التجاذبات من سمات الأعمال التجارية، حيث الدوران المستمر في فلك تحقيق التوازن بين منطقتي احتياجات الملاك والأرباح، وغالبًا ما يتم الخلط بين الأدوار ما يتطلب شكلاً محددًا من الحوكمة.
الحوكمة رأس مال خفي له الأثر الكبير في النمو، والتطور، وتحقيق الاستقرار، والبقاء، وثمة علاقة ارتباط معنوي إيجابي ذات دلالة بين حوكمة الشركات وتحسين الأداء المالي.
تؤدي الشركات والمؤسسات التجارية دورًا لا يستهان به، فهي عصب النشاط الاقتصادي خاصة الكبيرة منها، نظرًا لدورها الاستراتيجي في تنفيذ التوجهات، وتحقيق الأهداف العامة، فهي بمثابة الأداة التي من خلالها يتم إحداث التنمية والازدهار الذي تتطلع إليه أي دولة، وقد أدى اتساع حجم هذه المؤسسات إلى انفصال الملكية عن الإدارة، وما صاحب ذلك من مظاهر ضعف الرقابة والمصالح الشخصية، كما مع الانفتاح الاقتصادي تزايدت أهمية إيجاد إطار فعال في مواجهة التحديات وزيادة الاهتمام بالأداء المالي وتحسينه، لزيادة القدرة على المنافسة وضمان البقاء والنمو المستمر.
من هنا، جاءت فكرة الحوكمة لضبط الأداء المالي، ولكن لا تزال تعيش المؤسسات والشركات تجاذبًا مستمرًا بين منطقتي الملاك والأداء المالي؛ ففي المنطقة الأولى تغلب العاطفة وتستهدف الجمع بين الملاك ومفردات الحفاظ على تماسكها وحمايتها، في حين يغلب على المنطقة الثانية الطابع الاقتصادي ذات الصلة بتعظيم الأرباح لأصحاب المصلحة.
وحالة التجاذبات هذه هي من سمات الأعمال التجارية، حيث الدوران المستمر في فلك تحقيق التوازن بين منطقتي احتياجات الملاك والأرباح، وغالبًا ما يتم الخلط بين الأدوار ما يتطلب شكلاً محددًا من الحوكمة، التي بالتأكيد أصبحت تطبيقاتها لا تقتصر على شركات بعينها، بل تتعدى لتشمل كل الشركات على اختلاف أنواعها، فهي وسيلة لتعزيز الثقة في اقتصاد أي بلد ومؤشر على مستو ى الأداء الذي وصلت إليه المؤسسات، وهذا ما أدى بالمستثمرين للبحث عن الشركات التي تطبق مفهوم الحوكمة، لذلك أصبحت تحتل اهتمام جميع الدول المتقدمة والنامية منها على السواء.
وتعد الحوكمة لاسيما في ظل الأزمات المالية المتلاحقة التي يشهدها العالم من حين لآخر الإطار الحامي للشركات من التعثر المالي ومنعها من الوقوع في الأزمات وتعزيز الشفافية وانعكاس ذلك على الأداء المالي؛ إذ تستهدف الحوكمة تعزيز مفاهيم الرقابة على أداء الشركات بما يحافظ على المصالح والحقوق المالية وتشجيع وتنمية الاستثمار وتعظيم الربحية، فضلاً عن إتاحة فرص عمل جديدة.
مسار نمو الإيرادات
ومن ضمن المشاكل التي تواجه الشركات بشكل عام هي استمراريتها لمدة قصيرة لعدم التخطيط بانتقال ثروتها من جيل إلى آخر، ولتداخل العلاقات بين الملاك، مما قد يؤثر على أدائها ونتائجها، حيث إن استمراريتها تتعلق بالأداء المالي لها بالدرجة أولى.
ويجمع الخبراء على أن الالتزام بتطبيق ممارسات الحوكمة ينعكس إيجابًا على دفع مسار نمو الإيرادات، وتعزيز العلامة التجارية، وزيادة قدرتها على جذب رأس المال، مع زيادة فرص النمو المستدام، فإن ممارسات الحوكمة يمكن أن تُسهم في تنافسية وتوسع آفاق نجاح الشركات وتؤثر بشكل إيجابي على الأداء المالي وتوليد الإرادات، خصوصًا مع التغيرات الحاصلة في ملامح القطاعات الاقتصادية كليًا الذي ولَّد موجات جديدة من النمو.
وبشكل عام فإن الحوكمة هي نظام متكامل للرقابة المالية والإدارية والذي عن طريقه يتم إدارة الشركة والرقابة عليها، فهي تقوم على قواعد وأسس كفيلة بالكشف عن حالات التلاعب والفساد وضمان الرقابة على الأداء وحق مسائلة الإدارة وتحقيق الشفافية والعدالة بقدر يؤدي إلى كسب ثقة المتعاملين وضمان الاستقرار، فإنها إحدى الضوابط التي تهدف إلى الحفاظ على النظام المالي واستقراره والحفاظ على رؤوس الأموال والممتلكات وتعدم تعرضها للأزمات والانهيار.
