أسهمت برامج الرؤية في خلق بيئة تنافسية جذبت أكثر من 600 شركة عالمية، ورفعت من مستوى التوطين في قطاع الأدوية من %20 إلى %35، وفي القطاع العسكري من %4 إلى أكثر من %20.
تراجع اعتماد المملكة المباشر وغير المباشر على النفط من %90 إلى %68، وأصبحت الأنشطة غير النفطية تمثل حاليًا %56 من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
قبل عقود، وقفت دول مثل: النرويج وسنغافورة وغيرهم، أمام منعطف اقتصادي حاسم؛ دول تمتلك موارد طبيعية أو موانئ استراتيجية أو حتى مساحات محدودة، ومع ذلك أدركت مبكرًا أن الاعتماد على مصدر واحد للدخل يشبه الوقوف فوق أرض رخوة، قد تهتز في أي لحظة. ومع مرور الوقت، تحوَّلت هذه الدول إلى قصص نجاح عالمية، بعدما رفعت من دور القطاعات غير التقليدية لتصبح ركائز أساسية تدعم اقتصاداتها.
وتستحضر المملكة هذه التجارب الرائدة، وهي تعبر مرحلة اقتصادية جديدة؛ مرحلة تكسر فيها العلاقة التاريخية بين الاقتصاد والاعتماد على النفط.

فمنذ إطلاق رؤية 2030، بدأت رحلة إعادة تشكيل اقتصادها، رحلة تضع القطاع غير النفطي في قلب المشهد، ليصبح ليس مجرد قطاع داعم، بل محركًا رئيسًا للنمو، وبديلاً مستدامًا يُعزز القدرة على مواجهة تقلبات أسواق الطاقة.
وفي أكتوبر 2025م، أعلنت المملكة أن اعتمادها المباشر وغير المباشر على النفط تراجع من %90 إلى %68، وأصبحت الأنشطة غير النفطية تمثل حاليًا %56 من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهي نسبة تفوق الأنشطة النفطية والحكومية مجتمعة، كما بلغت نسبة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الحقيقي لعام 2024م، نحو %3.9 مقارنة بعام 2023م، نتيجة الاستمرار في استراتيجيات تنويع الاقتصاد وتوسع الاستثمار في القطاعات غير النفطية؛ إذ بلغت نسبة نمو الأنشطة غير النفطية %4.3.
ويستمر النشاط غير النفطي في التوسع، حيث تجاوز مؤشر مديري المشتريات في أكتوبر مستوى 60 نقطة – وهو من أعلى القراءات منذ أكثر من عشر سنوات؛ مما يعكس الثقة القوية في قطاعات الأعمال – وارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة %17.1 منذ بداية العام.
ومن الواضح أن ثمَّة تطورًا ملحوظًا في مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ففي عام 2016م بلغت القيمة 1447 مليار ريال بنسبة %47، ثم وصلت عام 2021م، إلى 1571 مليار ريال بنسبة %48، وفي عام 2023م، بلغت القيمة 1732 مليار ريال بنسبة %50، قبل أن تصل في 2024م، إلى 1807 بنسبة %51 من الناتج المحلي الإجمالي، و%56 بنهاية عام 2025م.

قدرة على استثمار الإمكانات
ومنذ إطلاق رؤية 2030، عملت المملكة على تعزيز قطاعتها غير النفطية، باعتبارها أحد أهم الركائز الأساسية لتعزيز النمو الاقتصادي، وتشمل هذه المصادر عددًا من القطاعات التي تحقق للمملكة توازنًا اقتصاديًا طويل الأمد.
ولعبت الأنشطة غير النفطية دورًا متميزًا لتنويع الاقتصاد وتنويع روافد الإيرادات واستمرارية ازدهار وتطور الاقتصاد؛ حيث أسهمت بنسبة %51 من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك توقعات بوصولها إلى %65 بحلول نهاية هذا العقد، بالإضافة إلى سعي البلاد للاعتماد على مصادر متنوعة للدخل عبر قطاعات مختلفة، وتنمية رأس المال البشري.
وتؤكد الحكومة أن العائد الحقيقي من رؤية 2030 أصبح واضحًا وتثبته الأرقام المتحققة، إذ تشير الأرقام إلى أن 74 نشاطًا اقتصاديًا حقق نموًا سنويًا تجاوز الـ %5، منها 37 نشاطًا زادت معدلات نموه بأكثر من %10 من أصل 81 نشاطًا في القطاع غير النفطي، خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما أن النمو التراكمي للاقتصاد غير النفطي تجاوز الـ %30 منذ عام 2016م.
وقد أكد وزير الاقتصاد والتخطيط، “فيصل الإبراهيم”، خلال جلسة “منتدى حوار برلين العالمي 2025م، أن قوة الدول لا تنبع فقط من مواردها، بل من قدرتها على استثمار هذه الإمكانات وبناء مؤسسات فاعلة، وتوجيه السياسات العامة بكفاءة، مشيرًا إلى أن المملكة لا تزال في بداية التحول، وأن الإحصاءات تشير إلى اقتصاد أكثر مرونة واستدامة، تقوده الإنتاجية لا الإنفاق. ووفقًا لذلك، فإن التحول في المملكة ليس مجرد “اغتنام فرص آنية”، بل عملية مؤسسية بدأت منذ أكثر من ثماني سنوات، تقوم على تقييم السياسات بعد تنفيذها والانفتاح على الآراء المختلفة.

