ارتفعت نسبة مساهمة الشركات في الإنفاق الاجتماعي من %1.19 في عام 2019 إلى %4.15 عام 2023م.
بنوك المملكة استثمرت أكثر من 350 مليون ريال في مبادرات اجتماعية شملت مجالات البيئة، والتعليم، والصحة.
باتت معيارًا رئيسًا للدلالة على مدى المشاركة الفاعلة للشركات والمؤسسات في خدمــة المجتمـــع، وتتســاوى اليــوم في أهميتها وقيمتها وتأثيرها لدى عديد من المنشــآت، مع غيرها من البرامج الاقتصادية؛ إذ مكَّن زيادة تبني قطاع الأعمال لممارسات المسؤولية الاجتماعية من خلــق قطاع أعمــال يحظـى ببيئـــة عمل قادرة على التعامــل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية.
وتعد المسؤولية الاجتماعية ركنًا أساسيًا ومهمًا في حياة المجتمعات، فبجانب أنها تدعم البيئة الاجتماعية وتُعزّز من روابطها وتماسكها، فهي من خلال تأثيرها المباشر على استدامة وتعزيز الأعمال تمثل رافدًا رئيسًا للاقتصاد الوطني، فهي إضافة نسبية للأعمال، ولها دورها في استدامة ونمو الشركات على المدى الطويل.
وقد شهدت المملكة في السنوات الخمس الأخيرة تطورًا ملحوظًا في مجال المسؤولية الاجتماعية، واعتمدت يوم 23 مارس من كل عام ليكون يومًا للمسؤولية الاجتماعية يُسلّط فيه الضوء على برامج المسؤولية الاجتماعية لإبراز دور شركات ومؤسسات القطاع الخاص، فيما تقدمه من أجل ازدهار المجتمع وتقدمه، وقد ارتفعت نسبة إسهامات الشركات في الإنفاق الاجتماعي من %1.19 في عام 2019م إلى %4.15 في أواخر عام 2023م، ليعكس تطلعات المملكة في تنمية قطاع المسؤولية الاجتماعية في مختلف المجالات كواحدة من أهم أهداف رؤية 2030م، ببناء اقتصاد مزدهر ومستدام، حيث تواصل الشركات والمؤسسات جهودها لتحقيق التميز في هذا المجال، مما يعكس رؤية القيادة في إشراك الأطراف كافة لتحقيق التنمية الشاملة في المجتمع.

كما ارتفع عدد الشركات التي تقدم برامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية ليصل إلى ما نسبته %65 في عام 2023م، الأمر الذي أسهم في تعزيز مكانة المملكة عالميًا، باعتلائها 25 مركزًا لتحقق المرتبة الـ 16 عالميًا في مؤشر (المسؤولية الاجتماعية) الصادر عن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية IMD لعام 2024م.
وبناءً على ذلك أصبحت المسؤولية الاجتماعية بأبعادها التنموية عملية استثمارية، تهدف إلى إحداث تغيرات اجتماعية لدعم البنية الاجتماعية، وتحقيق التنمية، خاصة فيما يتعلق بتنمية مهارات الأفراد كافة في المجتمع، وتحديدًا ذوي الدخل الأقل، وتوزيع حصص من الأرباح على الموظفين، وأصبحت المسؤولية الاجتماعية التزامًا لكل أطراف الاقتصاد الوطني وأحد آلياته لتحقيق تنمية مستدامة.
إدارات تُعنى بالمسؤولية الاجتماعية
وعلى الرغم من أن مشاركة الشركات في المسؤولية الاجتماعية اختيارية؛ إلا شركات المملكة خطت خطوات كبيرة في مجالاتها، وبات عديد من كيانات منشآت القطاع الخاص تحرص على تأسيس إدارات تُعنى بالمسؤولية الاجتماعية؛ للإسهام في خدمة المجتمع، ومتابعة هذه الإسهامات وقياس الأثر الذي يتحقق منها، مما كان له أثر إيجابي أسهم في إنجاز عديد من المشاريع الكبيرة من خلال تكاتف وتعاون القطاع الخاص وقيامه بمسؤولياته في مختلف المجالات من تعليم وصحة وبيئة وتنمية مستدامة.
ويؤكد خبير المسؤولية الاجتماعية، محمد عبدالهادي، أهمية التفريق بين المسؤولية الاجتماعية كدور مهم للقطاع الخاص، وبين الأعمال الخيرية التي يقوم بها عدد كبير من رجال الأعمال، مشددًا على أن مفهوم الأولى أوسع وأشمل، قائلاً: هناك تطور كبير في التزام القطاع الخاص بالمسؤولية الاجتماعية، صحيح أنه لم يصل بعد للمستوى المأمول، ولكنه تحسن بشكل كبير، ونأمل أن يتطور أكثر خلال الفترة المقبلة، وثمَّة فرص كبيرة لتطوير عمل المسؤولية الاجتماعية التي لا تقل أهمية عن أي نشاط آخر يقوم به القطاع الخاص.
