يُعد صندوق الاستثمارات العامة، أحد أبرز أدوات المملكة لتحقيق “رؤية 2030″، ومن يتابع تطوراته منذ إعادة هيكلته في عام 2015م لا يسعه إلا أن يقف أمام تجربة استثنائية في عالم صناديق الثروة السيادية. هذا الكيان، الذي لم يعد مجرد أداة استثمارية، بل محركًا فعّالاً للتحول الاقتصادي في المملكة، وقوة صاعدة في الاقتصاد العالمي.
وقد جاء تقرير الصندوق لعام 2024م ليرسّخ هذه الصورة. فقد بلغت أصوله 3.42 تريليونات ريال (913 مليار دولار) بزيادة %19 مقارنة بعام 2023م، وحقق كذلك ما نسبته %7.2 إجمالي عائد للمساهمين على أساس سنوي منذ عام 2017م وزادت إيراداته %25 خلال العام الماضي.
وفي ظاهر الأمر، الأرقام لافتة، لكن الأهم من ذلك هو ما تعكسه من نضج في التوجهات وإدراك لمتغيرات السوق.
وما يثير الاهتمام تحديدًا هو “الواقعية الجديدة” التي بدأت تظهر في تعامل الصندوق مع مشاريعه العملاقة. فقد سجّل الصندوق خفضًا في تقييم بعض أصوله – خصوصًا في مشاريع مثل: “نيوم” – بقيمة 8 مليارات دولار، وهو قرار يُقرأ على أنه نضج مؤسسي ومرونة في التقييم، في ظل اقتصاد عالمي يتغير بوتيرة سريعة.
وفي المقابل، لا يزال الصندوق يتحرك بثقة على الصعيدين المحلي والدولي، وتتنوع استثماراته في مجالات عدة كالتقنية والرياضة – من (Uber) إلى (LIV Golf)، ومن شراكات مع (FIFA) إلى تطوير السياحة الداخلية – ما يكشف عن طموح طويل الأمد لتعزيز مكانة المملكة كمركز استثماري عالمي.
ولكن الأرقام لا تكفي وحدها، فما يستحق الإشادة هو “التحول في المنهجية”. فقد حقق الصندوق تصنيفًا %100 في مؤشر الحوكمة والاستدامة لعام 2025م متصدرًا صناديق الثروة في هذا المجال، كما ارتفعت قيمة علامته التجارية إلى 1.2 مليار دولار، وهي الأعلى عالميًا. هذه النجاحات لا تأتي من فراغ، بل من التزام واضح بالحوكمة، والشفافية، والتفكير الاستراتيجي.
ويعيش اليوم صندوق الاستثمارات لحظة توازن دقيقة بين الحلم الكبير والواقع المتغير. فلم يعد الهدف فقط النمو السريع أو التوسع الضخم، بل بناء نموذج استثماري مستدام، يقود التحول الاقتصادي الوطني دون تجاهل التحديات والحقائق. وإن استمرار الصندوق على هذا النهج المتزن، بلا شك سوف يصبح قصة نجاح تُدرّس في كيفية بناء الصناديق السيادية.