اقتصاديات الأصول

الأصول المُدارة.. على أهبَّة النمو

%13.5 نمو في حجم الأصول المُدارة لتسجل 250 مليار دولار نهاية النصف الأول من 2024م.

300 مليار دولار قيمة إدارة الأصول خلال العامين المقبلين بدعم من برنامج تطوير القطاع المالي.

المملكة تتبنى نموذجًا رائدًا في تطوير إدارة المحافظ الاستثمارية وفقًا للمعايير والممارسات الدولية.

 

أصبحت دول الخليج وخاصةً المملكة على نحوٍ متزايد منطقة جذابة للمؤسسات المالية والمستثمرين الدوليين، لاسيما وأن صعود القطاع المالي في المنطقة يخلق الطلب ليس فقط على الاحتياجات الفردية، ولكن أيضًا على الخدمات المصرفية للشركات والحلول المالية المبتكرة التي تسهم بدورها في دفع نمو كافة القطاعات وخاصة إدارة الأصول والثروات.

وتعمل صناعة الأصول المُدارة كمحفز للنشاط الاقتصادي في المملكة، حيث تجتذب السيولة من المستثمرين، خاصةً مع النمو الاقتصادي القوي والنظام المالي والمصرفي الأكثر استقرارًا مقارنةً مع عديد من الأسواق العالمية، فضلًا عن الإجراءات التنظيمية وجاذبية أسواق الأسهم والسندات في المملكة، وتقديم مجموعة متنوعة من المنتجات المبتكرة، لتلبية متطلبات التمويل المتزايدة للشركات والبنوك.

300 مليار دولار قيمة الأصول المُدارة

وذكر تقرير حديث لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أن صناعة إدارة الأصول ارتفعت بنسبة %13.5 على أساس سنوي، متجاوزةً 250 مليار دولار في نهاية النصف الأول من العام الماضي، متوقعًا بأن تتجاوز 300 مليار دولار خلال العامين المقبلين، مدفوعًا ببرنامج تطوير القطاع المالي بموجب رؤية المملكة 2030م، ولفت التقرير إلى الطلب القوي على المنتجات الإسلامية، حيث إن حوالي %95 من صناديق الاستثمار المشتركة متوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما تمتلك المملكة أكبر أصول مُدارة في دول الخليج، والخامسة على مستوى دول منظمة التعاون الإسلامي، كما أنها ثاني أكبر سوق لصناديق الاستثمار الإسلامية العامة على مستوى العالم.

وأضاف التقرير أنه مع نضوج صناعة إدارة الأصول، فمن المتوقع أن تجذب الصناديق التي تم وضعها لدى مديري الأصول الخارجية، وذكر رئيس التمويل الإسلامي العالمي في وكالة “فيتش”، بشار الناطور، أن الأصول المُدارة للصناعة بلغت %22 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023م، لافتًا إلى أن قيمة الصناديق الخاصة تجاوزت بثلاث مرات الصناديق العامة.

بشار الناطور

وتضاعفت الأصول المُدارة للصناديق الخاصة منذ عام 2020م، حيث كانت الأغلبية في الأسهم (%43) والعقارات (%40.5)، فيما كان حوالي %28 من الصناديق العامة في أسواق النقد، تليها الأسهم (%25.6)، وصناديق الاستثمار العقاري (%18.7)، والديون (%16)، كما تجذب الاكتتابات العامة الأولية المتزايدة والارتفاع في أداء مؤشر “تداول” لجميع الأسهم صناديق الأسهم، حيث تعد “تداول” أكبر بورصة في دول مجلس التعاون الخليجي والعاشرة على مستوى العالم.

كما ارتفع صافي دخل جميع مؤسسات سوق رأس المال بنسبة %29 على أساس سنوي، ليسجل 1.1 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024م، وفي عام 2023م، بلغت عائدات الصناعة على حقوق الملكية %15 مع نسبة كفاية رأس المال بلغت %28.1، وهي بذلك أعلى بكثير من الحد الأدنى المطلوب البالغ %8.

