بإطلاق 6 خدمات شحن جديدة بالتعاون مع خطوط دولية كبرى، حيث تم تكريمه بجائزة “ميناء العام” في حفل توزيع جوائز “شيب تيك” الدولية، مما يسلط الضوء على دوره المحوري في المشهد اللوجستي والنقل في المنطقة.
مركز لوجستي
وفي أغسطس الماضي، أعلنت شركة “إيه بي مولر ميرسك” والهيئة العامة للموانئ عن افتتاح أكبر مجمع لوجستي لشركة ميرسك في الشرق الأوسط في ميناء جدة الإسلامي، وذلك على مساحة 225 ألف متر مربع، وباستثمارات تبلغ 250 مليون دولار، حيث تعد أكبر منشأة لوجستية وخدماتية في موقع واحد في الشرق الأوسط.
ويؤكد مختصون أن منطقة ميرسك اللوجستية ستسهم في خدمة وتطوير دعم النشاط الاقتصادي في المملكة وتقديم خدمات لوجستية عالية الكفاءة لدعم حركة التجارة والتصدير إلى الأسواق الخارجية وتعزيز عمل سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية.
ويؤكد الخبير البريطاني، “جاري هوارد”، أن المملكة حددت أهدافًا طموحة لقطاع الموانئ، مشيرًا إلى أن تطوير قطاعي النقل البحري واللوجستي يعد ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، وهي سلسلة من الطموحات الوطنية لتحسين وتنويع الاقتصاد وترسيخ مكانتها كمركز لوجستي عالمي، ضمن رؤية المملكة 2030م.
نمو السوق
وأشادت تقارير دولية باستراتيجية التنويع الاقتصادي التي تتبعها المملكة، والتي أدت إلى زيادة الأنشطة التجارية وتطوير البنية التحتية اللوجستية لدعم حركة البضائع وسوق الحاويات محليًا ودوليًا، مشيرةً إلى أن الموقع الاستراتيجي للمملكة عند مفترق طرق أوروبا وآسيا وإفريقيا يجعلها مركزًا لوجستيًا رئيسًا في المنطقة، مما يسهل تدفقات التجارة بين هذه القارات.
وأضافت أن نمو الصناعات مثل التجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة والتصنيع يدفع الطلب على خدمات الشحن والخدمات اللوجستية لنقل البضائع بكفاءة وموثوقية عبر سلاسل التوريد، ومع استمرار المملكة في الاستثمار في تعزيز قدراتها اللوجستية وتسهيل التجارة، فمن المتوقع أن تشهد صناعة الشحن والخدمات اللوجستية بشكل عام وقطاع الحاويات بصورة خاصة نموًا مستدامًا، مما يوفر فرصًا لمقدمي الخدمات اللوجستية وشركات الشحن وشركات النقل لتوسيع عملياتها والإسهام في أهداف التنويع الاقتصادي في المملكة.
وأوضحت أن نمو سوق حاويات الشحن والخدمات اللوجستية في المملكة مدفوع بمبادرات الاستثمار في البنية التحتية والتنمية التي تهدف إلى تحسين شبكات النقل والموانئ والمرافق اللوجستية، إذ أطلقت الحكومة عديدًا من مشاريع ومبادرات البنية التحتية لتعزيز الاتصال والكفاءة، بما في ذلك تطوير الموانئ والمطارات والسكك الحديدية وشبكات الطرق، حيث تسهم مشاريع مثل ميناء الملك عبدالله وخط سكة حديد الرياض-الدمام وتوسيع الطرق السريعة والمطارات الرئيسة في تحسين تدفق البضائع وخفض تكاليف النقل للشركات العاملة في المملكة.
وأشارت التقارير الدولية أيضًا إلى أن المملكة قامت بعديد من الإصلاحات التنظيمية وتدابير تسهيل التجارة التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات الجمركية، والحد من الحواجز التجارية، وتعزيز سهولة ممارسة الأعمال التجارية، حيث نفذت إصلاحات لتبسيط عمليات التخليص الجمركي، وتنفيذ أنظمة التوثيق الإلكتروني، وتحسين كفاءة الحدود، وتقليل أوقات العبور وتكاليف المعاملات للمستوردين والمصدرين، مما جعلها هدفًا رئيسًا للمستثمرين والشركات الدولية الرائدة في مجال الحاويات والخدمات اللوجستية.