الاستثمار الأجنبي تضاعف أربع مرات
وبينما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا بنسبة %10، تضاعف في المملكة أربع مرات، متجاوزًا الأهداف المرسومة، فبجانب تكثيف الاستثمارات الحكومية والخاصة في المجالات غير النفطية، فإن المملكة تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية للقطاعات غير النفطية.
وفي هذا السياق، يؤكد وزير الاستثمار، م. “خالد الفالح”، أن %90 من التدفقات الاستثمارية القادمة تتركز في القطاعات غير النفطية، مشيرًا إلى أن %10 فقط من الاستثمارات الأجنبية في المملكة هي التي تتجه إلى مشاريع نفطية من قبل شركات مثل “توتال” و”باتريك”.
وبشكلٍ عام، أصبح دور القطاع الخاص أكثر وضوحًا؛ إذ ارتفعت مساهمته في الاقتصاد السعودي من %38 إلى %50، وسط توقعات بزيادة أكبر في المستقبل، في ظل وجود ثلاث ركائز لتعزيز مشاركة القطاع الخاص، ووضوح الفرص طويلة المدى، وبيئة تنافسية قوية، إلى جانب تقدم ملحوظ في التوطين؛ حيث ارتفع التوطين في صناعة الأدوية من %20 إلى %35، وفي الصناعات العسكرية من %4 إلى أكثر من %20.

محور الزخم الاقتصادي
وترى وكالة التصنيف الائتماني “موديز” أن النشاط غير النفطي مازال هو محور الزخم الاقتصادي، مدفوعًا بالمشروعات الضخمة والاستهلاك القوي وتراجع البطالة، وبسبب جهود التنويع وعودة تحالف “أوبك بلص” لزيادة الإمدادات، مبديةً نظرة إيجابية لنمو الاقتصاد الوطني في عام 2026م، معتبرةً أن تصنيف المملكة عند “Aa3” يستند إلى حجم الاقتصاد الكبير والدخل المرتفع والميزانية الحكومية القوية، مع استمرار التقدم في برامج تنويع الاقتصاد، كما قيمت قوة المؤسسات والحكومة عند درجة “a3” مدعومة “بالتقدم الكبير في تنفيذ أجندة الإصلاح منذ عام 2016م، والسجل المتين في السياسات الاقتصادية والمالية، فيما قيمت القوة المالية للمملكة عند تقييم “aa1” بدعم من أعباء الديون الحكومية المنخفضة نسبيًا، والقدرة العالية على تحمل الديون، والأصول المالية الحكومية القوية.
هذا وتقدر “موديز” نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة %4 عام 2025م، على أن يتسارع إلى %4.5 في عام 2026م، ويتوافق ذلك مع التوقعات الحكومية للعام 2026م؛ إذ رفعت المملكة توقعات نمو اقتصادها إلى %4.6 بدلاً من %3.5 في تقديرات سابقة، مستندة بشكلٍ أساسي إلى النمو المتوقع للناتج المحلي للأنشطة غير النفطية.
ويبدو أن التقدم المستمر في التنويع الاقتصادي والمالي من شأنه، بمرور الوقت، أن يقلل تدريجيًا من اعتماد المملكة على الهيدروكربونات والتعرض لتطورات سوق النفط، وأن مزيدًا من التقدم في تنفيذ مشاريع التنويع الكبيرة سوف يؤدي إلى استقطاب القطاع الخاص وتحفيز تطوير الاقتصاد غير النفطي بوتيرة أسرع مما نفترض حاليًا، وهو ما يؤكده عضو جمعية الاقتصاد السعودية وعضو جمعية اقتصاديات الطاقة، الدكتور عبدالله الجسار، بأن زيادة النمو الاقتصادي عام 2025م، مبنيةً على عدة عناصر رئيسة منها تحسين أداء القطاعات غير النفطية من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وتنويع مصادر الدخل، واستمرار ارتفاع أسعار النفط، والتنمية الاقتصادية وتحسين المجتمع، مما يحافظ على النمو المستمر مدفوعًا بزيادة الاستثمار والاستهلاك.

