تحليل

الذهب.. النجم الأول للمتداولين عام 2025م

لا شكّ أن الذهب كان نجم الارتفاعات في عام 2025م، وجذب اهتمام المتداولين والمستثمرين من مختلف شرائح المجتمع، كما حظي بتغطية إعلامية واسعة، محققًا أفضل سنة له على الإطلاق منذ عام 1979م.

وتسابقت البنوك العالمية على إصدار توقعاتها بشأن أسعار الذهب والأهداف التي قد يسجّلها في السنوات المقبلة، وقد أجمع الكثير منها على أن أسعار المعدن الأصفر ستصل إلى مستويات خمسة آلاف دولار أو قريبة منها. فعلى سبيل المثال، يتوقع جي بي مورغان، أكبر بنك أمريكي، أن تصل الأسعار إلى مستويات 5055 دولارًا في الربع الأخير من عام 2026م، كما يتوقع بنك أوف أميركا مستويات تقارب خمسة آلاف دولار، وكذلك بنك “جولدمان ساكس” الذي يرجّح وصولها إلى نحو 4900 دولار.

ويبقى السؤال الذي يتداول دائمًا: هل تغيّرت العوامل الرئيسة التي دعمت أسعار الذهب؟ والأهم من ذلك: هل تغيّر ترتيب أهمية هذه العوامل؟ فعلى سبيل المثال، كانت مشتريات البنوك المركزية للذهب في السابق تلعب دورًا مؤثرًا في حركة الأسعار، لكن العامل الأهم كان دائمًا السياسة النقدية للولايات المتحدة، وأسعار الفائدة، إضافة إلى تقلبات سعر صرف الدولار.

أما حاليًا، فقد أصبحت المشتريات الكبيرة والمستمرة من البنوك المركزية هي المحرك الأساسي للارتفاعات في الأشهر الأخيرة؛ إذ نرى الأسعار تتفاعل بقوة فور الإعلان عن شراء بعض الأطنان. وهنا يمكن القول إن كلمة السر في ارتفاعات الأسعار أصبحت بيد البنوك المركزية، سواء عبر القرارات أو من خلال الشراء الفعلي لكميات كبيرة من الذهب.

وبنظرة سريعة على أداء أسعار الذهب منذ عام 2000م، نرى أن الأداء السنوي كان قويًا في بعض المحطات. فعلى سبيل المثال، خلال فترة من 2000م، و2010م، كان أقوى ارتفاع سنوي في عام 2007م عندما ارتفع المعدن الأصفر بنسبة %31 ولم يسجل خلال تلك الفترة سوى خسارة سنوية واحدة كانت في عام 2000م، عندما تراجعت الأسعار بنسبة %5.4. وهنا أود أن أشير إلى أنه عند اندلاع الأزمة المالية العالمية، لم يؤدِّ الذهب دوره المعروف كملاذ آمن في الأزمات؛ بل تراجعت أسعاره في بدايات الأزمة، وكَسرت مستوى الـ 1000 دولار وهبطت إلى 680 دولارًا في أكتوبر 2008م، قبل أن يعود بعدها للصعود في السنوات التالية.

وإذا انتقلنا إلى العقد الثاني بين عامي 2010م و2020م، نجد أن الذهب سجّل قمته التاريخية السابقة عند 1920 دولارًا في عام 2011م، محققًا وقتها مكاسب سنوية بحوالي %10، علمًا بأن عام 2019م كان الأكثر ارتفاعًا بنسبة %18.3. وفي المقابل، كانت أقوى ضربة سنوية تلقاها الذهب في عام 2013م بعد أن أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، “بن برنانكي”، إلى احتمال تقليص مشتريات السندات الشهرية تدريجيًا إذا تحسنت البيانات الاقتصادية.

وهنا تلقّت أسعار الذهب تلك التصريحات بشكل سلبي جدًا، وسجّلت آنذاك خسائر سنوية كبيرة بلغت %28. وشكّل الإعلان عن تقليص المشتريات مهمة قفزة في عوائد السندات، وهو ما يؤثر عادة على أسعار الذهب بقوة، نظرًا إلى أن عوائد السندات تُعد منافسًا مهمًا للمعدن الأصفر.

وبالانتقال إلى السنوات الخمس الأخيرة، سجلت الأسعار قفزة سنوية مهمة وقت جائحة كورونا في عام 2020م، مع ارتفاعات وصلت إلى %25.1، بينما الأداء في عامي 2021م و2022م، كان سلبيًا مع خسارة سنوية %3.6 في عام 2021م، وخسارة طفيفة في عام 2022م، بأقل من نصف نقطة مئوية. أما أداء العام الماضي فكان رائعًا للذهب مع ارتفاعات سنوية عند %27، قبل أن ينسى المراقبون ذلك هذا العام مع الأداء الاستثنائي، الذي سجل في وقت من الأوقات مكاسب بأكثر من %65 في وقت من العام.

هذا بالنسبة لما حصل على جبهة الذهب، لكن وعلى خط موازٍ، تألّقت أسعار الفضة بدورها، واستطاعت في مرحلة لاحقة أن تتفوق على ارتفاعات المعدن الأصفر وذلك على الرغم من البداية المتأخرة نوعًا ما في هذا العام. وتاريخيًا شهدت الفضة أقوى ارتفاعاتها في بداية الثمانينيات عندما أدى ذلك، إلى انفجار الفقاعة التي تكونت وأدى ذلك إلى أضرار كبيرة في السوق، وكما ذكرنا بعد البداية البطيئة لأسعار للفضة في النصف الأول من هذا العام، عادت وانتفضت بقوة مع بداية النصف الثاني مع تحطيمها الأرقام القياسية السابقة، ولفت أنظار المراقبين بطريقة مذهلة.

وفي النهاية نستطيع القول إن الذهب والفضة تألقا بشكل كبير، مع جذب اهتمام شريحة كبيرة من المتداولين الأفراد وخصوصًا من فئة الشباب، والتي تكون عادة مهتمة أكثر بالأسهم وخصوصًا أسهم التكنولوجيا والتي تتقاطع بعضها مع العملات المشفرة. وطبعًا بالإضافة إلى الذهب والفضة، شاهدنا خلال العام، تألق الأسواق المالية، وتسجيلها الأرقام القياسية بقيادة السوق الأمريكي، وكان لافتًا أيضًا الأسهم اليابانية، مع مؤشر نيكاي 225 الذي قفز فوق مستويات الـ 50 ألف نقطة بسهولة، وقام بمحو ذكريات انفجار فقاعة الأصول اليابانية في بداية التسعينيات، ومع وجود جيل كامل من المتداولين لم يشاهدها أو لا يعرف شيئًا عنها إلا عبر العودة إلى التاريخ، أو عبر التحدث مع من عاصرها والذي لا يزال موجودًا في الأسواق حاليًا.