فيجاي فاليشا

يأتي ذلك في الوقت، الذي بلغت فيه قيمة الأصول المُدارة عالمياً 120 تريليون دولار عام 2023م، وفي منطقة الشرق الأوسط وصلت إلى 2.3 تريليون دولار، مسجلةً معدل نمو بلغ %13، حيث تعد من أسرع القطاعات نموًا، وفقًا لبحث أجرته مجموعة “بوسطن” الاستشارية.

سامرات مالاكار

خطوات رائدة لتعزيز إدارة الأصول

وشهد قطاع الأصول المُدارة في المملكة زخمًا هائلاً خلال الفترة الماضية، ومن بين أهم التطورات، توقيع شركة “بلاك روك” مذكرة تفاهم مع صندوق الاستثمارات العامة، بموجبها ستنشئ الشركة منصة “بلاك روك الرياض لإدارة الاستثمارات”، باستثمارات أولية تصل إلى 5 مليارات دولار، في خطوة أكد مختصون، أنها تهدف إلى دعم الاستثمار المؤسسي الأجنبي في المملكة وتعزيز صناعة إدارة الأصول بشكلٍ أكبر، وتوسيع أسواق رأس المال المحلية مع دفع تنويع المستثمرين عبر فئات الأصول.

كما وقَّع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم مع شركة “بروكفيلد لإدارة الأصول”، بموجبها سيكون الصندوق مستثمر استراتيجي أولي في منصة “بروكفيلد ميدل إيست بارتنرز”، التي تستهدف جمع 2 مليار دولار، لعمليات الاستحواذ وفرص الاستثمار، ومن المقرر تخصيص %50 منها لعمليات الاستثمار في المملكة.

ويلعب صندوق الاستثمارات العامة دورًا رائدًا في تعزيز الخطط الطموحة لتنويع الاقتصاد في المملكة، فضلاً عن قيادة الاقتصادات العالمية وتشكيل مستقبل القطاعات الرئيسة وصناعة إدارة الأصول، فعلى المستوى المحلي، ومنذ عام 2017م، قام الصندوق بإنشاء 94 شركة جديدة، نتج عنها توفير أكثر من 644 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، كما أطلق في أكتوبر 2023م، بوابة “مديري الأصول”، التي تعد منصة رقمية لتعزيز التعاون بين الصندوق ومديري الصناديق، و”برنامج تطوير إدارة المحافظ الاستثمارية”، الذي يعد نموذجًا رائدًا في تطوير إدارة المحافظ وفقًا للمعايير والممارسات الدولية.

وتعمل كذلك هيئة السوق المالية من خلال مبادراتها لزيادة عمق سوق رأس المال بما يتماشى مع برنامج تطوير القطاع المالي، فضلاً عن تسهيل التكنولوجيا المالية من خلال تطوير البنية التحتية اللازمة ودعم رواد الأعمال والشركات الناشئة، وتعد من أهم الخطوات التي اتخذتها المملكة في هذا المجال، هي إقرار قواعد جباية الزكاة من المستثمرين في الصناديق الاستثمارية.

وقال كبير مسؤولي الاستثمار في  شركة “سنشري فاينانشال للخدمات المالية”، “فيجاي فاليشا”، “إنه لسنوات، كان صندوق الاستثمارات العامة محركًا رئيسًا لاقتصاد المملكة، حيث وجه الاستثمارات إلى قطاعات حيوية، ولم تحقق هذه الاستثمارات عوائد مالية فحسب، بل لعبت أيضًا دورًا حيويًا في تطوير المواهب المحلية، وخلق فرص العمل وتعزيز النشاط الاقتصادي عبر القطاعات المهمة”، وأضاف أنه مع مواصلة نمو الإمكانات الاقتصادية للمملكة وتركيز أهداف رؤية 2030م والمشاريع الضخمة، من المرجح أن يواصل صندوق الاستثمارات العامة الاستثمار بكثافة، مشيرًا إلى أن الصندوق حدد أهدافًا طموحة ضمن استراتيجيته، بما في ذلك زيادة إجمالي أصوله المُدارة إلى ما يقرب من 4 تريليونات ريال، مما دفع مساهمة الصندوق والشركات التابعة له في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1.2 تريليون ريال.

