اقتصاديات توصيل الطلبات

الدليڤري.. قطاع استثماري واعد

قيمة السوق العالمية لتطبيقات توصيل الطلبات تبلغ 123 مليار دولار سنويًا منها 4.7 مليار دولار في المملكة.

منطقة الرياض تتصدر بنسبة %46 من إجمالي طلبات التوصيل تليها مكة المكرمة بنسبة %26 والمنطقة الشرقية بحوالي %13.

عدد مستخدمي تطبيقات توصيل الطعام سيصل في المملكة إلى 10.9 مليون في 2026م.

 

في مدينة نابولي الإيطالية وتحديدًا عام 1889م، قام الشيف الإيطالي “رافيال اسوزيتو”، بتوصيل أول بيتزا من مطعمه إلى قصر الملك أمبرتو وزوجته الملكة مارجريتا، والتي عشقت هذا النوع من البيتزا، حتى عرُفت هذه النوعية باسمها “بيتزا مارجريتا”، فيما راجت الفكرة عام 1950م في أمريكا، مع انتشار محلات الوجبات السريعة، أما أول طلب عبر الإنترنت، فجاء خلال التسعينيات، عندما أعلنت “بيتزا هت” عن منتجها “بيتزا نت”، عبر موقعها الإلكتروني، ومن ثم انتشرت عمليات إطلاق تطبيقات التوصيل الذكي.

وقد نما قطاع توصيل الطلبات، بشكلٍ ملفت خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا منذ الطفرات غير المسبوقة، الناتجة عن ثورة الاتصالات، وكذلك منذ جائحة كورونا، التي دفعت نحو حدوث نقلة هائلة في مجال التطبيقات الإلكترونية والشمول المالي والتسوق عن بعد، وفيما تشير التقديرات، إلى أن قيمة السوق العالمية لتطبيقات توصيل الطلبات تبلغ 123 مليار دولار سنويًا، فإن المملكة تستحوذ على أربعة مليارات و700 مليون دولار من قيمة تلك العمليات، التي تتم من خلال أكثر من 40 تطبيقًا لتوصيل الطلبات، وعبر أكثر من 80 شركة توصيل.

قفزة كبيرة في نمو السوق

ونتيجة لتداعيات جائحة كورونا، حدثت قفزة كبيرة في نمو سوق توصيل الطلبات عبر الإنترنت، إذ بلغت عائدات سوق توصيل المواد الغذائية والبقالة العالمي عام 2020م حوالي 25 مليار دولار، وتتوقع شركة “أوشن إكس” المتخصصة في الاستشارات وأبحاث السوق، أن يستمر نمو السوق العالمي في هذا القطاع في جميع أنحاء العالم، بقيمة تتراوح بين 15 و23 مليار دولار سنويًا، ليبلغ حجم السوق 223.7 مليارًا بحلول عام 2027م وحوالي 365 مليار دولار عام 2030م.

وفي المملكة بلغت طلبات التوصيل عام 2023م حوالي 225 مليون طلب، إذ تنقسم تطبيقات توصيل الطعام إلى نوعين، وهما التوصيل من المطعم إلى المستهلك، والثاني التوصيل من المنصة أو التطبيق إلى المستهلك.

وتشير التقارير إلى أن قطاع توصيل الطلبات في منطقة الخليج وفي المنطقة العربية بشكلٍ عام، يشهد زخمًا كبيرًا، إذ وصلت القيمة الإجمالية للطلبات عبر أكبر منصتين للتوصيل في المنطقة إلى 7.1 مليارات دولار حتى شهر سبتمبر من العام الماضي، وذلك بمعدلات نمو تتراوح بين %21.3 و%25.8 للمنصتين.

ووصلت الأرباح للمنصتين أو التطبيقين، اللذان يستخدمهما 10.2 ملايين عميل في لـ11 دولة خليجية وعربية معًا إلى 760 مليون دولار أرباحًا إجمالية وأرباحًا صافية بلغت 304 ملايين دولار، فيما بلغ إجمالي الإيرادات حوالي 2.56 مليار دولار.

