المؤشرات كلها تعكس تفاؤلاً كبيراً حول تعافي سوق العقارات، وتكشف «التوقّعات» عن «احتمالات» أكبر بانتعاش مقبل، في ضوء التحسُّن الواضح في المبيعات، ما أرجعه الخبراءُ إلى الإصلاحات الحكومية التي أعطت القطاع العقاري قدراً كبيراً من الاهتمام، انطلاقاً من خيارات وطنية راسخة بضرورة توسيع قاعدة تمليك البيوت والفيللات للمواطنين، وزيادة أعداد «ملَّاك» العقارات، ورفع نسبة أصحاب المساكن «الخاصة» بين المواطنين، في إطار الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030، وضمن خطوات برنامج التحوُّل الوطني وإصلاحاته، ومع عوامل مهمّة «مُحَفّزة» أبرزها دعم العسكريين، وزيادة القروض العقارية.. قد تتباين آراء الخبراء حول التشخيص، إلا أن الاتفاق هو الأكثر وضوحاً، خصوصاً فيما يتعلق بالآثار والنتائج، حول احتمالات الانتعاش، مع بعض الترقّب الحذر.. الأرقام الرسمية والإحصاءات كلها تعكس كثيراً من التفاؤل.
فقد كشفت بيانات رسمية حكومية عن تحسُّن ملموس يشهده القطاع العقاري مع ارتفاع نسبة شراء الشقق السكنية والبيوت الجاهزة خلال الأشهر الخمسة الماضية من العام، مقارنة بما كان عليه الوضع في العام الماضي. وأرجع خبراء عقاريون ذلك الارتفاع لعدة أسباب، أهمها الدعم الإضافي الذي تم تقديمه للعسكريين وكبار السن، وزيادة المعروض من الوحدات السكنية الجاهزة، وديناميكية برامج «سكني» الحكومي التي بدأت في البيع مؤخراً.
انتعاش القطاع
تحسن أداء القطاع العقاري السعودي خلال الربع الأول من العام الحالي بشكل أكبر من المتوقع، كما تصفه بوضوح إحصاءات بيانية صادرة عن وزارة العدل كشفت عن بلوغ مجموع الصفقات المنفذة 49.5 مليار ريال مرتفعاً %28.6 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي التي توقفت عند مستوى 38.9 مليار ريال.
وأرجع مختصون عقاريون هذا التحسن للإصلاحات الحكومية فيما يتعلق بمعالجة ملف الإسكان الذي يُعد أحد الملفات الاقتصادية الشائكة، مما دفع إلى ارتفاع تنفيذ صفقات القطاع السكني بنسبة %34 بنحو 30 مليار ريال (نحو 9.6 مليار دولار) مقارنة بـ 27 مليار ريال (نحو 7.2 مليار دولار) خلال الفترة نفسها في العام الماضي.
وبحسب التقارير الرسمية، لم تنعكس زيادة التملك على متوسط الأسعار، التي لا تزال منخفضة مقارنة بما كانت عليه قبل نحو أربع سنوات. وتكشف المؤشرات العقارية أن متوسط الأسعار السوقية للأصول العقارية السكنية خلال فترة الـ 12 شهراً من مارس 2018 إلى مارس 2019 السابقة، جاءت نتائجها على النحو التالي: انخفاض سنوي لمتوسط سعر الشقق السكنية بنسبة %11.7، ثم انخفاض سنوي لمتوسط الأسعار السوقية للفلل السكنية بنسبة %12، بينما سجل متوسط السعر السوقي للمتر المربع للأرض السكنية ارتفاعاً سنوياً بنسبة %7.2.
خطط طموحة
وفي خضم هذا الحراك السعري، تسعى وزارة الإسكان لرفع نسبة تملك المواطنين من المساكن لـ %70 تماشياً بما هو مستهدف وفقاً لرؤية 2030 بمشاركة 16 جهة حكومية، من خلال إطلاق خطط تملك متنوعة من الخيارات، على رأسها برنامج «سكني» الذي تم إطلاقه مطلع 2017 بتخصيص 280 ألف وحدة سكنية على مستوى المملكة، كوحدات سكنية جاهزة وتحت الإنشاء بالإضافة لتوزيع أراض سكنية، وإصدار أرقام جديدة لصندوق التنمية العقارية.
وزير الإسكان ماجد الحقيل، كشف الشهر الماضي ــ خلال كلمة ألقاها في مؤتمر القطاع المالي الذي عُقد في مايو الماضي في العاصمة الرياض ــ عن بدء الوزارة في ضخ وحدات سكنية أسعارها تتناسب مع قدرة المواطنين بشكل أكبر. وأضاف: باتت منظومة التمويل العقاري أكثر اكتمالاً ونضجاً بفترة قصيرة، حيث إن هناك جهوداً كبيرة، من خلال السياسات النقدية، مبيناً أن مؤسسة النقد العربي السعودي بدأت في تخفيض الدفعة المقدمة من 15 إلى 10 للبيت الأول.
ووفقاً لحديث وزير الإسكان، فإنه تم دخول 350 ألف وحدة سكنية للسوق وقرابة 85 ألف أسرة جديدة، موضحاً أن الطلب الأعلى على الوحدات الصغيرة. غير أنه على الرغم من الارتفاع في معدل المعروض السكني، لا تزال نسبة تملك المواطنين للمنازل، دون المستوى المستهدف من قبل وزارة الإسكان، وهو ما أفصح عنه المشرف العام على صندوق التنمية العقارية خالد العمودي في أبريل الماضي الذي أكد أن هدفهم هو: الوصول بالمعدلات السنوية لتملك السعوديين بين 140 و165 ألف شخص سنوياً.