وأشار عبدالهادي إلى أن المسؤولية الاجتماعية أكبر من تعيين عدد من الموظفين وهي تختلف عن الأعمال الخيرية، فحفظ الطعام وبناء المساجد ومساعدة المحتاجين هي عمل خير، ولا تُعدُّ من المسؤولية الاجتماعية، التي تُعدُّ دورًا مطلوبًا من الشركات، قائلاً: إن الأعمال الخيرية لها مكانها، ولكن المسؤولية الاجتماعية لو تكلمت عنها كعضو استشاري في المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، سأتحدث عما قدمته المؤسسات لهم، فهنا سيكون الوضع مختلفًا، مثل تقديم أجهزه خاصة للصم، هو عمل خير ولكنه يندرج تحت المسؤولية الاجتماعية، عكس تقديم المعونات للأيتام، هذا عمل خير وواجب عل الأفراد، عمل المسؤولية الاجتماعية يظهر من الحس بالمجتمع، ومحاولة مساعدته كواجب من واجبات القطاع الخاص، نحن في وطن لم يقصر معنا، ولهذا أنا كشركة أو مؤسسة ضخمة، من الواجب علي مساعدة المجتمع ببعض النشاطات والخدمات، مثل أن أنشئ مجلسًا للحي، أو مشروعًا لكبار السن والأمهات.

وأكد عبدالهادي أنه لا يوجد أي معوق يمنع الشركات من زيادة نشاطها في المسؤولية الاجتماعية؛ إذ يحتاج العمل في هذا المجال للتنظيم فقط، وعلى الهيئات المختصة أن توضح كيف يمكن الوصول للشركات، فالدولة ترحب بالمبادرات المجتمعية وتدعوا لها، ولكن كيف تصل للشركات وتنظم عملها، مشيرًا إلى أهمية أن يكون هناك منصة وطنية للمسؤولية المجتمعية، تذكر فيها الشركات ما قامت به، وتكون منصة حقيقية، وفاعلة وليس مجرد منصة صورية.
استثمار بنوك المملكة في المسؤولية الاجتماعية
وتأخذ المسؤولية الاجتماعية للشركات والمنشآت أشكالاً عديدة، أبرزها احترام البيئة والإسهام في الحفاظ عليها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصادر المواد والعمليات، وتوفير فرص متكافئة لمختلف الفئات الاجتماعية، إضافة لتوفير بيئة عمل آمنة للجميع، وبرامج تمويل التعليم وتوفير فرص التدريب للأجيال القادمة من القوى العاملة.
وكثيرًا من شركات المملكة الكبرى اهتمت بإتاحة برامج للمنح الدراسية الداخلية والخارجية لها، فيما اهتمت أخرى بدعم التعليم والتفوق الدراسي لطلبة التعليم العام، وأخرى تهتم بالشراكة مع وزارة الصحة وإنشاء مراكز القسطرة القلبية ضمن مستشفيات في مناطق عديدة، وإنشاء مركز للعلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي ومكافحة التدخين، كما تدعم شركات أخرى الإثراء المعرفي ومحو الأمية.
ومن الأنشطة الاجتماعية الرائدة، بحسب ما كشفت عنه الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية، رابعة الشمسي، استثمار بنوك المملكة أكثر من 350 مليون ريال في مبادرات اجتماعية شملت مجالات البيئة، والتعليم، والصحة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ما يسهم في تعزيز استدامة المجتمع، وأكدت أهمية تضافر الجهود في هذا المجال، معتبرةً أن “المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد التزام قانوني، بل هي شراكة حقيقية لبناء مجتمع قوي وواعٍ”.
