رأي

درسان للشركات والأفراد

في الخطاب الملكي السنوي في مجلس الشورى، الذي ألقاه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان، في العاشر من سبتمبر الماضي، وكان الحديث عن الجانب الاقتصادي مهمًا ومبهجًا في الوقت نفسه؛ حيث التأكيد على عدم الاعتماد على مصدر متذبذب للإيرادات، واستعراض أهم نتائج التركيز على التنويع الاقتصادي.
التنويع أوصلنا كما قال سموه إلى “أن الاقتصاد السعودي يمضي في تنويع مساراته، وتأكيد قدرته في تقليص الاعتماد على النفط، وللمرة الأولى في تاريخنا حققت الأنشطة غير النفطية %56 من الناتج المحلي الإجمالي، الذي تجاوز 4.5 تريليون ريال، وكل ذلك وغيره من المنجزات جعلت المملكة مركزًا عالميًا يستقطب مختلف النشاطات، ولعل اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرًا إقليميًا لها، وهو أكثر مما كان مستهدفًا لعام 2030م، يُجسد ما تحقق في البنية التحتية ومستوى الخدمات التقنية، مما يؤكد متانة الاقتصاد السعودي وآفاقه المستقبلية الرحبة”.
هذه بعض النتائج لرؤية 2030، وقد لفتني في ثنايا الخطاب الأخرى ما يمكنني تسميته دروسًا مهمة من تجربة الأداء الحكومي، خاصة وإننا بعد عشر سنوات تقريبًا من إطلاق الرؤية، نرى القطاع العام يعمل بوتيرة تفوقت في بعض التفاصيل على القطاع الخاص، فعند حديث سموه عن المرحلة السابقة أكد قدرة القطاع العام والخاص على مواجهة التحديات والتأقلم السريع مع تغير الظروف، وأن الأداء الحكومي كان له دور بارز في امتصاص الصدمات الاقتصادية ومرونة ومراجعة مسار برامج وتحويرها ومكوناتها لتكون أكثر مناعة ضد أي تقلبات دون تعطيل متطلبات التنمية.
وفي رأيي هذا درس مهم لأننا نرى كثيرًا من الشركات والمجموعات الاقتصادية تتلاشى، أو تخرج من المنافسة وتصبح أقل حضورًا نتيجة عدم تأقلمها مع المتغيرات، أو حتى تباطؤها في إحداث التغيير اللازم، مما يجعل تأثير التغييرات والصدمات عليها كبيرًا ومؤلمًا، أو يجعلها تصل إلى مرحلة يصعب معها التعافي ويصبح أداؤها يسير في خط أفقي يميل مع الوقت إلى النزول.
الشركات التي تأخرت في مواكبة الثورة الرقمية، أو تحسين تجربة العميل، أو تطوير منتجها وخدمتها لتلائم التغيرات الاجتماعية والطبيعة الديموغرافية، وتلك التي تفرط في المواهب السعودية، أو تحاول الالتفاف على الأنظمة الجديدة، أو أي من الأسباب التي تشبه ذلك تبدأ الدخول في نفق النسيان، أو الانزلاق إلى منحدر الخسائر ومن ثم التلاشي.
الدرس الثاني في رأيي هو قول سموه الكريم: “إن المصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذي نتوخاه من تلك البرامج والمستهدفات، ونحن عازمون – بحول الله وقوته – على تحقيقها وإكمالها، إلا أننا نؤكد أيضًا أننا لن نتردد في إلغاء أو إجراء أي تعديل جذري لأي برامج أو مستهدفات تبين لنا أن المصلحة العامة تقتضي ذلك”.
بعض الشركات عندما تضع خطة أو تعيد الهيكلة، أو تتوسع في مجالها أو في مجالات جديدة، ولا ترى النتائج المستهدفة تتحقق لا تتوقف وتنظر بتمعن للبحث عن مكمن الخطأ، أي إنها بعكس الأداء الذي تميزت به رؤية 2030 تتردد في ” إلغاء أو إجراء أي تعديل لاي برامج أو مستهدفات” اتضح من التجربة أنها لا تحقق مصلحتها أو مصالح شركاءها وعملاءها أو حتى موظفيها.
الدرسان مهمان للشركات والأفراد والعبرة منهما هي أن الوقت جزء من رأس المال، وهو جزء مهم في دورة حياة الشركات، وفي حياة الإنسان بالطبع، وهو العامل الأهم في “سرعة التأقلم” وفي تعديل الأهداف، لأنه ببساطه عندما يمضي لا يعود، وإذا مضى بخسائر فإن متوسط العوائد سيتأثر بالتأكيد.