نافذة

العالم بعد “كورونا”!

استحضر بعض المراقبين سيناريوهات عديدة لما سيكون عليه العالم بعد جائحة كورونا، من حيث تغير اتجاه بوصلة القوة الاقتصادية والسياسية عالمياً من الغرب إلى الشرق، وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية إلى جمهورية الصين؟!.

 

وهذه الرؤية لم تعتمد على دراسات استراتيجية فاحصة للمراكز البنيوية للدول، ولا على المقومات التي تجعل من دولة أن تكون محور الوصل للعالم بأجمعه، ولا على الفترة الزمنية التي استغرقتها للوصول لذلك! بل اعتمدت بصورة رئيسية على الإعجاب بتجربة الصين وكيفية تعاملها وتحوطها لاحتواء وباء فيروس كورونا، وسرعة عودة الحياة لمناطقها التي كانت تعد البؤرة الأولى لانتشار الجائحة، وبالتالي تقديمها المساعدة الصحية للدول الأخرى المتضررة من هذا الوباء، ومنها دول في المنظومة الأوروبية، والتي ينظر لها كدول متقدمة صناعياً، كان الأجدر أن يكون تحوطها واستعدادها لمكافحة الوباء أسرع، وبما يليق بسمعتها العلمية عالمياً!

 

هذا التقييم المجتزأ في تحديد مراكز القوى العالمية، واختزال مصالح الدول الكبرى على مستوى الجيوبوليتيك والجيوستراتيجيك، هو ما شكل تلك الصورة عند البعض، ودفعهم للقول إن الخطوة التالية ستكون انكفاء الدول الصناعية الكبرى إلى داخلها مما سيتيح للصين التمدد لإحلال نفسها مكان الفراغ الذي ستتركه تلك الدول عالمياً، وأمريكا تحديداً ـ الصين أذكى من أن تُثقل برداء قبل أوانه ـ وذهب بعض المراقبين الاقتصاديين بعيداً إلى التوقع بنهاية نظام العولمة قريباً كنتيجة لإفرازات جائحة كورونا!.

 

ما تقدم لا يقلل من مكانة الصين ودور اقتصادها الفاعل ـ يساهم بـ %30 في نمو الاقتصاد العالمي ـ وحاجة العالم إلى سلعها الوفيرة والرخيصة، وربما ظهر الأمر جلياً من خلال جائحة كورونا، وتهافت الطلب على سلعها المتعلقة بالمنظومة الصحية، خلاف بقية السلع الأخرى، وهي نقطة بلا شك استغلتها الصين لصالح اقتصادها وتحسين صورتها الدولية، ومع ذلك فهناك أمران يجب عدم إغفالهما، الأول أن تداعيات جائحة كورونا السياسية والاقتصادية على العالم لم تنتهِ بعد، ومن السابق لأوانه تحديد دولة بعينها من الدول الصناعية الكبرى التي ستخرج أقل ضرراً من هذه الجائحة بفارق كبير عن البقية، مما يؤهلها لتبوء موقع جيواقتصادي متقدم عما هي عليه، مضافاً إليه أن لعبة التوازنات الدولية لا يحدها العامل الاقتصادي منفرداً، بل والسياسي وما يندرج تحته من أدوات!.

 

الأمر الثاني يتعلق بطبيعة الاقتصاد الصناعي الصيني، الذي يعتمد بصورة ملموسة على الاستثمارات الأجنبية وخبراتها التقنية وخبرائها ـ شركات أوروبية وأمريكية ويابانية وكوريا الجنوبية وغيرها ـ وهذا المحور يشكل عامل ضغط دوليا على الاقتصاد الصيني إن لم تحسن بكين التعامل مع خلفياته.

 

حري بالدول وخاصة النامية والناشئة أن تنظر إلى جائحة كورونا بعين الفاحص المعتبر من الحدث، وأن تسعى جاهدة لتدارك ما فاتها من تحديات مستقبلاً، فالاهتمام بالمراكز البحثية العلمية في شتى المجالات، وجاهزية كوادر ومنشآت إدارة الأزمات، وتوفير معطيات الأمن الغذائي والصناعي والصحي، وتهيئة المجتمعات ثقافياً بغية مساهمتها مع أجهزة الحكومة في التصدي لأي عارض، يعتبر من أولويات التنمية واستدامتها لتلك الدول.

 

وقفة:

تصور لو أن القطاع الصحي والتعليمي كان مخصصاً بالكامل ماذا ستكون نتائجه على المواطنين في وقت الأزمات!.

الردود (2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.