أداة استراتيجية تُوجَّه بدقة لدعم النمو
ولا تُعدّ الميزانية مجرد مجموعة من الأرقام، بل تمثل أداة استراتيجية تُوجَّه بدقة لدعم النمو وتعزيز مسار تنويع الاقتصاد. فمنذ انطلاق رؤية المملكة، أصبحت السياسة المالية ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار، ولا سيما مع تزايد إسهام الأنشطة غير النفطية في الاقتصاد الوطني. وقد حرصت المملكة على تعزيز هذا الاتجاه عبر العمل على رفع معدلات نمو تلك الأنشطة مستقبلًا. ويندرج ذلك ضمن استراتيجية تنموية بعيدة المدى تستهدف دعم الاقتصاد غير النفطي، ومعالجة التضخم، وتعزيز السياسات المالية والنقدية والاقتصادية، بما يسهم في تحسين معيشة المجتمع الذي يُعد بدوره أحد مصادر الدخل غير النفطي.
ولا شك أن التوسع في الاستثمار داخل القطاعات الواعدة—وفي مقدمتها الاقتصاد الرقمي، والتقنيات الحيوية، والذكاء الاصطناعي—إلى جانب تطوير البنية التحتية اللوجستية وقطاعات النقل، وتحسين بيئة الاستثمار، يسهم في رفع تصنيف المملكة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، ويعزّز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد أوضحت المملكة أن ميزانية العام الجاري تركز على رفع كفاءة الإنفاق وتوجيهه نحو القطاعات التي تولّد قيمة اقتصادية واجتماعية أكبر. كما أكدت أن برامج الرؤية أسهمت في خلق بيئة تنافسية جذبت أكثر من 600 شركة عالمية، في حين ارتفع مستوى التوطين في قطاع الأدوية من %20 إلى %35، وفي القطاع العسكري من %4 إلى أكثر من %20، أما فيما يتعلق بميزانية عام 2026م، تحديدًا، فتستهدف المملكة أن يكون نمو القطاع غير النفطي المحرك الأبرز للاقتصاد الوطني؛ إذ تشير التوقعات إلى أن قطاعات كالصناعة والنقل والسياحة والخدمات، إلى جانب النشاط الاستثماري الخاص، مرشحة للإسهام بفاعلية في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي.

إنفاق موجَّه لصناعة قطاعات كاملة
وفي المقابل، لم تعد الحكومة تعتمد على الإيرادات النفطية وحدها، بل تتجه نحو تبني إنفاق استراتيجي يهدف إلى تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات، ودعم القطاعات الاجتماعية—مثل الصحة والتنمية الاجتماعية والتعليم—إضافة إلى تحفيز الأنشطة غير النفطية بصورة عامة.
من هنا، تقوم ميزانية 2026م، على استكمال مسار التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع، عبر ثلاثة محاور رئيسة: تحفيز الاستثمار الخاص، وتنمية الإيرادات غير النفطية، وتحويل الإنفاق الحكومي إلى محرك مستدام للنمو طويل الأجل.
وبناءً على ذلك، لم تعد الحكومة تنفق بغرض الاستهلاك فحسب، بل أصبح إنفاقها موجّهًا لصناعة قطاعات اقتصادية كاملة. وهي مستعدة لتحمّل عجز مالي مؤقت مقابل بناء اقتصاد غير نفطي متين يحقق إيرادات مستقبلية أعلى، ويُسهم في تقليل المخاطر المالية على المدى البعيد.
وإذا كانت الميزانية قد ركَّزت على الصحة والتعليم باعتبارهما ركيزتان ضروريتان لبناء الإنسان، فإن ما يُطلق عليها “القطاعات الواعدة”، استحوذت هي الأخرى على اهتمام كبير، ففي في مجال الرياضة، بلغ حجم سوق الرياضة 32 مليار ريال، ومن المتوقع أن يصل إلى 80 مليار ريال في 2030م، خاصةً في ظل زيادة مشاركة القطاع الخاص في تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للرياضة، وأيضًا في مجال السياحة، بلغ حجم الإنفاق السياحي 275 مليار ريال، فبجانب السائح المحلي، الذي يعد عنصرًا أساسًيا في النمو المستدام للقطاع، فقد ارتفعت نسبة السياح الأوروبيين إلى %14 من إجمالي عدد السياح، كما ارتفعت نسبة السياح من شرق آسيا والمحيط الهادي إلى %15، فضلًا عن أن المملكة تستهدف الوصول إلى 150 مليون سائح في عام 2030م.

