التدوير كرييتڤ

الروبوتات تحوُّل النفايات إلى أصول!

السوق العالمية لفرز النفايات الروبوتي ستنمو من 2.8 مليار دولار في عام2025 إلى 6.7 مليار دولار بحلول عام 2030م.

62 مليار دولار خسائر عالمية جراء عدم إعادة تدوير النفايات الإلكترونية سنويًا و%87 يذهب إلى المكبات.

 

لم يكن أحد ليتخيل قبل سنوات أن تصبح إعادة التدوير ميدانًا تتفوق فيه الآلات على البشر، ولكننا اليوم نعيش هذه الحقيقة؛ ففي أحد المصانع الحديثة على أطراف مدينة أوروبية، يتحرك روبوت ذكي بين أكوام من النفايات الإلكترونية بدقة مذهلة، يميز المعادن الثمينة من خلال لونها، ويتعرف على البلاستيك وفقًا لملمسه، ثم يفرزها بسرعة تتجاوز قدرات الإنسان بكثير.

ففي “عصر الروبوتات”، تغيرت المعادلة، وتقدمت التكنولوجيا الصفوف، حتى في القطاعات التي طالما اعتمدت على المهارات البشرية، وعلى رأسها إدارة النفايات، إذ تبرز أزمة النفايات كأحد أكبر التحديات البيئية، فنحو ملياري طن متري من النفايات تُنتج سنويًا عالميًا، يُعاد تدوير %19 فقط منها، فيما ينتهي المطاف بـ %37 في المكبات، مخلفةً أضرارًا بيئية وصحية جسيمة، إلا أن ثورة تقنية صامتة بدأت تعيد رسم المشهد بالكامل.

ثورة تقنية في قلب النفايات

شهدت السنوات الأخيرة تحولات جوهرية في قطاع إدارة النفايات، مدفوعة بالتقدم في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، فقد أصبحت منشآت التدوير تعتمد على تقنيات متقدمة تشمل أنظمة استشعار بالأشعة تحت الحمراء، وكاميرات عالية الدقة، وتحليلات تنبؤية، ما مكن الروبوتات من أداء مهام معقدة بدقة تصل إلى %99، والتمييز بين أكثر من 500 نوع من المواد. وتُشير التقديرات إلى أن السوق العالمية لفرز النفايات الروبوتي ستنمو من 2.8 مليار دولار في عام 2025م، إلى 6.7 مليار دولار بحلول عام 2030م، وذلك بفضل الدعم الحكومي، والاستثمارات المتزايدة، والوعي البيئي المتصاعد.

ابتكارات عالمية تتحدى التحديات

ففي الاتحاد الأوروبي، يطور مشروع “ريكون سايكل”، الروبوتات والذكاء الاصطناعي لمعالجة تعقيدات إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، نظرًا لاختلاف حالات التلف وتنوع نماذج الأجهزة المستخدمة، ويوضح منسق المشروع، “أليش أودي”، قائلاً: “يُعالج نهج إعادة التهيئة الذاتية في المشروع هذه التعقيدات من خلال دمج الأجهزة المعيارية والبرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتقنيات المعالجة التكيفية”.

وفي الولايات المتحدة، أبرمت شركة “جلاسير”، الناشئة في مجال تكنولوجيا إعادة التدوير، اتفاقية تعاون مع شركة “وست كونكشنز”، لاختبار ونشر أنظمة فرز للنفايات قائمة على الذكاء الاصطناعي في منشأة بولاية بنسلفانيا، في خطوة تهدف إلى أتمتة أكبر لقطاع استعادة الموارد وزيادة الكفاءة وتحسين جودة المواد القابلة لإعادة التدوير.

