يهدف برنامج تطوير القطاع المالي إلى رفع القيمة السوقية للأسهم إلى %80.8 من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة أصول البنوك إلى 3.5 تريليون ريال.
توقعات بأن يصل حجم إصدارات الصكوك العالمية ما بين 190 – 200 مليار دولار نهاية العام الجاري، مع طرح نحو 80 مليار دولار من إصدارات العملات الأجنبية.
خلال الآونة الأخيرة، شهدت سوق السندات والصكوك في المملكة نموًا متواصلاً، مدفوعًا بالإجراءات التنظيمية وثقة المستثمرين في قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، حيث تتصدر باقي دول مجلس التعاون الخليجي في إصدارها، وسط توقعات بالريادة الإقليمية والخليجية خلال السنوات المقبلة.
وقد استطاع المركز الوطني لإدارة الدين جمع 5.3 مليار ريال، من خلال إصدار صكوك مقومة بالعملة المحلية شهر أغسطس 2025م، بزيادة قدرها %5.8 مقارنةً بالشهر السابق، كما بلغت الإصدارات 2.35 مليار ريال و4.1 مليار ريال في يونيو ومايو 2025م، على التوالي، في خطوة تعكس الجهود المتواصلة لتعزيز سوق الدين وتنويع مصادر التمويل.
وأشار تقرير لشركة “إس آند بي جلوبال” الأمريكية المتخصصة في التحليلات المالية والمصرفية، إلى إصدار البنوك صكوكًا بقيمة بلغت 9.5 مليار دولار منذ بداية العام الجاري وحتى 27 أغسطس 2025م، بمعدل نمو بلغ %79، مقارنةً بالفترة نفسها من العام 2024م، منها 4.2 مليار دولار من صكوك الشريحة الأولى، بمعدل نمو هائل بلغ %110 مقارنةً بعام 2024م.

الريادة الإقليمية.. بالأرقام
كما كشف تقرير للمركز المالي الكويتي “المركز”، أن المملكة تصدّرت سوق الدين الرئيس في منطقة الخليج في النصف الأول من عام 2025م، بحصة بلغت %52.1 من إجمالي إصدارات دول مجلس التعاون الخليجي، وتمكنت من جمع 47.9 مليار دولار من خلال 71 صفقة سندات وصكوك، وأيضًا سلَّطت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني الضوء على دور المملكة في قيادة التمويل الإسلامي، متوقعةً بأن يصل حجم إصدارات الصكوك العالمية إلى ما بين 190 – 200 مليار دولار نهاية العام الجاري، مع طرح ما يصل إلى 80 مليار دولار من إصدارات العملات الأجنبية.
وذكر المستشار المالي والمصرفي، “طلعت حافظ”، أن القطاع المالي في المملكة يعزز زخم رؤية 2030، رغم التقلبات الاقتصادية العالمية، مشيرًا إلى النمو المتزايد في الودائع لأجل وشهادات الإدخار، والذي يعكس الوعي المتزايد بأهمية الادخار والاستثمار لتأمين الاحتياجات المالية المستقبلية، حيث تلعب البنوك، بتوجيه من البنك المركزي، دورًا محوريًا في تعزيز هذا التوجه، بدعم من مبادرة أطلقتها وزارة المالية والمركز الوطني لإدارة الدين، العام الماضي، بطرح منتج “صح للصكوك الحكومية والمخصص للأفراد”، بهدف مساعدة المواطنين على بناء خطط مالية مستدامة مع تعميق الشراكات مع القطاع الخاص.

