الاقتصاد الوطني الملف

الاقتصاد الوطني.. عَقْدٌ من التحوُّلات

صندوق النقد الدولي: معدلات النمو بالمملكة سترتفع إلى %3.5 عام 2025م و%3.9 عام2026م.

على الرغم من أن البنك الدولي أبقى توقعه لمعدل النمو في المملكة عند %2.8 عام 2025م، إلا أنه رفع من توقعاته لمعدل النمو في عام 2026م إلى %4.5.

النمو غير النفطي ستكون معدلاته حوالي %4 بحلول عام 2027م، نتيجة استمرار المشروعات والاستعداد لاستضافة أحداث دولية كبرى.

وفقًا لتوقعات وتقديرات المؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية، فإن معدلات النمو الاقتصادي بالمملكة، ستتراوح بين %3 و%5 سنويًا بحلول عام 2030م.

 

على مدار العقد الماضي، شهد الاقتصاد الوطني سلسلة من التحولات الجوهرية والتطورات المتلاحقة التي شملت معظم القطاعات الاقتصادية، وأسفرت عن تحقيق معدلات نمو متوازنة ومتصاعدة. وقد تعززت هذه المؤشرات الإيجابية في ظل التوجه الاستراتيجي للمملكة لتنفيذ رؤية 2030، مما دفع المؤسسات الدولية إلى مراجعة توقعاتها لصالحه، وسط مؤشرات قوية على استمرار وتيرة النمو خلال السنوات القادمة.

وفي هذا السياق، قام صندوق النقد الدولي في يونيو من العام الحالي برفع توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الوطني لعام 2025م، إلى %3.5، مقارنةً بتوقعاته السابقة البالغة %3. كما توقع الصندوق أن يصل معدل النمو في عام 2026م، إلى %3.9، استنادًا إلى عدة عوامل، من أبرزها المرونة والتوسع في الأنشطة غير النفطية، وتخفيف قيود إنتاج النفط ضمن إطار تحالف “أوبك بلص”، واستمرار العمل على تنفيذ مشروعات رؤية 2030، إلى جانب تعزيز قطاع الائتمان، واحتواء معدلات التضخم، وانخفاض البطالة.

وعلى الرغم من أن البنك الدولي أبقى توقعاته لنمو الاقتصاد الوطني عند %2.8 لعام 2025م، إلا أنه رفع تقديراته لعام 2026م، إلى %4.5، في مؤشر آخر على الثقة الدولية في قدرة المملكة على الحفاظ على زخم النمو خلال السنوات المقبلة.

توقعات رسمية لمعدلات النمو

وقد توقعت وزارة المالية أن يحقق الاقتصاد الوطني نموًا بنسبة %4.6 خلال عام 2025م، وأن تصل النسبة إلى %3.5 في عام 2026م، مع تقديرات بارتفاع معدل النمو إلى %4.7 في عام 2027م، مدعومًا بتوسع الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، وزيادة جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية.

وواصل الاقتصاد الوطني أداءه القوي، محققًا نموًا ربع سنويًا للربع الرابع على التوالي، وذلك في الربع الأول من عام 2025م، مدفوعًا بارتفاع ملحوظ في النشاط غير النفطي، وتوسع القطاعات الصناعية والخدمية، وتعافي الطلب المحلي.

وبحسب الهيئة العامة للإحصاء، سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة نموًا بنسبة %3.4 خلال الربع الأول من عام 2025م، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، وهو ما يعد نموًا قويًا رغم انخفاضه عن معدل %4.4 المسجل في الربع الرابع من عام 2024م، وقد دعم هذا النمو الأداء الإيجابي للقطاع غير النفطي، الذي نما بنسبة %4.9.

الطلب المحلي.. رافعة النمو الاقتصادي

تبرز عوامل محفزة لمعدلات النمو المرتفعة في المملكة، ويأتي في مقدمتها – بحسب صندوق النقد الدولي – قوة واستمرار الطلب المحلي، والذي تحركه بدرجة كبيرة المشروعات الحكومية الكبرى، خاصةً تلك المرتبطة بالرؤية، والتي يتم تمويلها من خلال مزيج من الاستثمارات الحكومية والخاصة.

