الاستثمار تقرير

الاستثمار الأجنبي.. الشرقية تتصدر

977 مليار ريال رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2024م والمنطقة الشرقية تتصدر بنسبة %39.

203 مشروعًا أجنبيًا جديدًا في المملكة خلال النصف الأول من عام 2025م، باستثمارات 9.3 مليار دولار.

 

اختار رائد أعمال شاب من إحدى دول الخليج، يحمل طموحًا كبيرًا لتوسيع شركته الناشئة خارج حدود بلاده، المملكة العربية السعودية لتكون وجهةً لتطلعاته، وتحديدًا المنطقة الشرقية، التي تُعد قلب الاقتصاد الوطني ومركزًا للنشاط التجاري والصناعي في المملكة.

ولم يكن رائد الأعمال هذا استثنائيًا في خياره؛ فقد سبقه آلاف المستثمرين الأجانب الذين وجدوا في المملكة في ظل رؤيتها الطموحة بيئة استثمارية واعدة، تجمع بين الاستقرار والتنظيم، والانفتاح على الأسواق العالمية، رغم التحديات الجيوسياسية وتقلبات الاقتصاد العالمي.

فإن هذه القصة ليست مجرد مثال عابر، بل هي صورة واقعية لما تحقق على أرض المملكة منذ إطلاق رؤية 2030، التي حولت المملكة إلى وجهة استثمارية عالمية جاذبة، خصوصًا في ظل الظروف الجيوسياسية المتشابكة التي عصفت بكثير من الاقتصادات العالمية، فما هي أسرار هذا النجاح الاقتصادي؟ وكيف نجحت المملكة في جذب هذه الكميات الهائلة من الاستثمارات الأجنبية التي تعيد رسم خارطة الاستثمارات العالمية؟

أرقام تدل على نجاح ملموس

على مدار السنوات الماضية، أثبتت المملكة أنها ليست مجرد دولة نفطية تعتمد على ثرواتها الطبيعية فحسب، بل باتت من أبرز الدول التي تتبنى استراتيجيات تنموية جادة ومتقدمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ما يعكس توجهًا واضحًا نحو اقتصاد متنوع مستدام قائم على المعرفة والتقنية والتطوير العمراني.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة بلغت نحو 977 مليار ريال بنهاية عام 2024م، مقارنةً بـ 897 مليار ريال في العام السابق، بمعدل نمو سنوي يقارب %9، أما تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين عامي 2022م، ومايو 2025م، فقد ارتفعت بنسبة %60، في حين ارتفعت استثمارات المملكة الخارجية بنسبة %46، وهو مؤشر قوي على تحسن العلاقة بين المملكة ورأس المال العالمي.

ولا يقتصر النجاح على جذب الشركات الأجنبية فحسب، بل يتجلى أيضًا في تنوع المشاريع الاستثمارية، حيث استقطبت المملكة نحو 203 مشروعًا استثماريًا جديدًا بقيمة 9.3 مليار دولار في النصف الأول من عام 2025م بزيادة %1.7 عن الفترة نفسها من العام السابق، وتتصدر الرياض هذه المشهد بـ 100 مشروع وبقيمة 2.3 مليار دولار، تليها الدمام بـ 21 مشروعًا بقيمة 1.3 مليار دولار، ثم جدة بـ 13 مشروعًا بقيمة 1.2 مليار دولار.

أنجليكا شيمب

ومن بين القطاعات الواعدة، يتصدر قطاع الاتصالات بوجود 11 مشروعًا بقيمة 1.9 مليار دولار، يليه قطاع العقارات بـ 9 مشاريع بقيمة 1.8 مليار دولار، مما يؤكد التنوع والعمق في الاستثمارات الأجنبية.

وقد أشادت رئيسة مركز الأعمال السويسري في الشرق الأوسط، “أنجليكا شيمب”، بالتطورات والخطوات الجادة التي تتخذها المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وقالت: “تشهد دول الشرق الأوسط وخاصةً المملكة تغيرات سريعة للغاية، وهذا أمر يجب على الشركات مراعاته، إذ يخلق هذا فرصًا، فعلى سبيل المثال، تتطور القوانين واللوائح بسرعة، أحيانًا تستيقظ في الصباح لتجد شيئًا ما قد تغير، لذا، كشركة، عليك أن تكون قادرًا على التعايش مع هذه الديناميكية”.

52 ألف شركة أجنبية مسجلة في المملكة

وقبل نحو تسع سنوات، وحين إطلاق رؤية 2030، كان عدد الشركات الأجنبية المُسجلة في المملكة 5 آلاف شركة فقط، لكن عددها بلغ العام الجاري 52 ألف شركة، بمُعدل يُقدر بنحو 5700 شركة، نجحت المملكة في استقطابها سنويًا، بإجمالي استثمارات مستهدفة تُقدر بقيمة 500 مليار ريال، خلال السنوات الخمس المقبلة.

وحددت رؤية 2030، الوصول بعدد المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية إلى 500 مقر، لكنها حاليًا وقبل 5 سنوات على تحقيق المستهدفات، وصل عدد هذه المقرات إلى 660 مقرًا، ومن المستهدف أن يصل إلى 1000 مقر.