ووفقًا لإحصاءات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمملكة، فإن إجمالي قيمة طلبات التوصيل عبر التطبيقات منذ جائحة كورونا، وحتى يوليو 2020م فقط تخطت حاجز الـ 2 مليار ريال، وبلغ إجمالي الطلبات 26 مليون طلب بزيادة %250، وأدت الجائحة إلى تراجع أداء سوق خدمات الطعام من جهة، وفي المقابل كان لها أثر إيجابي على سوق توصيل الطعام عبر الإنترنت، واستحوذت منطقة الرياض على %46 من إجمالي طلبات التوصيل، تلتها منطقة مكة المكرمة بنسبة %26، ثم المنطقة الشرقية بحوالي %13 من الطلبات.

وفيما يتعلق بسوق توصيل الطعام تحديدًا، فإن التوقعات تشير إلى أن إيراداته بالمملكة ستصل إلى 9 مليار ريال، فيما سيبلغ عدد مستخدمي تطبيقات توصيل الطعام خلال عام 2026م حوالي 10.9 مليون مستخدم؛ وإذا كان “سوق توصيل الطعام من المطعم إلى العميل” على مستوى العالم يستحوذ على %36، وسوق توصيل الطعام من خلال التطبيقات يستحوذ على %64، فإن الوضع مختلف في المملكة، إذ أن سوق توصيل الطعام من المطاعم يستحوذ على النسبة الأكبر بنحو %77 مقابل %23 لسوق توصيل الطعام من خلال التطبيقات، وهو ما يعنى أن هناك فرصة كبيرة لنمو هذا السوق بالمملكة، وينطبق ذلك على أغلب دول الخليج، التي يتشابه هيكل السوق فيها مع هيكل السوق بالمملكة.

قطاع اقتصاد يزداد أهمية

أصبح قطاع توصيل الطلبات من المجالات والقطاعات الهامة في الاقتصاد، إذ أدى ازدهار هذا القطاع إلى العديد من الآثار والانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد والتنمية، وعلى رأسها تطوير التجارة الإلكترونية وتحفيز الابتكار والاقتصاد الرقمي، وهو ما جعل القطاع محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في العديد من الدول، وغني عن القول، إن قطاع التوصيل قد أحدث تغييرًا ملحوظًا في الاقتصاد الوطني، بعد أن ساهم في دعم الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وعلى رأسها المطاعم الصغيرة، وتوفير الكثير من المتطلبات اللوجستية لها، واستفاد الاقتصاد السعودي أيضًا من التطورات التقنية المرتبطة بقطاع توصيل الطلبات، ومن التحسينات في تكنولوجيا التوصيل، ومن التطبيقات الذكية التي تتيح للمستخدمين تتبع حالة طلباتهم في الوقت الحقيقي وتقييم جودة الخدمة، وكذلك من تطوير تقنيات ووسائل الدفع الرقمية، وأنظمة تحديد المواقع، كما أسهم قطاع توصيل الطلبات في توفير عدد ضخم من الوظائف وفرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن تيسيره لحياة المواطنين بالتوصيل السريع للطلبات والحفاظ على جهدهم ووقتهم.

وعلى الرغم من الآثار الإيجابية لقطاع توصيل الطلبات، سواء على الاقتصاد بشكل عام، أو على المستهلك بشكلٍ خاص، إلا أن هناك أيضًا تأثيرات قد تكون سلبية، ومخاوف مشروعة، إزاء وسائل وطرق توصيل الطلبات، فإلى جانب التأثيرات على الاستدامة والبيئة، فإن هناك مشكلة أخرى، تتعلق بالازدحام المروري، نتيجة ارتفاع عدد المركبات المستخدمة في عمليات التوصيل، كذلك، تبرز مشكلة عدم كفاءة وتدريب سائقي التوصيل، والتهور الكبير لدى بعضهم في القيادة والسرعة الكبيرة، من أجل توصيل أكبر عدد من الطلبات، وهو ما يؤدي إلى الحوادث المرورية.

وهناك أيضًا آثار تتعلق بالنواحي الاجتماعية والثقافية، فمع أن الاعتماد على شركات وتطبيقات التوصيل السريع يُعد أحد مظاهر الحياة المعاصرة، بما تتميز به من ثورة تكنولوجية هائلة، ونقلات ضخمة في مجال الاتصالات والمعلومات، إلا أن ذلك أدى أيضًا إلى زيادة العزلة وقلة التواصل البشري.