ويُعد الطلب المحلي بمثابة أحد المحركات الأساسية للنمو في أي اقتصاد، لتأثره بعناصر متعددة، مثل الإنفاق الاستهلاكي، والإنفاق الحكومي، وحجم الاستثمارات في مختلف القطاعات. ويمثل الإنفاق الاستهلاكي حوالي %30 إلى %40 من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعله عنصرًا حاسمًا في دفع عجلة النمو.

مراحل تنفيذ أكواريبيا “متنزّّه ألعاب مائية” في مدينة القدية

ومن الطبيعي أن يؤدي ارتفاع الطلب على السلع والخدمات إلى تحفيز الإنتاج في مختلف القطاعات، بما في ذلك قطاعات التجزئة والعقارات والصناعة. كما أن الإنفاق الحكومي المتزايد في المملكة يشكل دعامة رئيسة للنمو، خاصةً عبر تمويل مشاريع البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والمبادرات الوطنية.

علاوة على ذلك، فإن الطلب العالمي المتزايد على النفط ينعكس إيجابًا على الإيرادات الحكومية، وهو ما يمكّن المملكة من تعزيز الإنفاق التنموي. كما أن التوجه التدريجي لتحالف “أوبك بلص” نحو التخفيف من قيود خفض إنتاج النفط يسهم هو الآخر في دعم النمو المتوقع.

ولا يقف الأمر عند النفط فقط، إذ تعمل المملكة على تنمية الطلب على صادراتها غير النفطية، مثل: البتروكيماويات والمنتجات الصناعية، الأمر الذي يعزز من الناتج المحلي، ويدفع نحو تنويع اقتصادي فعّال، ويضمن نموًا مستدامًا للقطاعات غير النفطية.

ويُظهر ذلك أن الطلب، سواء كان محليًا أو خارجيًا، يُعد عنصرًا مركزيًا في تحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة الإنتاج، وتحقيق عوائد أعلى للدولة، كما يسهم في دعم تنفيذ مشروعات التنمية الوطنية الطموحة، التي تمثل العمود الفقري لرؤية 2030.

افتتاح منتجع “نجومه ريتز-كارلتون ريزيرف” في البحر الأحمر

النفط.. المكوّن الأكبر للناتج المحلي

لا تزال الصناعة النفطية في المملكة تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، إذ تسهم بنحو %40 من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل من أسعار وإنتاج النفط عاملاً ذا تأثير مباشر وكبير على معدلات النمو في المملكة.

ويُشير صندوق النقد الدولي إلى أن أي ارتفاع في أسعار أو إنتاج النفط من شأنه أن يؤدي إلى تسريع وتيرة النمو، نظرًا لما يوفّره من إيرادات إضافية تعزز القدرة الحكومية على الإنفاق والاستثمار في المشاريع الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، في عام 2021م، ومع تجاوز أسعار النفط مستوى 70 دولارًا للبرميل، سجل الاقتصاد الوطني نموًا قدره %3.2، مدفوعًا بزيادة عائدات النفط. أما في عام 2020م، فقد تسببت جائحة كورونا في تراجع الطلب العالمي، وانخفاض حاد في أسعار النفط، ما أدى إلى تراجع كبير في إيرادات الدولة وتقلص معدلات النمو.

وفي عام 2022م، بلغ إسهام القطاع النفطي نحو %30 من الناتج المحلي الإجمالي، واستفاد من الاستثمارات المستمرة في تطوير البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك مشاريع النفط الخام، والغاز، والتكرير، والحفر، في إطار خطط طويلة الأجل لتأمين مكانة المملكة في سوق الطاقة العالمي.

وتدرك المملكة أهمية تنويع مصادر دخلها، لكن في الوقت نفسه، فإنها تواصل استثمار قوتها في مجال الطاقة لتعظيم العوائد المالية، واستخدام تلك الموارد في تمويل التحول الاقتصادي الكبير الجاري ضمن رؤية 2030.

