حدثان بارزان شهدناهما الشهر الماضي، يختصران لنا طبيعة المرحلة الحالية، وطبيعة السياسات التي تعالج المرحلة على صعيد مرحلة الاقتصاد والتنمية.
فقد أعلنت الدولة عن انتهاء تحقيقات اللجنة العليا لمحاربة الفساد، والتي خرج عنها نتائج ضخمة على صعيد الأموال المستردة والبالغة 400 مليار ريال، شملت أصولاً عقارية وأوراقاً مالية وشركات وغير ذلك من الأصول، فضلاً عن تحويل بعض الشخصيات إلى النيابة العامة لعدم قبولهم بالتسوية، ما يعني أن الرقم مرشح لمزيد من الارتفاع.
حكاية الفساد في القطاع العام وقصص «المستنفعين» و«المتنفذين» من كافة شرائح المجتمع، كان لابد لها من نهاية، وها هي اللجنة وقد ضعت حجر الأساس لدواء يُعالج الداء الذي ثبت ــ بنتائج اللجنة ــ مدى ضخامة استشرائه، وحيث أصبحت لدينا صورة «كاملة» عن عمق تفشيه وامتداده.
الحكومة نجحت في رسم خارطة مكافحة الفساد، فبعيداً عن اللجنة التي انتهت أعمالها، «شرّعت» لحماية المبلغيّن عن الفساد، كما «عدّلت» القوانين واللوائح المتعلقة، وكانت قبل سنوات معدودة أنشأت «كياناً» مستقلاً بالنزاهة، ومؤخراً تم تخصيص «دوائر» قضائية معنية بهذا الملف، ما يعني أن الدولة استكملت الحلقات الإجرائية لمحاصرة الفساد من كل جوانبه ووضعت الأدوات الكافية والكفيلة بردعه، ليتبقى الدور على «الجميع» للمشاركة في هذه المسؤولية النبيلة، والمضي في مشروع رؤية 2030.
هذا حدث، وهو حدث ضخم وتحوُّل كبير. أما الحدث الآخر، فهو إطلاق أكبر برنامج من نوعه لدعم تحوُّل المملكة إلى قوة صناعية ومركز عالمي لوجستي تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث يضم البرنامج أربعة قطاعات رئيسة، هي الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية، ويستهدف 300 مبادرة بإجمالي 1.7 تريليون ريال، من شأنها توفير 1.6 مليون وظيفة. لقد غرس هذا البرنامج في أرضنا بذرة لطموح أكبر وأوسع ومُتجدِّد ومفتوح على آفاق رحبة، فيما يتعلق بالصناعة والطاقة السعودية، إضافة إلى التعدين، والأمل أن تتحقق أهداف البرنامج وتطلعاتُه التي ارتفعت معها آمالُنا فيما تمتلكه بلادُنا من ثروات وما تتمتّعُ به من منح وعطايا، لا سيما عند المعرفة بأن البرنامج يمثل إحدى ركائز التحوُّل الاقتصادي المنتظرة في البلاد.
هذان الحدثان كافيان لاختصار مشهد السياسة العامة لمسيرة التنمية والتطور في بلادنا، وهما كافيان بحق للتعبير عما يمضي إليه وطننا من مستقبل أكثر إشراقاً بالخير لأبنائه ومواطنيه، فلا انطلاق نحو تحقيق المشروع التطويري المتمثل في «رؤية 2030» بلا محاربة للفساد، وما تخلفه البيروقراطية من نهب، واستنزاف لمقدرات البلاد أدى إلى ما نشاهده أحياناً في البنية التحتية من مشاريع مترهلة، وتأخر في تسليم مرافق، وتعطيل خدمات مهمة، وغيرها من عشرات النماذج والأمثلة، في حين يجسد مشروع مبادرة التحوُّل إلى صناعة متقدِّمة ولوجستية الحُلم والطموح والثقة في المقدرات الوطنية، والقدرة على الاستمرار فيما هو مخطط له دون استرخاء أو ملل.
نعم، إنها السعودية الحديثة التي تنوي المضي قدماً نحو مشروع التنمية وتعتزم تخطي كل العقبات للوصول إلى هدفها الأسمى بمجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.