مستقبل “واعد” للأصول المُدارة

وثمَّة توقعات دولية بأن يواصل قطاع إدارة الأصول تسجيل مستويات قياسية خلال السنوات المقبلة، تصل قيمته الإجمالية إلى ما يزيد على تريليون دولار على أساس سنوي، خلال الفترة (2025م – 2029م)، مدفوعًا بمجموعة من العوامل المحفزة على مستوى الاقتصاد الكلي، أبرزها الجهود الحكومية الرامية لتعزيز الثقافة المالية واستقرار النظام المالي، ووجود أسواق رأس مال منظمة جيدًا، علاوةً على تَوفر بيئة مواتية لأنشطة إدارة الثروات، كما تشهد السوق اتجاهًا متزايدًا لتبني التكنولوجيا الرقمية، والطلب على خيارات الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، بجانب الجهود المبذولة لجذب الاستثمار الأجنبي، وهي عوامل مجتمعة تشير إلى خلق فرص قوية للمؤسسات العاملة في القطاع.

وتتركز سوق إدارة الأصول بشكل رئيس في أكبر 5 شركات (الأهلي المالية، سامبا كابيتال، الراجحي المالية، جدوى للاستثمار، الإنماء للاستثمار)، والتي تستحوذ على %86 من إجمالي الأصول المُدارة، ومع ذلك، من المتوقع أن يتغير هذا المشهد، خاصة مع مناخ المنافسة المرتقب والمصاحب لدخول كبرى شركات إدارة الأصول الدولية، مما سيسهم في خلق فرص استثمارية هائلة.

ومن المتوقع أن يواصل قطاع إدارة الأصول النمو، خاصة مع جهود الشركات العاملة في توفير حلول استثمارية مبتكرة، ومع تزايد الطلب على الخدمات المالية عالية الجودة، إذ تتمتع شركات إدارة الأصول في المملكة بمكانة جيدة للاستفادة من هذا النمو، ومع الاهتمام المتزايد من جانب المستثمرين المحليين والدوليين، يبدو مستقبل إدارة الأصول في المملكة العربية السعودية واعدًا.

وقد ذكر المدير التنفيذي للعمليات في شركة “إمباكسيس” لإدارة الاستثمار والأصول، “سامرات مالاكار”، أن رؤية 2030م تعد القوة الدافعة للتطور الحاصل في قطاع الخدمات المالية والاستشارية في المملكة، والتي من المتوقع أن تشهد زيادة بنسبة %20 في عدد أصحاب الثروات العالية (30 مليون دولار فأكثر) خلال عام 2025م، فضلاً عن تحقيق معدل نمو سنوي مركب في الثروات الجديدة بنسبة %4.8، لتصل إلى 1.6 تريليون دولار بحلول 2026م، حيث تسهم كل هذه العوامل في مواصلة نمو واستقرار قطاع إدارة الأصول بشكل رئيس خلال السنوات المقبلة، وأضاف أن المملكة تمر بتحولات اقتصادية كبيرة، حيث أدركت الشركات العالمية مثل “بروكفيلد” الفرصة التي تأتي مع وجودها في المملكة، ومع ذلك فإن الشركات العاملة في قطاع إدارة الأصول يتعين عليها أن تتغير بسرعة لجني الثمار، والاستفادة بشكل كبير من الوسائل التكنولوجية، مثل الرقمنة والأتمتة والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.

ويمكن التأكيد على أن المملكة لا تدخر جهدًا في تعزيز مكانتها كوجهة جذابة لرأس المال الأجنبي، في حين يعمل الدعم الحكومي المستمر والموارد المالية الكبيرة على تمهيد الطريق أمام تدفقات متزايدة من المؤسسات المالية الدولية، وهو ما يوفر البيئة الملائمة لتحقيق النمو الاقتصادي على كافة الأصعدة، خاصةً في القطاعات الرائدة، وأبرزها الأصول المُدارة.