وينبغي علينا أن ندرك أنه من الطبيعي مع النمو الكبير في قطاع توصيل الطلبات وتضخم الأنشطة المرتبطة به وزيادة اعتماد المستهلكين عليه أن تظهر بعض السلبيات، التي تؤرق المجتمع، والتي تفرض علينا ضرورة دراسة السلبيات ومواجهتها، بدلاً من مهاجمة القطاع بأكمله.

إجراءات تنظيمية

بهدف تنظيم وحوكمة قطاع توصيل الطلبات، ورفع جودة الخدمة وكفاءة عملية التوصيل، وزيادة مستوى الموثوقية والأمان، وخلق فرص وظيفية للسعوديين، قامت هيئة النقل السعودية، في أبريل 2024م، ببدء المرحلة الأولى من قرار حصر العمل المباشر في تطبيقات التوصيل على السعوديين، والتي تضمنت تطبيق إجراءات وإصدار قرارات تنظيمية لقطاع توصيل الطلبات.

وتضمنت تلك الإجراءات إلزام غير السعوديين بالتسجيل عن طريق شركات النقل الخفيف المعتمدة، وعددها 300 شركة، بهدف منع التحايل على النظام والقوانين والإجراءات بتشغيل العمالة المنزلية في تطبيقات التوصيل بمعرفة كفلائهم، مقابل نسبة متفق عليها.

وتبرز أهمية الضوابط الخاصة بالدراجات النارية، في ظل أن الطلبات، التي تتم عن طريق تلك الدراجات تصل إلى حوالي %38 من إجمالي الطلبات في المملكة، وهو رقم كبير للغاية، لكنه منطقي في ظل أن ازدحام بعض المناطق، مع رغبة المستهلكين في الحصول على طلباتهم بشكل سريع، يجعل من الدراجات النارية وسيلة نقل جيدة.

وعلى الرغم من أن الكثيرين يرون أن الدراجات النارية تُعد وسيلة مثالية في قطاع توصيل الطلبات، خاصةً في المدن الكبرى والمزدحمة، إلا أن آخرين ينتقدون ذلك، ويرون أن الدراجات النارية أكثر عرضة للحوادث، وأن السيارات توفر مستويات أعلى من السلامة المرورية والأمان للسائقين والمشاة.

كما أن استخدام السيارات يقلل من التشوه البصري، ويقلل من الفوضى ويحافظ على الصورة الحضارية للمدن، ناهيك عن القدرة الاستيعابية للسيارات في حمل عدد أكبر من الطلبات، وهو ما يعزز من الكفاءة التشغيلية، ويقلل عدد الرحلات المطلوبة لتسليم الطلبات، ويخفض التكاليف المتعلقة بالوقود والصيانة.

وبشكلٍ عام، فإن التكاليف التشغيلية تعد واحدة من أهم التحديات، التي تواجه توصيل الطلبات، الأمر الذي يتطلب استخدام وسائل نقل تتلافي عيوب الدراجات النارية وتكاليف السيارات التقليدية، ومن بين هذه الوسائل المقترحة استخدام السيارات الكهربائية والاعتماد على تقنيات التنقل الحديث، خاصةً أن الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، تدعم استخدام مثل هذه الوسائل باعتبارها حلول نقل صديقة للبيئة وتحقق الاستدامة البيئية.

أما فيما يتعلق بالازدحام المروري، وهو تحدي بارز أيضًا يواجه قطاع توصيل الطلبات في المدن الكبيرة، فإن ذلك يتطلب من الحكومة تدشين خطط ذكية لإدارة الطرق، ويتطلب من الشركات العاملة في القطاع اختيار أفضل الأوقات والطرق للتوصيل.

ويمثل العنصر البشري وحمايته تحديًا له أولوية قصوى، إذ تبرز ضرورة وضع مزيد من السياسات والقوانين والإجراءات التنظيمية لقطاع توصيل الطلبات، من أجل زيادة معايير الأمان والصحة المهنية وحقوق العمل، بما يتضمنه ذلك، من تفعيل الآليات الدستورية اللازمة لتوفير الحماية القانونية والإنسانية لكافة العاملين في قطاع خدمات التوصيل، وتحسين ظروف وبيئة العمل للعاملين، ووضع الأطر التشريعية والإجرائية لتسوية القضايا والمنازعات المرتبطة بعملهم، وتعزيز حمايتهم من أى انتهاكات أو ممارسات غير إنسانية قد يتعرضون لها، فضلاً عن ضرورة توفير صيغة قانونية للتقاعد والحماية من إصابات العمل.