ومن أهم التطورات التي شهدتها المملكة خلال الفترة الماضية، إعلان شركة “فُلك للخدمات البحرية”، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، عن استحواذها على أولى سفن الحاويات التي أطلقت عليها اسم “فُلك جدة”، المتخصصة في نقل الحاويات، بسعة 1868 حاوية نمطية، فضلاً عن توقيع الخطوط الحديدية “سار” عقدًا مع شركة الشحن البحري “ميرسك”، بهدف زيادة أعداد الحاويات المنقولة عبر القطارات بين الميناء الجاف بالرياض وميناء الملك عبدالعزيز بالدمام.
وأعلنت الهيئة العامة للموانئ، أنها عززت القطاع البحري واللوجستي والموانئ في المملكة بمشاريع استثمارية بلغت قيمتها نحو 17 مليار ريال (4.5 مليار دولار) خلال عام 2023م، مشيرةً إلى أنها حققت تقدمًا ملحوظًا في مختلف المؤشرات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمناولة الحاويات وكفاءة الخدمات اللوجستية.
وقفزت المملكة ثمانية مراكز في مناولة الحاويات، لتصل إلى المركز السادس عشر من بين أكبر 100 ميناء في العالم، كما تقدمت 17 مرتبة لتصل إلى المركز 38 من بين 160 دولة في مؤشر كفاءة الخدمات اللوجستية، الذي يصدره البنك الدولي.
وحققت السجلات التجارية لخدمات مناولة الحاويات ارتفاعًا بنسبة %48، خلال الربع الثاني لعام 2024م، مسجلة 2457 سجلاً، مقارنةً مع 1658 سجلاً في الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب النشرة الربعية لقطاع الأعمال التي تصدرها وزارة التجارة.
40 مليون حاوية
وأشار الخبير الأمريكي في مجال اللوجستيات والنقل البحري، “ستيورت تود”، إلى أن استراتيجية النقل والخدمات اللوجستية في المملكة تستهدف استثمار حوالي 133 مليار دولار، لتعزيز قدراتها في مجال النقل المتعدد الوسائط واللوجستيات، مشيرًا إلى أن قطاع النقل البحري يشهد مشاريع واسعة النطاق لتحديث الموانئ ومحطات الحاويات والشحن الحالية، وتطوير موانئ جديدة وإدخال طرق تجارية جديدة، بهدف مضاعفة إنتاج الحاويات السنوي في البلاد بأكثر من أربعة أضعاف إلى 40 مليون حاوية نمطية بحلول عام 2030م، وكذلك مضاعفة سعة الشحن الجوي إلى 4.5 مليون طن على الأقل.
وبحسب “جون مانرز بيل”، الرئيس التنفيذي لشركة “ترانسبورت إنتليجنس”، وهي شركة بريطانية متخصصة في النقل والخدمات اللوجستية، فإن المملكة تشهد طلبًا متزايدًا على الخدمات اللوجستية من مصنعي السلع الاستهلاكية، وبالإضافة إلى الخدمات المتعلقة بالنقل، سيؤدي هذا أيضًا إلى طلب قوي على مرافق تخزين بسعات أكبر بشكل يخدم سوق الحاويات والخدمات اللوجستية التعاقدية.
وأضاف: “تتمتع المملكة بالموارد والطموح اللازمين لتصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا رئيسًا على مدى العقد المقبل، فهي قناة للتجارة بين بعض أسرع الأسواق نموًا في آسيا وإفريقيا، فضلًا عن خدمة بقية الشرق الأوسط وأجزاءً من أوروبا، كما تمنح سوقها المحلية والتصديرية الكبيرة ميزة على الموانئ المحورية الأخرى في المنطقة والتي تركز بشكل كبير على الشحنات العابرة”.
ويمكن التأكيد على أن سوق الحاويات والخدمات اللوجستية تقدم فرصًا كبيرة للاعبين الدوليين، حيث تعد المملكة مركزًا رئيسيًا لطرق التجارة الواسعة التي تدعمها البنية التحتية ذات المستوى العالمي، وفي هذا السياق، ذكر “هاكان لانفريدي”، عضو مجلس الإدارة التنفيذي في مجموعة “دوسمان” العالمية لإدارة المرافق: “بالنسبة لشركات الخدمات اللوجستية الدولية، تقدم التطورات التي تشهدها المملكة فرصًا مربحة لإنشاء أو توسيع العمليات، والاستفادة من الأحداث العالمية الكبرى والحاجة المتزايدة إلى حلول سلسلة التوريد المتقدمة”، مؤكداً أن قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة يرسم مسارات جديدة في قطاع التجارة العالمي.