دفع متصاعد للقطاعات غير النفطية

من الأهداف المركزية للرؤية هو تقليل الاعتماد على العائدات النفطية، وتوسيع قاعدة الاقتصاد عبر تنمية قطاعات متنوعة، مثل: الصناعة، السياحة، التقنية، والخدمات. وتُظهر بيانات صندوق النقد، عقب بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2025م، أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي سيحقق نموًا بنسبة %3.4 في عام 2025م، مقارنة بـ %4.2 في عام 2024م.

ويُتوقع أن تتراوح معدلات النمو غير النفطي حول %4 بحلول عام 2027م، مدعومة بمواصلة تنفيذ المشروعات الكبرى، واستعداد المملكة لاستضافة أحداث دولية مهمة، إلى جانب التطور المتسارع في البنية التحتية والسياحة والتقنيات الحديثة، على أن تستقر هذه المعدلات حول %3.5 بحلول عام 2030م.

وقد أسهمت عوامل عديدة في تعزيز هذا النمو غير النفطي، أبرزها تحفيز الاستهلاك المحلي، وزيادة الاستثمارات الخاصة، ونمو قطاعات، مثل: الضيافة والبناء والتجارة. فعلى سبيل المثال، شهدت الصناعات التحويلية تطورًا ملحوظًا، إلى جانب توسع في إنتاج البتروكيماويات، والصناعات الدفاعية، والتكنولوجيا الرقمية.

كما أن القطاع السياحي بات يشكل عنصرًا متسارعًا في منظومة الاقتصاد الوطني، حيث تشير التقديرات إلى أن مشاريعه الكبرى مثل “البحر الأحمر” و”نيوم” ستؤدي إلى رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي إلى %10 بحلول عام 2030م.

مشروع المسار الرياضي

التحول الرقمي والاستثمارات الأجنبية

لقد أسهم التوسع في الاقتصاد الرقمي في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني، إذ سجل القطاع التقني نموًا بنسبة %8.7 خلال عام 2022م، مدفوعًا بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية الرقمية، وتطوير حلول الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الابتكار في القطاعين العام والخاص.

ويُعدُّ هذا النمو نتيجة مباشرة لجهود المملكة في تنفيذ مبادرات التحول الرقمي، التي تهدف إلى تمكين الاقتصاد من الاعتماد على المعرفة والتقنيات الحديثة، بما يسهم في زيادة الإنتاجية وتحفيز القطاعات الخدمية، والتعليم، والتجارة، والصحة.

وفي قطاع التجزئة والخدمات، حقق الاقتصاد نموًا ملحوظًا بنسبة %6.1 في عام 2021م، مدفوعًا بالإنفاق الاستهلاكي وتوسع التجارة الإلكترونية، وقد واصل هذا القطاع أداءه القوي ليسجل نموًا بنسبة %8.4 في الربع الأول من عام 2025م، ما يؤكد الديناميكية المتنامية في النشاط التجاري المحلي.

أما على صعيد الزراعة، فلا تزال مساهمة هذا القطاع محدودة نسبيًا، إلا أنه يؤدي دورًا مهمًا في دعم الأمن الغذائي للمملكة، خاصة مع التركيز المتزايد على تطوير الزراعة المستدامة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، والاستفادة من التقنيات الحديثة في الزراعة الذكية.

من جانب آخر، من المتوقع أن تشهد مشاريع الطاقة المتجددة، مثل مشروع “نيوم” للطاقة الشمسية ومشاريع الطاقة النظيفة الأخرى، مساهمة متزايدة في نمو الاقتصاد غير النفطي، في ظل التوجه الواضح للمملكة لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة المستدامة.

وقد أسهمت زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في القطاعات غير التقليدية، في تسريع وتيرة النمو، حيث تم فتح عديد من القطاعات أمام المستثمرين الدوليين، ضمن إطار تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات الاستثمارية.

