منذ قرون سحيقة قبل الميلاد، اهتم الإنسان بإنشاء “نظام عملي” يهدف لإدارة الحياة العامة في جانبها المتعلق بالمعيشة والتجارة، مكونات هذا النظام ومسماه تغيرت مع تقدم الزمن عطفًا على طبيعة الحياة ومدى تعقيدها حتى وصلنا إلى ما نطلق عليه حاليًا بالنظام الاقتصادي والمالي، القاسم المشترك لهذه الأنظمة هو اعتمادها على “وسيط” متفق عليه بوقتها يمثل “معيارًا للقيمة” يتم من خلاله تقييم الأشياء -سلعًا أو ممتلكات أو خدمات-.
بدأت العملية بمقايضة شيء مع مختلف أو شيء مقابل عمل (مقايضة سلعة بأخرى أو مقابل جهد)، ومع زيادة تطور الآليات والعلوم والتركيز على التعدين أنصب الاهتمام نحو المعادن النفيسة المكتشفة بوقتها كالذهب والفضة، ولما لهما من ميزات فريدة كالندرة وسهولة التقسيم الوزني والنقل إضافة إلى الثقة والاستقرار موازنة بالسلع الأخرى.
ومثّل امتلاكهم رمز للقوة والسلطة، واقترن ذكرهما في الشرائع السماوية كأثمان وأدوات للمعاملات وللزينة، فقد استخدما لقرون عديدة كعملات نقدية ومخزن للقيمة.
وتاريخيًا في مصر القديمة (3000) ق.م، استخدم الذهب كوحدة حسابية، وفي القرن (7) ق.م، في عهد الملك كرويسوس ملك ليديا (تركيا) تم سك أول عملات ذهبية وفضية بطريقة رسمية، وفي اليونان القديمة كانت الدراخما الفضية العملة الرئيسة، وفي الإمبراطورية الرومانية سكّت الدنانير الذهبية والسسترتيوس الفضي، وفي العصور الوسطى تراجع استخدام العملات قليلاً مع انتشار المقايضة، ثم عادت بقوة مع سك الفلورين في فلورنسا والدوقية في البندقية وكلاهما من الذهب عيار 24 قيراطًا.
وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام وفي صدره استخدم الدينار البيزنطي “ذهب” والدرهم الساساني “فضة”، وفي عهد الخليفة عبدالملك بن مروان سكّت أول عملة إسلامية خالصة الدينار الذهبي والدرهم الفضي وبعدها أصبحت العملات الإسلامية تتداول بشكل عالمي.
أما في العصر الحديث فقد استخدم الذهب والفضة كأساس للأنظمة النقدية (معيار الذهب)، قبل أن تحل العملات الورقية محلها تدريجيًا، حيث تم إلغاء اتفاقية بريتون وودز عام 1971م والتي كان بموجبها الدولار الأمريكي مرتبطًا بالذهب (أونصة الذهب قيمت بـ 35 دولارًا) مما أنهى نظام أسعار الصرف الثابتة للعملات مقابل الدولار! وأصبح الأخير بعدها “كورقة” يمثل معيارًا للقيمة ووسيطًا لصرف العملات حول العالم دون أي غطاء ملموس سوى “القوة” التي تتعهد ببقائه مهيمنًا رغم تأكل قيمته الشرائية -بصورة مخيفة-!
المفارقة رغم فك ارتباط الدولار بالذهب إلا أن الأخير ما زال يمثل للعالم مخزنًا للقيمة عالي الأهمية وأداة استثمارية ويُعد من أهم احتياطيات البنوك المركزية (الاحتياطي الأمريكي يتصدر العالم بمخزونه من الذهب (8133.5) طنًا، هذا المعلن والمخفي أعظم).
بل إن حروبًا قد شنت ضد بلدان تحت مسميات مختلفة إلا أن من أوائل ما يتم وضع اليد عليه في تلك البلدان هو مخزونها الذهبي (ومناجمها)!، وتمت محاربة دول بطريقة غير مباشرة بالعمد إلى تخفيض سعر الذهب في السوق للتأثير في قيمة مخزونها منه! وبطريقة مباشرة حينما لوحت أحدها باستخدام الذهب كعملة تداول.
حينما تُقبل موجة التصحيح الاقتصادي في العالم أو مرحلة التحول المالي المُخطط، سيظهر وقتها أهمية الرجوع إلى المعايير الأصيلة لتحديد القيمة في الدورة القادمة.
وقفات:
- النقد الورقي انخفضت قيمته الشرائية أضعاف على خلاف الذهب.
- الدول الحصيفة تُزيد مخزونها من الذهب بطريقة استراتيجية وسرية (شراء واستثمار في المناجم) ولا تنطلي عليها ألاعيب السوق وأسعاره.
- بورصات عديدة للذهب يتم المضاربة فيها على السعر لا على الذهب نفسه!