بوابة نجاح واستدامة
وقد أصبح ينظر إلى الحوكمة على أنها أحد الحلول المهمة لتحسين الأداء المالي، فثمة علاقة ارتباط معنوية إيجابية ذات دلالة بين حوكمة الشركات وتحسين الأداء المالي، مما يستوجب الإسراع والعناية والاهتمام بتطبيق إجراءات الحوكمة التي تعد بوابة نجاح واستدامة لأي شركة تنشد النمو وتحقيق الأهداف، فهي تحقق العدالة والشفافية، والمراقبة والمساءلة المالية والإدارية داخل الشركات وتشجع العمل الجماعي المشترك، والمشاركة في صنع القرار، والاهتمام بالمرؤوسين وتعزيز نموهم، من أجل ضمان تطوير الأداء وتعظيم الفائدة ومراعاة مصالح الأطراف المختلفة، وتحسين الأداء المالي الذي تتمثل أهمية تقيمه في التمكن من تحديد المسؤولين عن الانحرافات بين الأداء المالي المخطط والأداء المالي المحقق، ومعرفة تطور مسيرة المؤسسة سواء نحو الأفضل أو نحو الأسوأ، فضلاً عن أنه يقدم نظامًا لتقييم المعلومات المستندة على حقائق علمية وموضوعية لمختلف المستويات الإدارية في المؤسسة لأغراض التخطيط، الرقابة، واتخاذ القرارات.
إن التطبيق السليم للحوكمة من شأنه أن يؤدي إلى زيادة المساهمين وفرص التمويل، فالإفصاح المحاسبي للقوائم المالية يزيد من الموثوقية وكذلك إشراك أصحاب المصلحة بالتقارير المتعلقة بصرف الأموال مما يزيد من احتمالية المشاركة في التمويل.
فلا يؤدي تطبيق الحوكمة إلى زيادة المساهمين فحسب، إنما يؤدي كذلك إلى ارتفاع قيمة الشركة وتزيد من معدلات اتجاهات المساهمين نحوها، فقيمة الشركة العائلية رأس مال خفي له الأثر الكبير في النمو والتطور ما يحقق الاستقرار والبقاء.
مدخل فعال في جودة التقارير
إن الأداء المالي هو أحد أهم مقومات النجاح وأن الحوكمة هي الأداة المسؤولة عن وضع الشركات بشكل عام على المسار الصحيح من خلال تقويم الأداء المالي وقياس مدى تحقيق العوائد المالية والمصروفات وهي جزء مهم من العملية الاستراتيجية، فالأداء هو أحد أهم النتائج التي تحاول المنظمات الوصول إليها فكلما كان الأداء المالي جيدًا كلما تحققت الأهداف ذات المدى البعيد بصورة أفضل، فحوكمة الشركات تُسهم في تحسين الأداء من خلال مبادئها وآلياتها التي تعمل كنظام فعال وتطبيقه بصورة جيدة يسهم في تحقيق الإفصاح والشفافية والحد من الفساد والغش وبالتالي تحسين الأداء المالي للمنظمات مما يجعلها أطول عمرًا وأكثر تواجدًا، ولكن لابد للمنظمات الحرص على تحسين مستوى ممارسة الحوكمة فيه والتزام المنظمة باللوائح التنظيمية والقوانين التي تساعدها للاستمرار في تحقيق أهدافها.
وأخيرًا فإن التطبيق السليم لمبادئ الحوكمة ينعكس على جودة التقارير المالية ومن ثم تحسين الأداء المالي، فتطبيق هذه المبادئ يؤثر على درجة ومستوى الإفصاح المحاسبي مما يؤكد على أن الإفصاح والشفافية وظاهرة الحوكمة وجهان لعملة واحدة يؤثر كل منهما بالآخر ويتأثر به، فإذا كان الإفصاح هو أحد وأهم مبادئ الحوكمة فإن إطار الإجراءات الحاكمة يجب أن يتم الإفصاح عنها بأسلوب ومعايير الجودة المالية.
كذلك فإن ثمة أثر مباشر للالتزام بقواعد الحوكمة ألا وهو عودة الثقة في المعلومات المالية نتيجة تحقيق المفهوم الشامل لهذه المعلومات باعتبار أن المعلومات التي تنتجها التقارير المالية هي من أهم الركائز التي يمكن الاعتماد عليها لقياس حجم المخاطر بأنواعها المختلفة مثل: المخاطر المحيطة ومخاطر السيولة فضلاً عن دورها في عملية التنبؤ، كما أن التقارير المالية تؤثر في قرارات الممولين بإمدادهم بالمعلومات عن المنظمات بهدف دعم وترشيد تلك القرار.