استراتيجية تعزيز الاستدامة المالية
ومن جانبه أشاد خبير واستشاري الأعمال، “سودهانشو سينغ”، باستراتيجية المملكة الخاصة بتعزيز الاستدامة المالية، وتحسين خدمة الدين العام، وتعميق سوق الدين المحلي (الصكوك والسندات)، بما يتماشى مع رؤية 2030، وبرنامج تطوير القطاع المالي، الذي يهدف إلى تنويع الاقتصاد وتوسيع الأصول والأدوات المالية، مشيرًا إلى أن متوسط تكلفة الدين في المملكة يبلغ %3.6، وهو من بين أدنى المعدلات في الأسواق الناشئة، ويدعم هذا المستوى المنخفض من المخاطر استراتيجية تمويل متنوعة، والالتزام بمعايير الاستقرار المالي الدولية، وتعميق البنية التحتية لسوق رأس المال المحلية.
وأضاف أن إصدار الصكوك يساعد في تحقيق هدف المملكة المتمثل في زيادة حصة أدوات الدين في الناتج المحلي الإجمالي إلى %24.1 بنهاية عام 2025م، ارتفاعًا من %15.6 في عام 2019م، كما يهدف برنامج تطوير القطاع المالي إلى رفع القيمة السوقية للأسهم إلى %80.8 من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة أصول البنوك إلى 3.5 تريليون ريال، مدعومًا بسيولة السوق، واستقرار الاقتصاد الكلي، واستمرار الثقة في الإدارة المالية.
وقال “سينغ” إن المملكة لا تزال من أبرز الدول المُصدرة في سوق الصكوك العالمية إلى جانب ماليزيا وإندونيسيا، لافتًا إلى ارتفاع إصدار الصكوك بالعملات الأجنبية بنسبة %29 على أساس سنوي في عام 2024م، ليصل إلى 72.7 مليار دولار، وبلغ إجمالي إصدارات الصكوك العالمية في العام نفسه ما قيمته 193.4 مليار دولار، موضحًا أن استراتيجية المملكة لإصدار الصكوك لا تقتصر على جمع الأموال محليًا، بل تشمل أيضًا الصكوك الخضراء والمرتبطة بالاستدامة، بما يعمل على مواءمة الأدوات المالية مع الأهداف البيئية والاجتماعية، ويعكس انخراط المملكة النشط في هذا المجال التزامها طويل الأمد بالتنويع الاقتصادي والاستثمار المسؤول.

قدرة على المرونة والتكيف
ورغم التوترات الجيوسياسية المتزايدة، فإن سوق الدين في دول مجلس التعاون الخليجي عامة وفي المملكة على وجه الخصوص، أظهرت قدرة على المرونة والتكيف، فعلى سبيل المثال، يبلغ إجمالي سوق الدين في المملكة 480 مليار ريال حاليًا، مع توقعات بوصوله إلى 500 مليار ريال، وفقاً للرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، “بشار الناطور”، أن المملكة تواصل إصدار الصكوك بالعملة المحلية، بهدف تحفيز مشاركة القطاع المصرفي بأكمله في شراء الدين.
وثمة توقعات بأن تتصدر المملكة دول مجلس التعاون الخليجي من حيث استحقاقات السندات على مدى السنوات الخمس المقبلة، حيث من المتوقع أن تستحق سندات بقيمة 168 مليار دولار تقريبًا بين عامي 2025 و2029م، مما يُبرز الدور المتنامي للمملكة في مشهد الدين في المنطقة.

جهة إصدار سندات سيادية موثوقة
ومع استمرار حذر المستثمرين العالميين بشأن ديون الاقتصادات الناشئة، تُعتبر المملكة وجهة استثمارية مستقرة وجذابة بشكل متزايد، إذ تنبع هذه الثقة من أساسها المالي القوي وخططها الطموحة للتحول الاقتصادي، فبحسب رئيسة استراتيجيات وأبحاث الاستثمار في ستيت ستريت جلوبال أدفايزرز، “كارين خير الله”، أنه في حين أن عددًا من الدول يعاني من ارتفاع الديون وارتفاع تكاليف الخدمة، تحافظ المملكة على نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبيًا وأقل بكثير من المعدلات العالمية، وأضافت أن الانضباط المالي يُمكَّن المملكة من أن تكون جهة إصدار سندات سيادية موثوقة في الأسواق الناشئة، متوقعةً بأن تشهد المملكة نموًا اقتصاديًا مطردًا في السنوات القادمة، مدفوعًا بالإصلاحات الهيكلية والاستثمارات الضخمة في القطاع غير النفطي، لافتةً إلى أنه لتمويل مشاريع كبرى مثل “نيوم”، قامت كل من الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة بتوسيع إصدارات السندات والصكوك، بما في ذلك التمويل الأخضر، وقد أدى ذلك إلى منحنى عائد أكثر نضجًا وتحسين اكتشاف الأسعار عبر آجال الاستحقاق.