ووفقًا لشركة “جلاسير”، يمكن للروبوتات العمل جنبًا إلى جنب مع الكوادر البشرية لمعالجة كميات كبيرة من النفايات مع تقليل مستويات التلوث، حيث يهدف المشروع إلى توفير رؤى عملية حول كيفية دمج الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مرافق استعادة المواد الحالية، ويعكس هذا التعاون توجه أوسع نحو استخدام الأدوات الرقمية والروبوتات لتحديث البنية التحتية لإعادة التدوير في الولايات المتحدة.

ثروات ضائعة وأدوات ذكية لاستعادتها

أعلنت شركة “أمازون” عن نجاحها في دمج الروبوتات في نظامها لإعادة تدوير الإلكترونيات المستعملة من شبكة مراكز البيانات الضخمة البالغة 120 مركزًا حول العالم، حيث تعاونت مع شركة “مولج”، الناشئة في مجال الروبوتات، ضمن محاولاتها لخفض بصمتها الكربونية، وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد.

ويصل إجمالي الخسائر السنوية جراء عدم تدوير النفايات الإلكترونية إلى 62 مليار دولار في مختلف دول العالم، بالنظر إلى إعادة تدوير %22 منها فقط.

وذكرت الناشطة الأمريكية في مجال البيئة والاستدامة، “رينيه تشو”، أن الروبوتات المُجهزة بكاميرات وأجهزة استشعار عالية السرعة، بالإضافة إلى قدرات التعلم الآلي، تستطيع فرز النفايات بشكل أسرع وأرخص بكثير من البشر، فعادةً ما يفرز البشر من 50 إلى 80 قطعة في الساعة، بينما يستطيع روبوت الذكاء الاصطناعي فرز ما يصل إلى 1000 قطعة في الساعة بدقة أكبر، علاوةً على ذلك، لا تعتذر الروبوتات عن مرضها أو تحتاج إلى إجازات؛ إذ يمكنها العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مع تدخل بشري ضئيل، مما يزيد ساعات العمل بنسبة %50.

وأوضحت أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على التعامل مع جميع أنواع النفايات، بما في ذلك النفايات المنزلية، والنفايات الطبية والبيولوجية الخطرة، والنفايات الإلكترونية والبطاريات، بالإضافة إلى الخردة ونفايات التعدين، مشيرةً إلى أن الخوارزميات لا يقتصر دورها على تحديد المواد من خلال الوسائل البصرية فحسب، بل تشمل أيضًا تحليل تركيبها الكيميائي، فضلاً عن تحديد العلامة التجارية على أي منتج، وفرز الإلكترونيات والبلاستيك التي يصعب إعادة تدويرها، ويمكنها تحديد المعادن الثمينة في النفايات الإلكترونية من خلال شكلها ولونها وموادها، وهو ما يصعب على البشر القيام به، لاسيما وأن هذه النفايات عادةً ما تكون مزيجًا معقدًا من مجموعة من العناصر.

المملكة نحو طموح رقمي لتدوير مستدام

وعلى المستوى الإقليمي، يُتوقع أن ينمو سوق روبوتات إعادة التدوير في دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل %18.7 سنويًا حتى عام 2032م، لترتفع القيمة من 378 مليون دولار في عام 2024م، إلى 1.5 مليار دولار، وتعد المملكة في طليعة هذا التحول، بفضل سياسات حكومية طموحة تهدف لتحويل النفايات إلى فرص اقتصادية.

ووفقًا لشركة أبحاث السوق “موردور إنتجلينس”، تنتج المملكة أكثر من 110 ملايين طن من النفايات سنويًا، تتركز في مدن الرياض وجدة والدمام، ومن المتوقع نمو القيمة السوقية لقطاع إدارة النفايات من حوالي 6 مليارات دولار بنهاية العام الجاري، إلى 8.7 مليار دولار بحلول عام 2030م.