ومن جهته يؤكد الناشط والخبير في مجال المسؤولية الاجتماعية، المهندس أحمد الرماح، على أن هناك تطورًا كبيرًا في أنشطة المسؤولية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الأرقام التي تصدر من الجهات المعنية تكشف ارتفاع مشاركة القطاع الخاص بشكل كبير، وإن كنا مازلنا نطمح بالمزيد، وقال ثمَّة فرصة لتكون أعلى بكثير، خاصة وأن الاهتمام بهذا الجانب ارتفع كثيرًا في السنوات القليلة الماضية، وهذا انعكس على ترتيب المملكة عالميًا في هذا المجال لتصل للمركز السادس عشر، ومن المتوقع أن ترتقي أكثر مستقبلاً، وأكد أنه بلا شك أننا نطمح في مزيد وإن كان العطاء الحالي ممتازًا، ولكن هناك أهمية لفصل المسؤولية الاجتماعية عن الأعمال الخيرية التقليدية، موضحًا أن المسؤولية الاجتماعية قطاعها واسع، فمثل كفالة الأيتام أو الفقراء هي أعمال خيرية ولكن المسؤولية الاجتماعية تشكِّل قطاعات أوسع بكثير، وغير تقليدية، بعض الشركات لا تسميها مسؤولية اجتماعية، ولكن (الاستدامة) وتوردها في تقاريرها السنوية، وهي تشمل السعودة والتوظيف والتدريب، لا يمكن حصرها في الأعمال الخيرية فقط، وهو نابع من دور الشركات في المجتمع، سواء تعويضه عن الضرر الذي قد يكون لحق به جراء أعمالها التجارية أو غيرها، وأشار إلى أنه من الضروري التركيز على إنشاء خارطة حرارية تركز على احتياجات كل منطقة على حدة، فاحتياجات سكان المنطقة الشرقية تختلف عن سكان الحدود الشمالية وعن الجنوب، فكل منطقة لها حاجاتها الخاصة، بناءً على ظروف معيشة سكانها.

مجلس الشرقية للمسؤولية الاجتماعية
وتواصل شركات قطاع الأعمال جهودها لتحقيق التميز في هذا المجال، ومن أهم المبادرات تلك التي انطلقت في المنطقة الشرقية، لتطوير المسؤولية الاجتماعية، وهو إنشاء مجلس المنطقة للمسؤولية الاجتماعية (أبصر) الذي نشط خلال السنوات الأخيرة في تطوير العمل المجتمعي، ولأجل ذلك أطلق المجلس مبادرة “ألفة” قبل نحو ثلاثة أعوام، وفيها تضافرت جهود الجهات المعنية، من أجل نمو المُبادرة على نحو نطاق واسع بما يشمل دراسة وتخطيط مسبق ابتدأ في ترشيح عدد من محافظات المنطقة الشرقية، ثُمَّ حصر احتياجات أحياء المحافظات السكنية، وبالتالي السعي في تنفيذ وسد هذهِ الاحتياجات المُجتمعية في مجالات المسؤولية الاجتماعية بما يتناسب مع مُتطلبات الفرد والأسرة.
وقد تجسد الهدف الأساسي من مبادرة “ألفة” في إحياء عدد من الأحياء السكنية الشعبية على أن تكون هذهِ الأحياء المُستفيدة مزودة ومشمولة بعدد من المشاريع التطويرية بمساعدة عدد من الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية بهدف تعزيز المسؤولية الاجتماعية وتفعيل المشاركات المجتمعية لتمكين مُجتمع حيوي، ما أسفر عن تحقيق المبادرة ما يقارب 217 خدمة وبرنامجًا في 88 حيًا بالمنطقة الشرقية وبمساهمة ساعات تطوعية تفوق 400 ألف ساعة تطوعية من كافة الشركاء، وبلغ عدد المستفيدين ما يقارب 160 ألف مستفيد، كانت البداية بـ 13 من الأحياء السكنية الشعبية وانتهت بـ 75 حيًا شعبيًا وأكثر من 180 برنامجًا.
ومن جانبه رأى الخبير في المسؤولية الاجتماعية، موسى الموسى، أن المسؤولية الاجتماعية، هي نفسها الأعمال التي تخدم المجتمع ويقوم بها القطاع الخاص كجهات راعية لها، موضحًا أن المسؤولية الاجتماعية مختلفة الاتجاهات، ولا يمكن حصرها في اتجاه معيَّن دون غيره، مضيفًا بقوله إنه على الرغم من التطور الذي تعيشه المسؤولية الاجتماعية إلا أنها تحتاج لمزيد من التنظيم، لتكون أكثر فاعلية، خاصة في المبادرات التي تخدم المجتمع ككل، والأمر الآخر أن يكون الدافع هو خدمة المجتمع كخدمة حقيقية، وليست مجرد دعاية لتلك الجهة الراعية للحدث.
ويؤكد الموسى أنه من الضروري أن يكون هناك تنظيم أكبر لجهود المسؤولية الاجتماعية، وأن يكون محددًا بتخصص الجهة لتكون أكثر دراية به، والأمر الثاني تحديد المجتمع الذي تعمل فيه وتريد خدمته، هذا من المهم استحضاره بقوة، والأمر الثالث أن يكون لدينا خريطة حرارية لحاجات المجتمع المحدد، وأن يكون هناك نوع من التكامل بين مؤسسات المسؤولية المجتمعية، وبين مؤسسات المجتمع ككل ليكون هناك تحقيق أكبر للفائدة المرجوة.