عندما تقرأ جملة “الهدف هو تصنيع المنتجات التي لا يتم تصنيعها في المملكة حاليًا، “تشعر بارتياح عميق كون مسيرة الصناعة السعودية تأخذ خطوة نوعية جديدة تستلهمها من رؤية 2030م، وهدف يتحقق يومًا بعد يوم اسمه “التنويع الاقتصادي”، وإذا كنت مستثمرًا سعوديًا أو أجنبيًا تستشعر الفرصة الماثلة أمامك.
هذه الجملة وردت عند إطلاق المملكة برنامج الحوافز المعيارية للقطاع الصناعي مطلع العام الجاري 2025م، الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة، ويستهدف تمكين تصنيع المنتجات التي لا يتم تصنيعها في المملكة حاليًا، ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمارات الصناعية النوعية، ويسرّع وتيرتها، مع ضمان استدامتها على المدى الطويل، كما يمكَّن المستثمرين السعوديين والدوليين من الاستفادة من الإمكانات الفريدة التي تمتلكها المملكة.
الصناعة من أهم الخيارات الاستراتيجية لتنويع الاقتصاد، وهذا ما انطلقت منه المملكة وأصبح هاجسًا لدى قياداتها المتعاقبة باعتبار هذا القطاع أحد أبرز مقومات النجاح لأي دولة تطمح لرفع اقتصاداتها وتحقيق مستهدفات التنمية.
قبل نحو نصف قرن وتحديدًا خلال السنوات من عام 1974م إلى عام 1976م تمت أول خطوات مؤسسية في مجال الصناعة؛ حيث أنشئ صندوق التنمية الصناعية السعودي، وتم تحويل المشاريع الصناعية والبتروكيماوية إلى وزارة الصناعة والكهرباء حينها، إضافةً إلى إنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وإنشاء شركة “سابك” لتتبنى المشروعات الصناعية الضخمة.
تعاقبت الإنجازات والتوسع، وأصبح هناك قاعدة صناعية قوية ولافتة على مستوى المنطقة، ولكن بقيت الحاجة إلى مزيد من الصناعات النوعية التي يمكنني وصفها بالمؤثرة أكثر في الاقتصاد والتصدير ومواكبة للأمم أو الدول التي أصبحت تعرف عالميًا بأنها “صناعية”.
ومنذ العام 2016م عندما أُطلقت الرؤية تسارعت وتيرة التنويع الاقتصادي النوعي، وكانت الصناعة محط اهتمام بالغ من الحكومة، ولعل أهم الأحداث التي شهدتها السنوات العديدة الماضية، كان تقديم البرنامج الوطني لتطوير الصناعة والخدمات اللوجستية، الذي حفز وتفاعل مع ظهور قطاعات جديدة من الاقتصاد، بما في ذلك الصناعات النوعية التي ينطبق عليها القول أعلاه “تلك التي لا تصنع في المملكة”، ولتصبح الصناعة من أهم الروافد الاقتصادية في هذه الرؤية، حيث يُخطط أن تتجاوز مساهمة قطاعي الصناعة والتعدين بحلول عام 2030م ما يصل إلى %15 من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقعي الشخصي بناء على أداء برامج الرؤية أن الهدف سيتحقق قبل ذلك ويتم وضع هدف جديد (بإذن الله).
وما يجعلني اثق بتجاوز المستهدف هو هذا البرنامج، برنامج الحوافز المعيارية للقطاع الصناعي، الذي رصدت له المملكة مبلغ 10 مليارات ريال، وصمم بطريقة تحقق الدافعية والتحفيز، إذ يتضمن تغطية تصل إلى %35 من الاستثمار الأولي للمشروع، بحد أعلى يبلغ 50 مليون ريال لكل مشروع مؤهل، مقسمة على مراحل المشروع، بحيث تكون %50 لمرحلة الإنشاء، والـ%50 الأخرى لمرحلة الإنتاج، وستطلق الحوافز على مراحل متتالية، تستهدف في المجموعة الأولى، جذب استثمارات في قطاعات الصناعات الكيميائية التحويلية، وصناعة السيارات وأجزائها، وقطاع الآلات والمعدات، فيما سيتم الإعلان عن عدد آخر من القطاعات في المراحل اللاحقة من الحوافز خلال عام 2025م.
صناعة الآلات والمعدات وأجزاء السيارات والكيماويات التحويلية، هي ما نحتاج إليه مرحليًا وهذا هو الطريق الذي يوصلنا إلى أسواق العالم بعد تحقيق الاكتفاء داخليًا خاصة إذا دخلنا في آلات الطائرات ومعداتها، والأدوية كصناعات تحويلية، نحتاج إليها للسوق المحلي، ومن ثم للتصدير، والأهم تحقيــــق تنويــــع اقتصادي متكامل ومستدام.