وبهذا، بات من الواضح أن القطاع غير النفطي لم يعد هامشيًا في الاقتصاد الوطني، بل أصبح شريكًا حقيقيًا في تحقيق النمو المستدام، مستفيدًا من السياسات الاقتصادية الرشيدة، والحوافز الحكومية، والرؤية الاستراتيجية التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل.

الإصلاحات التنظيمية وتعزيز بيئة الأعمال

أظهر الاقتصاد السعودي قدرة كبيرة على الصمود والمرونة في مواجهة الصدمات الخارجية المتكررة، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى الإجراءات الحكومية المستمرة التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة المالية، وتحسين قدرة الاقتصاد على التكيف مع التغيرات، ودعم ثقة المستثمرين.

لقد أطلقت المملكة سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي شملت تحسين بيئة الأعمال، وتحديث نظم الحوكمة، وتطوير أسواق العمل ورأس المال. وعلى سبيل المثال، شهد عام 2025م، دخول نظام الاستثمار المحدث، وتعديلات قانون العمل، ونظام التسجيل التجاري الجديد حيز التنفيذ، مما عزز شفافية وفاعلية القطاع الخاص.

كما لعب البنك المركزي السعودي “ساما” دورًا جوهريًا في إدارة السيولة النقدية، وتعزيز الأطر التنظيمية والرقابية، مما أسهم في تعزيز استقرار القطاع المالي ودعم النمو الاقتصادي.

هذه الإصلاحات لا تقتصر على تحسين البنية التحتية القانونية والتنظيمية فحسب، بل تؤسس لبيئة محفزة للابتكار والإنتاجية، من خلال تشجيع ريادة الأعمال، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتسهيل إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد من الركائز الأساسية لتنويع الاقتصاد.

وبفضل هذه الإجراءات، ارتفعت ثقة المستثمرين في السوق السعودية، كما شهدت أسواق المال نشاطًا متزايدًا، وتوسعت فرص التمويل والائتمان، مما أسهم في تسريع النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف رؤية 2030 الطموحة.

التوسعة السعودية الثالثة للمسجد الحرام

تراجع البطالة ودوره في النمو الاقتصادي

حرصت المملكة على مواجهة تحديات البطالة كجزء أساسي من استراتيجياتها لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. إذ غالبًا ما يرتبط نمو الاقتصاد بانخفاض معدلات البطالة، حيث يسهم خلق فرص عمل جديدة في زيادة الإنتاجية وتحفيز الاستهلاك.

فارتفاع معدلات البطالة يعني وجود قطاع كبير من القوى العاملة غير مستغل، ما يمثل خسارة في الموارد البشرية والقدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني. هذا يؤثر سلبًا على حجم الناتج المحلي الإجمالي، كما يحد من الطلب على السلع والخدمات، مما يضعف النمو الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك، تسبب البطالة المرتفعة زيادة في الإنفاق الحكومي على برامج الدعم والإعانات، ما يزيد من الأعباء المالية على الميزانية العامة، ويحد من الموارد المتاحة للاستثمار في مشروعات التنمية.

على مدى العقد الماضي، شهدت معدلات البطالة تقلبات واضحة. ففي عام 2014م و2015م، تراوحت نسب البطالة حول %11. لكن مع انخفاض أسعار النفط في عام 2016م ارتفعت إلى %12.7. وجاءت جائحة كورونا في عام 2020م، لتزيد هذه النسبة إلى %14.9 نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي.

ومع بداية التعافي الاقتصادي، بدأت معدلات البطالة في الانخفاض تدريجيًا، حيث وصلت إلى %12.6 في عام 2021م، ثم إلى %11.1 في عام 2022م. وفي عام 2023م بدعم الاستثمارات الضخمة في مشروعات البنية التحتية مثل نيوم وتحسن أسعار النفط عالميًا، انخفضت البطالة إلى %9.7، وتواصلت التراجعات لتصل إلى %8.5 في عام 2024م.