سوق ديون أكثر قوة واستدامة
ويعد إدراج السندات السعودية المقومة بالدولار في مؤشر “جي بي مورغان” للأسواق الناشئة في عام 2019م، بمثابة “نقطة تحول”، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين العالميين، حيث ساعدت هذه الخطوة في تمهيد الطريق لسوق ديون أكثر قوة واستدامة، كما تستفيد السندات من تصنيفات ائتمانية قوية، وهو ما يعكس المتانة المالية للمملكة وفعالية إصلاحاتها، وشددت “خير الله”، على أن الحفاظ على سلامة المالية العامة يعتمد على استمرار التنويع الاقتصادي ونمو الإيرادات غير النفطية، كما يتطلب الحفاظ على تصنيفات ائتمانية عالية انضباطًا ماليًا مستمرًا وتطبيقًا ناجحًا للإصلاحات.
وقال محلل الائتمان في وكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيف الائتماني، “تيموشين إنجين”، “يستمر تطور الأسواق المالية في المملكة بشكل عام في التسارع بفضل استثمارات رؤية 2030 واسعة النطاق، والإصلاحات التنظيمية، ومبادرات جذب التمويل الخارجي، والاستثمارات في البنية التحتية لأسواق رأس المال على مدى العقد الماضي”، وأضاف أن نمو الأسواق سيساعد الشركات على تنويع قواعد تمويلها وتأمين رأس مال طويل الأجل.

سندات خضراء مقومة باليورو
وفي خطوةٍ تمثل علامة فارقة في سوق السندات في منطقة الشرق الأوسط، قامت المملكة بإصدار أول سندات خضراء مقومة باليورو، حيث تستخدم عائدات هذه السندات في تمويل مشاريع ضمن الإطار العام للتمويل الأخضر، مما يُعزز انتقالها إلى اقتصاد أكثر استدامة، إذ حظيت هذه السندات التي تبلغ مدتها سبع سنوات، باهتمامٍ كبيرٍ من المستثمرين، حيث تجاوزت قيمة طلبات الاكتتاب 6.5 مليار يورو، مما يعكس الاهتمام المالي القوي بمشاريع التحول في المملكة، كما ارتفع عائد السندات بنحو 125 نقطة أساس، مما يُبرز الثقة في الجدارة الائتمانية للمملكة وآفاقها الاقتصادية، بالإضافة إلى الأهمية المتزايدة للأسواق الناشئة، وخاصةً تلك الموجودة في منطقة الخليج.
وأشار الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ساكسو بنك، “داميان هيتشن”، إلى الأهمية الاستراتيجية للسندات الخضراء، معتبرًا أنها بمثابة أداة مالية بالغة الأهمية لتعزيز رؤية 2030، لاسيما في تعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة وخفض انبعاثات الكربون، مؤكدًا أن التزام المملكة بهذه السندات قد يُشكل سابقة إقليمية. وأوضح “هيتشن”، أن السندات الخضراء تسهم في تحقيق الاستقرار والمرونة الاقتصادية على المدى الطويل من خلال تمويل القطاعات غير النفطية، التي تلعب دورًا محوريًا في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة، حيث تمول مشاريع مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لمساعدة المملكة على تحقيق ما يصل إلى 130 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م، لافتًا إلى أنه من أهم الإنجازات في هذا الإطار، تمويل محطة الهيدروجين الأخضر في نيوم بقيمة 8 مليارات دولار، وهو أكبر مشروع من نوعه في الشرق الأوسط.
ويمكن التأكيد على أنه مع الإصلاحات الاستراتيجية المتواصلة، وتزايد اهتمام المستثمرين، والهيئات التنظيمية التي تقوم بخطوات استباقية، فإن سوق الصكوك والسندات في المملكة مهيأة لتحقيق معدلات نمو قوية خلال السنوات المقبلة، مما يضع المملكة كلاعب رئيسٍ في أسواق رأس المال الإقليمية والعالمية.
