هل تساءلت يومًا كيف ستصبح كرة القدم السعودية من الناحيتين الاقتصادية والتسويقية بعد خمس سنوات؟ أو قبل ذلك أو بعده بقليل؟
لقد بدأت ملامح “نضج” المشروع الرياضي السعودي كما رسمته رؤية 2030، أقول بدأت ولا تزال الطريق طويلة نسبيًا لكن الرابحون أكثرهم المبادرون والمبكرون الذين يشترون اليوم أندية صغيرة أو متوسطة لها ميزات نسبية من حيث موقعها في أي مدينة قد تكون لها خصائص تناسب أو تتقاطع مع أنشطة معينة لرجل أعمال أو شركة، أو من حيث عدد وطبيعة جمهورها الذين سيكن ولاء خاصًا للعلامة التجارية التي سترتبط ذهنيًا وتاريخيًا بالنادي.
أحسب أن كثيرًا من الشركات ورجال وسيدات الأعمال يفكرون اليوم فيما تشهده المملكة من تحول رياضي لا يقتصر على دعم الأندية أو تحسين البنية التحتية، بل تجاوزه إلى إعادة صياغة مفهوم النادي نفسه بوصفه كيانًا اقتصاديًا اجتماعيًا، ورافدًا من روافد التنمية والاستثمار عبر مشروع التخصيص الذي يحمل رؤية استراتيجية لإعادة تموضع الأندية داخل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، بما يجعلها أكثر كفاءة في إدارتها، واستدامة في تمويلها، ووضوحًا في مسؤوليتها تجاه مجتمعها وجمهورها.
يضرب المراقبون المثل دائمًا بكرة القدم الأوروبية التي أصبحت أربعة أو خمسة منها قوة ناعمة عالمية، ورافعة تسويقية مهمة لعديد من الشركات والماركات والتي أصبح بعض أنديتها يقيم بمليارات الدولارات، وما فيها من قصص أندية صغيرة، أو كانت صغيرة، ثم استعان من استثمر فيها بمستشار عمليات الاندماج والاستحواذ المحترف الذي مكَّن المستثمرين فيها من النجاح وتحقيق مكاسب مذهلة.
لقد اجتمعت في النجاحات الأوروبية الكروية الموهبة، وشغف الجماهير، وكثرة الأندية، والأموال الكبيرة التي تم استثمارها بشكل صحيح لتحقيق أرباح ليس فقط من الرعاية وحقوق البث، بل الأهم النجاح في تسويق شعار النادي وجعله شريكًا للنجاح في تسويق شعارات شركات أعلنت على القميص بجوار هذا الشعار.
لقد كان الاستغلال التجاري لكرة القدم في أوروبا ناجحًا في العقود الماضية، ويعتقد الخبراء والمراقبون أن فتح البث الرقمي لجماهير جديدة ومصادر إيرادات جديدة، واستغلال الإعلام الاجتماعي ومنصاته وبعض التطبيقات الأخرى سيمهد الطريق نحو تحطيم مزيد من الأرقام القياسية في السنوات القادمة.
ستسير بعض الأندية السعودية على هذه الخطى، يبدو ذلك واضحًا وجليًا، وستجني مع الوقت مئات الملايين كل عام من الرعاية والترويج والشراكات مع الشركات الكبرى الحريصة على الارتباط بشعارات هذه الأندية، فضلاً عن مكافآت تحقيق البطولات، وعوائد إعادة بيع اللاعبين وغيرها، وسيصبحون باختصار علامات تجارية سعودية جديدة يتم تصديرها خارج الحدود، وستصبح من رموز اللعبة على مستوى العالم.
ستنجح بعض الأندية المتوسطة والصغيرة مع التخصيص، ستنجح على أرض الملعب، وخارجه بارتباطها بعلاقات تجارية وتسويقية ذكية توصلها مع الزمن إلى النجومية العالمية، ومن خلال التصاعد في المستوى، واستقطاب اللاعبين النجوم، والمشاركة الإقليمية والدولية، وبناء اتصالات رقمية صحيحة ومهنية مع المشجعين عبر الحدود، ستشق أندية كرة القدم السعودية طريقها لتصبح من العلامات التجارية الرياضية القيمة في هذا المجال.
المعادلة باتت اليوم واضحة، استثمارات كبيرة، وتسويق ذكي، وتركيز على بناء قاعدة جماهيرية، وأُضيف من عندي “نسيان الماضي” بتصنيفاته غير التجارية أو الاقتصادية، والتركيز على المستقبل، وبهذه المعادلة سنرى أسماءً جديدة لم نكن نعتقد يومًا أننا سنراها رافدًا استثماريًا واقتصاديًا.
يبقى السؤال للشركات ورجال الأعمال: ترى، أي الأندية السعودية ستشتري؟