ويؤكد رئيس جمعية البحث العلمي والابتكار، “عبدالله العقيل”، أن البحث العلمي يُعد دافعًا رئيسًا في مواجهة التحديات البيئية في المملكة، بدءًا من إعادة التدوير وتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، وصولاً إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الفرز والجمع، مما يُعزز في نهاية المطاف الكفاءة التشغيلية ويُقلّل من الضرر البيئي، مشيرًا إلى أن الجمعية توفر حاضنات أعمال ومسرّعات ابتكار، مُقدمة الدعم الفني والمالي، كما تُسهّل التواصل بين الباحثين والجهات المانحة والمستثمرين للمساعدة في تحويل الأفكار إلى حلول جاهزة للتسويق.

 

توجه شامل نحو الروبوتات في المملكة

وتشهد المملكة طفرة في استخدام الروبوتات عبر قطاعات عدة، من الرعاية الصحية إلى الصناعة، مرورًا بإدارة النفايات، وتُضخ استثمارات كبيرة لتطوير هذه التطبيقات، بما يُعزز الإنتاجية ويحسن العمليات التشغيلية، ويؤسس لريادة سعودية في الاقتصاد الأخضر.

ويرى خبراء أن الروبوتات لا تُهدد الوظائف، بل تخلق فرصًا جديدة في مجالات البرمجة والصيانة وتحليل البيانات، وتُكمل قدرات البشر في بيئة عمل متكاملة.

 

واقع متغير وتحديات قائمة

مع التوسع في الأتمتة، تبرز تحديات مثل التكلفة العالية للروبوتات، وتعقيد أنظمة الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن الحاجة إلى تدريب الكوادر البشرية للتعامل مع هذه التقنيات. كذلك، تؤدي زيادة استخدام الروبوتات إلى ارتفاع النفايات الإلكترونية عالميًا بنسبة تصل إلى %12 بحلول عام 2030م، أي نحو 2.5 مليون طن متري إضافي سنويًا.

ورغم هذه التحديات، فإن روبوتات إعادة التدوير لم تعد حلمًا مستقبليًا، بل واقعًا يعيد تشكيل صناعة إدارة النفايات، فهي تُقلل الهدر، وتزيد من استرجاع الموارد، وتوفر بيانات آنية دقيقة، وتُوسع من نطاق العمليات لمواكبة الطلب العالمي المتنامي على المواد المُعاد تدويرها، فهي ليست مجرد آلات، بل أدوات لصياغة مستقبل أكثر استدامة، تفتح أبوابًا واسعة أمام الاستثمارات والفرص، وتضع المملكة والعالم على مسار جديد من النمو الأخضر والتحول الرقمي.

فرصة استراتيجية للمستثمرين

وبذلك يُشكّل الاستثمار في روبوتات إعادة التدوير فرصة استراتيجية للمستثمرين الذين يتطلعون إلى دخول سوقٍ واعد يجمع بين العوائد المالية والبعد البيئي، فمع التوسع العالمي في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وتوقعات نمو سوق أنظمة فرز النفايات الروبوتية إلى 6.7 مليار دولار بحلول عام 2030م، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز %18، ويعكس اتجاهًا تصاعديًا في الطلب على حلول ذكية لمعالجة النفايات بكفاءة، ما يعني أن الدخول المبكر في هذا القطاع قد يتيح للمستثمرين تحقيق عوائد رأسمالية قوية ومستمرة.

إضافة إلى ذلك، يُعد القطاع مدعومًا بتحولات تشريعية وتنظيمية تعزز الاقتصاد الدائري وتمنح الأفضلية للشركات التي تقدم حلولاً مبتكرة في إدارة النفايات، كما تسهم الكفاءة التشغيلية العالية التي توفرها الروبوتات—من خلال تقليل التكاليف البشرية، وزيادة سرعة ودقة الفرز، وتقليل نسب التلوث—في تحسين هوامش الربح على المدى الطويل، كل ذلك يجعل من روبوتات التدوير خيارًا استثماريًا جذابًا، لاسيما لأولئك الذين يسعون للجمع بين النمو المالي والمسؤولية البيئية.