رأي

الفيدرالي الأمريكي يرضخ للضغوطات!

ترقّب محلّلو الأسواق والأوساط المالية والاقتصادية خطاب رئيس الفيدرالي الأمريكي “جيروم باول” في الثاني والعشرين من أغسطس بحرص شديد، لا سيّما في ظل توقعات معظم المراقبين بخفض نسبة الفائدة خلال اجتماع سبتمبر المقبل.

فالمراقبون يدركون على نطاق واسع أن أهمية الخطاب لا تكمن في قرار خفض الفائدة أو الإبقاء عليها، بل في قراءة تبدّل موقف الفيدرالي الأمريكي تجاه محاربة التضخّم.

وقد جاء الخطاب متغافلاً إلى حدٍّ كبير مرحلة “حرب التضخّم”، إذ ركّز “جيروم باول” في كلمته على أرقام الوظائف، بدلاً من التطرّق إلى حالة تضخّم الأسعار الاستهلاكية في الأسواق الأمريكية.

اللافت في الأمر أن الضغوط السياسية الداعية إلى خفض نسب الفائدة في سبتمبر، والتي سبقت الخطاب، صدرت عن أعلى السلطات السياسية، بدءًا بوزير الخزانة الأمريكي، مرورًا بوزير التجارة، وصولاً إلى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

ويبقى التساؤل: هل كانت النبرة التي استخدمها “جيروم باول” في خطاب جاكسون هول، والتي لمّحت إلى خفض محتمل للفائدة، انعكاسًا لانصياعه للضغط السياسي من الإدارة الأمريكية؟ خصوصًا في ظل تكرار رغبة هذه الإدارة في الاستغناء عن خدمات رئيس الفيدرالي في حال لم يتخذ قرارًا بخفض الفائدة.

الإجابة، على ما يبدو، جاءت من خلال أسواق السندات؛ حيث ارتفعت أسعار السندات، وانخفضت عوائدها بشكل ملحوظ، في إشارة إلى تفضيل الحلول المؤقتة لتحسين أداء الأسواق، على حساب الإصلاحات البنيوية طويلة الأجل لهيكلية أسواق المال.

تبدو البوصلة المالية والاقتصادية الأمريكية، بوضوح، مختلفة بين طرفين: الفيدرالي، الذي يركّز على بيانات سوق العمل، والوظائف، والإنتاجية في القطاعين الخدمي والتصنيعي، فضلاً عن قدرته على تسويق وبيع سندات الخزانة لتمويل الاقتصاد؛ وبين الإدارة الأمريكية، المكوّنة من تكنوقراطيين ورجال أعمال، الذين ينصبّ تركيزهم على الحلول المؤقتة لتحفيز الأسواق والمؤشرات.

هذا الاختلاف الجوهري في التوجّهات يعطي مؤشرًا واضحًا إلى أن ترميم الخلل في الدين العام، وخفض التضخم، وبناء اقتصاد قائم على الإنتاجية الخدمية والتصنيعية، لم يعد من أولويات صانعي القرار، وأن الهدف الراهن يتمثّل في تحفيز الأسواق، مهما كلّف الأمر.