هذا الانخفاض في معدلات البطالة كان له تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد السعودي، إذ زاد الدخل الفردي، مما رفع مستوى الاستهلاك المحلي، وبالتالي دعم النمو الاقتصادي. ففي عام 2023م، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي %3.6، مدفوعًا جزئيًا بزيادة الاستهلاك.

بالإضافة إلى ذلك، ساعد انخفاض البطالة على تعزيز ثقة المستثمرين، مما رفع الاستثمارات المحلية والأجنبية. فقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة %6.2 في عام 2023م، كما أن نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة بلغ 5%، مساهمًا في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة، لا سيما للشباب.

إن توفير فرص عمل للشباب السعوديين، ودعم رواد الأعمال، يندرج ضمن أولويات رؤية 2030 وهو أمر ضروري لاستدامة النمو ورفع كفاءة الاقتصاد الوطني.

مشروع ملعب أرامكو

التضخم واستقراره ودوره في دعم النمو

تُعدُّ معدلات التضخم من العوامل الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على أداء الاقتصاد السعودي، إذ أن استقرار الأسعار يخلق بيئة مناسبة للنمو والاستثمار. في السنوات الأخيرة، نجحت المملكة في الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة ومتوازنة، مما ساعد في تحقيق استقرار نسبي لتكاليف الإنتاج والاستهلاك، وهو ما انعكس إيجابًا على القطاعات النفطية وغير النفطية على حد سواء.

وفقًا لتقارير “جدوى للاستثمار”، من المتوقع أن يشهد التضخم في المملكة زيادة طفيفة في النصف الثاني من عام 2025م، حيث يُقدر أن يرتفع متوسط التضخم إلى حوالي %2.4، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى ارتفاع معتدل في أسعار الأغذية، وهو اتجاه يتماشى مع الظواهر العالمية الراهنة. كما تشير التوقعات إلى أن معدلات التضخم ستصل إلى %2.3 خلال عام 2025م، وتستقر عند %2.1 في 2026م.

يُذكر أن معدلات التضخم شهدت تباينًا خلال العقد الماضي، فبينما كانت عند حوالي %1.2 في عام 2015م، ارتفعت إلى %3.5 في عام 2020م، وهي أعلى معدلات خلال تلك الفترة، نتيجة جائحة كورونا التي أثرت على سلاسل التوريد وأسعار السلع الأساسية. إلا أن معدلات التضخم بدأت تتراجع مجددًا، لتصل إلى %1.7 في عام 2024م.

كما شهدت المملكة فترات انكماش في الأسعار خلال عامي 2017 م و2019م، بسبب انخفاض أسعار النفط وتأثيرات السياسات الاقتصادية المختلفة، مثل فرض ضريبة القيمة المضافة، وتباطؤ الطلب العالمي. وعلى الرغم من ذلك، حافظ معدل التضخم المتوسط على استقراره عند حوالي %1.8 سنويًا خلال العقد الماضي.

إن الحفاظ على معدل تضخم منخفض ومستقر، يتراوح بين 1 و%3، هو أمر حيوي لتعزيز بيئة الاستثمار وتحفيز الاستهلاك، إذ يمنح المستهلكين ثقة أكبر في القوة الشرائية، ويقلل من الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة، مما يدعم النمو الاقتصادي المستدام.

الحروب التجارية وتأثيرها المحدود

شهد العالم خلال السنة الحالية تصاعدًا في الحروب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، التي تخللت فرض تعريفات جمركية وقيود تجارية وحواجز اقتصادية متعددة. هذه الحروب أثرت بشكل واضح على الاقتصاد العالمي، لكنها كان لها تأثير محدود نسبيًا على معدلات النمو الاقتصادي في السعودية. يعود ذلك لعدة أسباب رئيسة ترتبط بخصوصية هيكل الاقتصاد السعودي وتركيز صادراته.

