تحليل

أسعار الذهب والفضة تسرق الأضواء!

من المعروف تاريخيًا أن الذهب يتأثر بقوة بقيمة الدولار، والذي لطالما كان اللاعب الرئيسي في تحركات أسعار الذهب، وبالتالي من الطبيعي مراقبة قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن السياسة النقدية، بالإضافة إلى تصريحات رئيسه “جيروم بأول”.

الفيدرالي بدون شك، يعتبر المعني الأول في معرفة سلوك العملة الأولى عالميًا، فمثلاً أي تصريحات أو تلميحات بشأن تخفيضات مستقبلية بشأن سعر الفائدة، مع رسم خريطة طريق واضحة لذلك، يؤدي إلى تراجعات على الدولار. وهنا من الطبيعي أن يستفيد الذهب وينتعش على الأقل على المدى المتوسط، كما حصل منذ العام الماضي عندما حصل نوع من الاستدارة في السياسة النقدية، والتوقعات الكبيرة نحو مرحلة من تخفيض في سعر الفائدة على الدولار.

وبذلك يكون الفيدرالي الأمريكي وبسبب التحول في سياسته النقدية وعبر تأثيره على معدل سعر صرف الدولار، يكون قد لعب الدور الأكبر في الصعود الكبير الذي حققه سعر الذهب، وكان مسؤولاً عن معظم النسبة الكبيرة من الارتفاعات التي تحققت، وهذا العامل ساهم أيضًا في بناء الاتجاه الصاعد لأسعار الذهب، على مدى شهور عديدة وليس فقط ارتفاعات قصيرة أو ارتفاعات مبنية على ردة فعل على قرارات ينتهي مفعولها بعد جلسات قليلة.

بالإضافة إلى ذلك، وصول معدل صرف الدولار في فترة سابقة من هذا العام، إلى أقل مستوى له في 3 سنوات، دعم بقوة أسعار الذهب والتي هي معظم الأوقات في علاقة عكسية مع سعر الدولار، رغم إننا شاهدنا في فترة سابقة صعود لأسعار الذهب مع الدولار سويًا.

أعود إلى العلاقة العكسية للدولار والذهب. ومن الطبيعي أن تتفاعل وتلمع أسعار الذهب بقوة كردة فعل على تراجعات الدولار، لأن الذهب في النهاية، مثله مثل أي سلعة يباع بالدولار، وبالتالي يصبح هناك طلب عالي عليه عند حصول ذلك.

البنوك المركزية في السنوات الأخيرة دخلت موجة شراء كبيرة على المعدن الأصفر، وتصدرت الصين وروسيا العناوين بشراء كميات كبيرة من الأطنان، بالإضافة إلى دول أخرى، ولكن الصين التي لديها قدرة كبيرة في شراء ما تشاء من أطنان، بالإضافة إلى ذلك، الصين هي أكبر منتج للذهب في العالم، وثاني أكبر منتج للفضة بعد المكسيك.

وللشهر الـ 11 على التوالي استمر التنين الصيني بزيادة احتياطه من الذهب وأصبح عند 74 مليون أونصة حسب بيانات شهر سبتمبر، وتحتل المركز السادس في ترتيب الدول التي تمتلك أكبر احتياطي من الذهب، وطبعًا باستطاعة الصين مع احتياطي العملات الضخم التي تملكه، والذي يصل إلى أكثر من 3.4 تريليون دولار، أن تشتري بسهولة ما تشاء من المعروض، وتتصدر الترتيب الذي على رأسه الولايات المتحدة مع 8133 طن، والذي لم يتغير منذ عقود، ويبدو أن أمريكا غير مهتمة بزيادة هذا الاحتياط أو حتى بيعه عند مستويات عالية. ولكن عند استعراض الدول التي تملك احتياطيات ضخمة من العملات نجد اليابان في المرتبة الثانية مع احتياطي يبلغ 1.23 تريليون دولار، ولكن في المقابل احتياطي متواضع جدًا من الذهب يبلغ حوالي 846 طن، وفي المرتبة التاسعة عالميًا، وعلى ما يبدو أن اليابان ليست على عجل في زيادة هذا الاحتياط، والذي يشكل فقط حوالي %6 من الاحتياط النقدي التي تملكه.

التوترات الجيوسياسية والتجارية دخلت على الخط في الأشهر الأخيرة، وساهمت أيضًا في دعم أسعار الذهب في اتجاهه الصاعد، فمثلاً حرب الرسوم التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى وعلى رأسها الصين، زادت بقوة من حالة عدم اليقين، وأوجدت مخاوف بشأن عودة معدلات التضخم إلى الارتفاع، بالإضافة إلى ذلك أتى الإغلاق الحكومي الأمريكي، والذي أضاف المزيد من عدم اليقين.

ويأتي تضخم الدين العام الأمريكي والذي لامس مستويات 38 تريليون دولار، في شهر أكتوبر وبدأ يقلق الأسواق والمراقبين، حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع هذا الدين، والذي زاد 2.2 تريليون دولار عن شهر أكتوبر من عام 2024م بمعدل زيادة يومية تبلغ 6 مليارات دولار، وإذا استعرضنا رحلة الدين العام الأمريكي، خلال 100 سنة، نجد أن الدين كان عند 380 مليار دولار في عام 1925م إلى 38 تريليون دولار هذا العام، ولاحظوا هنا تشابه الأرقام مع رقم 38.

هذه المخاوف من سرعة تضخم الدين العام الأمريكي بشكل خاص، وأيضًا بالنسبة إلى الدين العام العالمي، كل ذلك ساهم أيضًا في دعم ارتفاعات المعدن الأصفر.

في النهاية يجب أن نعرج أيضًا على الفضة، التي بدأت تسرق الأضواء وتنافس المعدن الأصفر، بعد الرالي الكبير التي سجلته، خصوصًا أنها تأخرت في بداية الارتفاعات التي حصلت على الذهب، وشاهدنا اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا بحركة الأسعار، وبدأت تتصدر أحيانًا العناوين، وطبعًا لا يجب أن نغفل الفرق بين حجم سوق الفضة وسوق الذهب، ودور البنوك المركزية التي تخزن الذهب بشكل أساسي، ولكن التألق الذي حصل في أسعار الفضة بعد تحطيم الرقم القياسي السابق عند حوالي 50 دولارًا، ولو أتى متأخرًا، أعاد بالذاكرة حركة الثمانينيات للفضة عندما سجلت في بداية عام 1980م إلى هذه الأرقام، وأيضًا إلى عام 2011م عندما وصلت تحديدًا إلى مستويات 49.75 دولار تحديدًا.