مصدر مهم للعائدات الاقتصادية
وتمثل السياحة الدينية مصدرًا مهمًا للدخل؛ حيث تسهم في زيادة إشغال الفنادق والمبيعات التجارية، ويعد موسم الحج أحد أهم المواسم الدينية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنه أحد مصادر دخل السعودية غير النفطية؛ حيث يتوافد إليها ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم لأداء مناسك الحج، مما جعل هذا الموسم مصدرًا مهمًا للعائدات الاقتصادية، التي تتنوع بين الإيرادات غير المباشرة من القطاعات الداعمة والإيرادات المباشرة من خدمات الإقامة والحج.
ويقدر بعض الاقتصاديين أن تتجاوز إيرادات العمرة والحج الـ 40 مليار ريال سنويًا، موضحين أن هذه الإيرادات تصب لصالح القطاع الخاص، وليس في خزينة الدولة. فيما استطاع القطاع الصناعي، رفع قدرته الإنتاجية، في إطار سعيه، لرفع مساهمته في الناتج المحلي إلى 1.4 تريليون ريال بحلول 2035م، فإن الاستثمارات في قطاع الموانئ زادت إلى أكثر من 30 مليار ريال منذ إطلاق الرؤية، وهو ما رفع الطاقة الاستيعابية إلى %50 في الموانئ. وفيما يتعلق بتوطين الصناعات العسكرية، فقد أثمرت الميزانيات المخصصة عن تحقيق نتائج إيجابية في بناء منظومة صناعية وطنية قادرة على تلبية %40.7 من الاحتياج العسكري في عام 2024م، بما يرسخ الأمن الصناعي ويعزز النمو الاقتصادي.
وفي مجال الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، فقد شهدت المملكة تحولاً رقميًا كبيرًا مع استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والابتكار، وتشمل هذه الجهود تعزيز تقنية المعلومات وخدمات الاتصالات ودعم الشركات الناشئة، كما دعمت الميزانية التحول الرقمي في خدمات وزارة العدل والقضاء، وهو ما أسهم في تقليل الزيارات وخفض الاعتماد على الورق وتسهيل الإجراءات للمستخدمين داخل المملكة وخارجها.

فرص كبيرة للاستثمار في الطاقات المتجددة
ومن جهة أخرى، فقد أصبح الإنفاق على البنية التحتية، يشمل مفاهيم المدن الذكية والتنقل المتكامل واللوجستيات المتقدمة، وفيما أوضح وزير النقل والخدمات اللوجستية المهندس “صالح الجاسر” أن قطاع النقل والخدمات اللوجستية يستهدف تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي، فقد استفاد من خدمات الإسكان أكثر من 1.2 مليون مستفيد حتى نهاية 2025م، وجرى تمكين 50 ألف أسرة من تملك السكن عبر الإسكان التنموي، وتم دعم 16 ألف مستفيد غير قادر على السداد.
وجاء إعلان المملكة عن خطة للتحول إلى الحياد المناخي الكامل بحلول عام 2060م، ليفسح المجال أمام فرص كبيرة للاستثمار في الطاقات المتجددة والمستدامة، وسط إرهاصات على أن إنتاج الهيدروجين سيكون أحد أهم الصناعات المستقبلية في السعودية. وفقًا لبعض التقديرات الحكومية، فإن المملكة ـــ بما تملكه من مساحة قارية وطموح لربط القارات ـــ ستشهد فرصًا استثمارية ضخمة تتراوح بين 3.5 و4 تريليون ريال، خلال 7 إلى 10 سنوات، مع اهتمام عالمي متزايد بالاستثمار في هذا القطاع، الذي أصبح من أكثر الأصول نموًا.

