لم يكن مستغرباً للمختص أو حتى للمثقف المطلع غزارة كمية الأمطار التي سقطت على المملكة العربية السعودية أو على بعض دول الخليج كدولة الكويت والإمارات قبل نهاية عام 2018م مقارنة بالسنوات الماضية، فالتقارير العلمية التي أشارت لذلك ضمنياً كانت تصدر تباعاً منذ عام 2001م وبصورة مركزة من قبل المراكز البحثية الدولية المختصة بدراسة الطقس والتصحر وتأثير عملية الاحتباس الحراري والتسخين العالمي في درجات الحرارة (تسخين المسطحات المائية وتبخر المياه من المحيطات لمناطق أخرى) وعلاقة كل ذلك بتغير المناخ العالمي ومنها ما سلط الضوء على منطقة شبه الجزيرة العربية والتي كان يتوقع لها منذ تلك الفترة ببداية ظهور علامات التغير المناخي عليها وتصاعده بعد عام 2011م !!
والمقصود بعملية التغير المناخي في شبة الجزيرة العربية هو حدوث ظواهر بيئية غير مألوفة أو متكررة مسبقاً كالفيضانات والأعاصير والعواصف الرملية أو زيادة تساقط حبات البرد عن المعتاد أو تساقط الثلوج على شكل بلورات جليدية صغيرة (الندف الثلجية التي تشبه القطن Snow) والتي تساقطت على مناطق شمال السعودية خلال السنوات الأخيرة (الظاهرة مرشح حدوثها خلال السنوات المقبلة على المناطق الواقعة في أواسط شمال السعودية كحائل والقصيم لتتلوهما الرياض بعد حين)!.
رغم توفر المعلومات ومنذ سنين عن ظاهرة التغيير المناخي وبداية مشاهدة أثارها على الواقع كحدث ملموس (أعلن بعض علماء المناخ الروس منذ عام 2015م عن بداية انخفاض درجات الحرارة في الأرض وبداية العصر الجليدي الصغير). وبعد أن حُفر بالذاكرة تصريح لأحد المسؤولين السعوديين عام 1416هـ وتبريره لحالة غرق بعض المخارج الرئيسة وقتها في منطقة الرياض وبالأخص مخرج (13) – نتيجة هطول كمية من الأمطار غير متوقعة – معتبراً أن ما حدث «أمر عارض» ومستنداً على أن البلد بالأساس صحراوي وغير ممطر!!.
وما أعقبه من أحداث مؤسفة بعدها بسنوات – غرق أحد أحياء جدة – وبالتالي تكرار غرق بعض الأنفاق والمناطق في السعودية في موسم الأمطار وحتى الوقت القريب ؟!.
يتكرر السؤال الأهم ماذا أعد المسؤول الحكومي بعد كل ما حصل لمواجهة تحديات ظاهرة التغير المناخي التي أصبحت حقيقية لا مناص منها؟ وما هي الخطوات التي عُمل عليها لإمكانية عكس جانبها السلبي أو الحد من أضرارها (كوارث وخسائر مادية وقد تتعداها إلى خسائر بشرية) إلى الاستفادة منها على الصعيد الاقتصادي (الاستفادة من حجم الأمطار الغزيرة وتعدد استخداماتها ناهيك عن استغلال الجانب السياحي).
أول ما على المسؤول أن يتداركه في مسألة الاهتمام بعامل التغير المناخي هو دراسة هيكلة البنية التحتية المعمولة مسبقاً ومقارنة مدى قدرتها الاستيعابية وملاءمتها مع مخرجات المتغيرات المناخية المستجدة والتي قد تحدث في أي وقت – دون الالتزام بوقت موسمي محدد – فنسبة كمية الأمطار وانتشارها وارتفاع منسوبها وتوقيتها لم يعد كالسابق، إضافة إلى الاهتمام بعامل الصيانة والمتابعة كمحور دوري وليس موسمي للطرق والسدود والأنفاق ومجاري تصريف المياه والسيول.
والجانب المهم الآخر الذي يجب توليته العناية القصوى من قبل المسؤول لمواكبة مخرجات التغير المناخي الحاصل هو وجوب الجاهزية البشرية والتنظيمية والتقنية – كوادر بشرية مدربة ومعدات – لمجابهة أي حالات طارئة في الطقس (بالإمكان الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وخصوصاً تلك التي تتعرض لتقلبات مناخية حادة إضافة الى إمكانية مشاركتهم عملياً في إدارة الكوارث المتعلقة بالطقس في بلدانهم لاكتساب الخبرة بخلاف الجانب الإنساني في الأمر).
يُنظر إلى حالة التغير المناخي في البلدان ضمن الميزان العلمي من كلا الجانبين (الإيجابي والسلبي) فمن جهة يتم استغلال الأوجه الإيجابية منها وعلى الجانب الآخر يتم العمل على التقليل من إفرازاتها السلبية أو الحد منها، ورغم أن بعض عوامل الطبيعة من الصعوبة السيطرة عليها أو تغييرها. إلا أن عدم أخذ التدابير الاستباقية الممكنة للتقليل من مخاطرها له عواقب وخيمة بلا شك.