الشرقية محور استراتيجي في الاقتصاد الوطني

وتشكل المنطقة الشرقية محورًا استراتيجيًا حيويًا في الاقتصاد الوطني، بفضل موقعها الجغرافي الذي يربط المملكة بالأسواق الإقليمية والعالمية، واحتضانها لأكبر الموانئ والمرافق اللوجستية، بالإضافة إلى توفر موارد طبيعية غنية، هذه العوامل جعلت منها الخيار الأول للمستثمرين الأجانب الراغبين في توسيع أعمالهم ضمن بيئة مستقرة ومزدهرة.

فقد تصدرت المنطقة الشرقية هذا المشهد بجدارة، إذ أصبحت واجهة استثمارية عالمية متميزة، وقوة استثمارية لا تُضاهى، متصدرةً قائمة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمليارات الريالات، فبحسب البيانات الرسمية، استحوذت المنطقة الشرقية على %39 من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، أي ما يعادل 382.1 مليار ريال بنهاية عام 2024م متجاوزة بذلك العاصمة الرياض التي حلت في المرتبة الثانية بنسبة %34 من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يؤكد هذا التفوق الواضح مكانة المنطقة كمركز استثماري وجاذب رئيس للأموال الأجنبية، بفضل مقوماتها الاقتصادية الفريدة وبيئتها الاستثمارية الداعمة.

عوامل النجاح في جذب الاستثمارات

ويعود النجاح الكبير الذي حققته المنطقة الشرقية في جذب الاستثمارات إلى مجموعة من العوامل الحيوية، تبدأ بموقعها الجغرافي الاستراتيجي على الخليج العربي، حيث تضم ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، أحد أكبر الموانئ في المنطقة، الذي يشكل نقطة وصل مهمة بين الأسواق العالمية والمحلية، كما تلعب البنية التحتية المتطورة دورًا بارزًا، إذ تضم المنطقة الشرقية شبكات متقدمة من الطرق والمطارات والمناطق الصناعية، إلى جانب توافر خدمات لوجستية عالية الجودة تدعم حركة البضائع ورؤوس الأموال بسلاسة.

أما من الناحية الاقتصادية، فتتمتع المنطقة بموارد طبيعية هائلة، خاصة النفط والغاز، مما يشكل قاعدة صلبة تدعم الاقتصاد المحلي، وفي الوقت نفسه تدفع الحكومة لتنويع القطاعات الاقتصادية لتشمل التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والتعدين، وغيرها من المجالات الواعدة، ويعكس ذلك مدى ثقة المستثمرين الأجانب في قدرة المنطقة على توفير فرص استثمارية ناجحة ومستقرة، ويُبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المنطقة في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي الوطني.

وتستضيف المنطقة الشرقية حاليًا عددًا من المشاريع العملاقة التي تجذب استثمارات بمليارات الدولارات، مما يجعلها في مقدمة الوجهات الاستثمارية. من بين هذه المشاريع، توسعة الموانئ، وتطوير المناطق الصناعية، والاستثمار في الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تطوير قطاع العقارات الذي يشهد نمواً ملحوظاً بفضل التسهيلات الأخيرة التي تسمح للأجانب بتملك العقارات.

توفير بيئة استثمارية محفزة

تعمل المملكة، وخصوصًا في المنطقة الشرقية، على توفير بيئة استثمارية محفزة من خلال تشريعات متقدمة تهدف إلى حماية حقوق المستثمرين وتبسيط الإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى حوافز مالية وضريبية جذابة. يأتي ذلك في إطار سعي المملكة لجعل بيئتها الاستثمارية أكثر عدالة وشفافية، مما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويشجعهم على زيادة استثماراتهم في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خطة لرفع الحد الأقصى للملكية الأجنبية في الشركات المدرجة بالسوق المالية السعودية، مما سيمنح المستثمرين فرصًا أوسع للتحكم في استثماراتهم، ويعزز من مكانة السوق المالية السعودية كواحدة من أكبر الأسواق في المنطقة..

تجسد المنطقة الشرقية الرؤية الطموحة للمملكة في بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعتمد على أكثر من مصدر دخل، ويتخطى الاعتماد التقليدي على النفط والغاز. فهي موطن لمشاريع استراتيجية في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، إلى جانب كونها مركزًا رئيسيًا للصناعات التحويلية والتعدين.

ويُتوقع أن تستمر المنطقة الشرقية في لعب دور المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي السعودي، مما يجعلها محط أنظار المستثمرين من جميع أنحاء العالم الذين يبحثون عن فرص استثمارية واعدة في منطقة تتمتع بمزايا نسبية فريدة من نوعها، سواء من خلال موقعها الاستراتيجي، أو توفر البنية التحتية المتطورة، وتنوع الفرص الاستثمارية، والاستقرار الاقتصادي والسياسي.

وتثبت المنطقة الشرقية أنها الوجهة الأبرز لجذب الاستثمارات الأجنبية في المملكة، ويبرز هذا التصدر كدليل على نجاح خطط التنمية المستدامة لرؤية 2030، ويؤكد الدور المحوري الذي تلعبه المنطقة في دفع المملكة نحو اقتصاد أكثر تنوعًا وازدهارًا. ومع استمرار تعزيز البيئة الاستثمارية وتطوير المشاريع الضخمة، فإن المنطقة الشرقية ستظل مركز الثقل الاقتصادي في المملكة، والمنصة الأساسية التي تبني عليها المملكة مستقبلها الاستثماري في خضم المنافسة العالمية المتزايدة.