وإذا كانت هذه الفترة تتسم بالتقلبات، فإنها أيضًا تزخر بفرص يتعين على الدول اقتناصها عبر بناء القدرات الذاتية وتعزيز الكفاءة المؤسسية.
وفيما تشير وكالة “موديز” إلى أن مزيدًا من التقدم في تنفيذ مشاريع التنويع الكبيرة قد يؤدي إلى استقطاب القطاع الخاص وتحفيز تطوير الاقتصاد غير النفطي بوتيرة أسرع من المستهدف، فإن وكالة “إس آند بي” تتوقع أن يسهم القطاع غير النفطي بنمو الناتج المحلي بنسبة تصل إلى %3.5 سنويًا بين 2025م و2028م، خاصةً مع توسّع الاستثمارات الحكومية والخاصة في قطاعات العقارات والسياحة والخدمات والبنية التحتية.

تحديات قصيرة وطويلة الأجل
وتأتي التوقعات الإيجابية لاقتصاد المملكة لتعكس مدى الالتزام بتنفيذ رؤيتها وتحقيق التنمية المستدامة واستراتيجيتها الطموحة؛ مما يعزز مكانة الاقتصاد الوطني على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتشير التقديرات الأولية لعام 2025م، إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة %4.6.
وثمَّة عديد من التحديات قصيرة وطويلة الأجل، التي قد تؤثر على استدامة نمو القطاع النفطي وغير النفطي في المملكة، ومنها تقلبات التجارة العالمية، وأسعار النفط، والاضطرابات الجيوسياسية، والاعتماد المستمر على عائدات الهيدروكربونات، وتراجع إنتاجية العوامل الكلية. فرغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، فإن مساهمة القطاع غير النفطي في الاستثمارات لا تزال ضعيفة مقارنة بمساهمته في الناتج الإجمالي، وما زال هناك اعتماد بشكل أساسي على إيرادات النفط لتمويل الانفاق على المشاريع التنموية والبنية التحتية التي يدخل فيها القطاع الخاص كمقاول أكثر منه كممول.
وبالطبع، فإن تراجع أسعار النفط ينعكس سلبًا على نمو معظم القطاعات غير النفطية التي تعتمد على التعاقد مع مؤسسات الدولة لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمية، وفي حال كان التراجع في الأسعار كبيرًا، فإن ذلك قد يؤدي إلى إلغاء مشروعات أو اللجوء إلى الاقتراض لتمويلها.
ومع أن المملكة قد تكون معرضة لمخاطر الانخفاضات الدورية في أسعار النفط والمخاطر طويلة الأجل الناجمة عن التحول العالمي نحو الكربون، فإن التقدم المستمر في التنويع الاقتصادي والمالي من شأنه، بمرور الوقت، أن يقلل تدريجيًا من صدمات تطورات سوق النفط.

القطاع الخاص المحرك الرئيس للنمو
ويتطلب مواجهة هذه التحديات تنفيذ إصلاحات هيكلية، وتعزيز الابتكار، وتطوير المهارات البشرية، لضمان تنويع الاقتصاد وتحقيق أهداف رؤية المملكة. كذلك، فإن تطوير البنية التحتية وفق “التكلفة الصحيحة” يعزز جذب رؤوس الأموال، ويرفع الإنتاجية، ويخفف الضغط على الميزانية، ويدعم تنافسية الاقتصاد عبر تقليل وقت وكلفة سلاسل الإمداد، إلى جانب خلق وظائف نوعية وتوسيع دور القطاع الخاص في قيادة التنمية.
وإذا كانت استدامة نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة تتطلب ضخ استثمارات هائلة، تبلغ وفقًا لبعض التقديرات 8 تريليونات ريال خلال السنوات المقبلة، فإن التحسينات القانونية والإدارية الجديدة يمكن أن توفر البيئة الملائمة، وتسهم في تحسين مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات الخاصة، إدراكًا من الدولة بأن القطاع الخاص يُعد المحرك الرئيس للنمو المستدام في المملكة، وأن دور الحكومة يتمثل في توفير البيئة المناسبة عبر الاستثمار في البنية التحتية، وتنمية رأس المال البشري، وتطبيق الإصلاحات المؤسسية.

كذلك، من المهم التدخل المحسوب فيما يتعلق بإزالة المخاطر، التي تعترض القطاع الخاص، وبحيث يكون هذا التدخل أداة للتوازن، وليس بديلاً عن التنافسية أو ديناميكية السوق، مع ضرورة توفير نظام واضح لتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الاستثمار.
ومن الضروري التركيز خلال المرحلة المقبلة، ليس فقط على تحقيق “نمو كمي”، ولكن أيضًا على جودة هذا النمو عبر الابتكار والاستثمارات النوعية ومشاركة أكبر من القطاع الخاص، وهو ما ينعكس على دخل المواطن ويسهم في بناء اقتصاد مستدام ومتوازن.