أول هذه الأسباب، أن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل أساسي على صادرات النفط، وهي منتجات معفاة من التعريفات الجمركية في الأسواق الكبرى، مثل الولايات المتحدة. وفقًا لإحصاءات عام 2024م، تشكل المنتجات النفطية حوالي %78 من إجمالي صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة، بينما لا تمثل الصادرات غير النفطية سوى حوالي %3.4 من إجمالي الصادرات غير النفطية إلى السوق الأمريكية. وبذلك، يكون الاقتصاد السعودي أقل عرضة لتأثيرات الرسوم الجمركية مقارنةً بدول تعتمد على صادرات صناعية أو زراعية.

وعلى الرغم من تأثير الحروب التجارية على بعض الصناعات غير النفطية، فإن المملكة قامت بتهيئة بيئة اقتصادية متنوعة قادرة على امتصاص مثل هذه الصدمات. تتركز الجهود السعودية في تطوير مشروعات تنموية ضخمة تنوّع الاقتصاد وتعزز من استدامته، كما أن العلاقات الإقليمية والدولية القوية للمملكة تسهم في الحد من تأثير النزاعات التجارية العالمية على اقتصادها.

في الواقع، يمكن القول إن الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مثلاً، أدت إلى بعض الآثار الإيجابية على الاقتصاد السعودي. إذ أدت المخاوف الناتجة عن هذه النزاعات إلى ارتفاع أسعار النفط بسبب قلق الأسواق من انقطاع الإمدادات أو انخفاض الإنتاج العالمي. هذا الارتفاع في أسعار النفط أعطى دفعة قوية للإيرادات الحكومية في السعودية، مما ساعد في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الميزانية العامة.

 

النمو الاقتصادي: آفاق وتوقعات

لا شك أن معدلات النمو الاقتصادي في السعودية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنجاح رؤية 2030، التي تسعى إلى تحقيق تحول جذري في هيكل الاقتصاد الوطني وتنويعه بعيدًا عن الاعتماد الكبير على النفط. وفي هذا السياق، تشير توقعات المؤسسات الدولية إلى أن الاقتصاد السعودي سيشهد معدلات نمو إيجابية ومستدامة حتى عام 2030م.

يتوقع البنك الدولي أن يتراوح معدل النمو الاقتصادي في المملكة بين %3 و%4.5 سنويًا حتى حلول عام 2030م، مع استمرار تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى وتحسين مناخ الاستثمار. من جهته، يشير صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد السعودي سيحقق نموًا متوسطًا يتراوح بين %3.5 و%4.0 سنويًا، بشرط مواصلة المملكة جهود التحول الاقتصادي وتحفيز قطاعات التوظيف والتكنولوجيا.

أما البنك المركزي الأوروبي فيتوقع تسارعًا في نمو الاقتصاد السعودي ليصل إلى ما بين %3 و%3.5 سنويًا بحلول 2030م، في حال استمر الطلب العالمي على النفط في الارتفاع وتحسنت الصادرات غير النفطية. وعلى الصعيد الإقليمي، يؤكد مجلس التعاون الخليجي على أن السعودية ستظل قائدة للنمو الاقتصادي في المنطقة، بدعم من مشروعات ضخمة مثل نيوم والقدية ومشروع البحر الأحمر، مع توقع بلوغ معدلات النمو حوالي %4 سنويًا.

من ناحية أخرى، يوضح البنك الإسلامي للتنمية أن النمو في السعودية مدعوم بتوسيع القطاعات غير النفطية، والتي من المتوقع أن تحقق معدلات نمو بين %3.5 و%4 سنويًا في الفترة القادمة. أما الهيئة العامة للإحصاء السعودية فتتوقع نموًا متوسطًا يقارب %4 سنويًا حتى عام 2030م، مدفوعًا باستمرار تنفيذ المشروعات الكبرى وتحقيق تحول رقمي في مختلف القطاعات الاقتصادية.

وتشير تقديرات الهيئة العامة للاستثمار إلى أن نمو القطاعات غير النفطية قد يصل إلى %5 سنويًا، وذلك بفضل الفرص الاستثمارية الواعدة في مجالات التكنولوجيا والسياحة، والتي تحظى بدعم متزايد من الدولة ضمن استراتيجيات رؤية 2030.