الحقيل: ضخ وحدات سكنية تناسب قدرة المواطن المالية
البريكان: الانتعاش مرشح للاستمرار لتحقيق نسبة تملك %70 حتى 2020
بن حمري: الدعم الإضافي للعسكريين وكبار السن يسهم في ارتفاع القدرة الشرائية
السلطان: الإقراض الحكومي يواجه تحدي الاستدامة ومقترحين لتجنب الأعباء على ميزانية الدولة
خطوات جادة
وتلقى هذه التطورات على لسان المسؤولين عن القضايا الإسكانية تفاعلاً من المختصين والمستثمرين السعوديين، إذ يؤكد عبدالله البريكان، وهو المدير العام لشركة «رتال» للتطوير العمراني ، في حديثه لـ «الاقتصاد» على أن هناك عدة عوامل ساعدت على تحسن الأرقام العقارية خلال الأشهر الماضية، مرجعاً السبب الرئيس لهذا النمو إلى دفع عملية الإقراض العقاري من خلال البنوك، وصندوق التنمية العقاري، وأيضاً البيع على الخارطة، مؤكداً أن هذين العاملين كان لهما الدور الأكبر في الانتعاش.
ويضيف: دعم العسكريين بواقع 140 ألف ريال إضافي كان له دور فعال، ليصبح إجمالي دعم العسكريين 640 ألفاً، مشدداً على أن هذا الانتعاش مرشح للاستمرار لحين تحقيق نسبة التملك المستهدفة في المرحلة الانتقالية إلى 2021.
ويتابع : هناك مبيعات أكبر في الوحدات الجاهزة، وكل يوم هناك ارتفاع في المشاريع، والموجود منها في المنطقة الشرقية جيد، ولكنه لم يصل للرقم المأمول، وهناك مشاريع جديدة في طور التدشين، مضيفاً أن الأسعار حالياً مناسبة، بسبب خطط وزارة الإسكان التي سعت للتوازن بين السعر والعرض والطلب.
من جانبه، يشدد حامد بن حمري رئيس لجنة العقار والتطوير العمراني في غرفة الشرقية والرئيس التنفيذي لشركة تمكين على أن تحسن المبيعات في الشقق والوحدات الجاهزة مرشح للاستمرار لحين تحقيق الهدف المعلن لنسبة التملك بين المواطنين، مشيراً في حديث لـ «الاقتصاد»: هناك تحسن كبير في مبيعات العقارات، وخاصة في الشقق السكنية والمنازل الجاهزة، والسبب هو ضخ مزيد من السيولة في الصناديق العقارية.
«الإسكان»: دخول 350 ألف وحدة سكنية للسوق و85 ألف أسرة جديدة
«التنمية العقاري»: 150 ألف مستفيد سنوياً وتمويل 110 آلاف طلب حتى 2020
«العدل»: الصفقات المنفذة ترتفع %28 إلى 49.5 مليار ريال في الربع الأول من 2019
ويضيف بتفصيل أكبر: حتى شهر أكتوبر الماضي، لم تكن تصدر قروض سوى لألف أو ألفي مقترض، اليوم وصلت لعشرة آلاف قرض شهرياً، حتى 31 مارس، تم تقديم 79 ألف قرض، وهذه القروض اتجهت مباشرة للسوق، الدعم الإضافي للعسكريين ولكبار السن، أسهم بشكل فعال في ارتفاع القدرة الشرائية لديهم.
ويشدد بن حمري على أن الارتفاع كان على جميع مستويات العقارات، ويتابع: في تصوري أن الارتفاع سيستمر، لأن هناك اقتناعاً لدى المواطنين أن هذا الحل هو الأنسب لتملك المنازل.
أداء متباين
تباين أداء الأنشطة العقارية بكافة تصنيفاتها في السعودية، ففي الوقت الذي واصلت فيه الأراضي انخفاضها، تحسن أداء البيوت السكنية، حيث ارتفعت الأخيرة بنسبة %0.5 مقارنة بالربع السابق من العام الحالي، فيما انخفضت الأراضي السكنية مقارنة بالربع السابق بنسبة %2.7، أيضاً شهدت الفترة نفسها انخفاضاً في الفلل بنسبة %1.7.
ويكشف التقرير الربع سنوي لوزارة العدل للعام 2019، انخفاض متوسط الأسعار السوقية للشقق السكنية بنسبة %10.5، ثم انخفاض متوسط الأسعار السوقية للفلل السكنية بنسبة %17.1، في حين سجل متوسط السعر السوقي للمتر المربع للأرض السكنية ارتفاعاً بنسبة %23.5.
في الاتجاه نفسه، أفصح تقرير هيئة الإحصاء عن انخفاض أسعار العقارات السكنية بنسبة %6 بنهاية الربع الرابع من العام 2018 مقارنة بالربع المماثل من 2017، كما انخفضت أسعار الأراضي بنسبة %6.2، فيما تراجعت أسعار الفلل %4.7، وبلغت نسبة انخفاض أسعار الشقق %3.5، وسجلت العمائر انخفاضاً طفيفاً بنسبة %0.1. مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي.
أما إحصاءات وزارة الإسكان فأفادت أن عدد المستفيدين من عقود الدعم السكني خلال العام 2018 بلغ 67 ألف مستفيد على مستوى المناطق الإدارية بنسبة بلغت %91.8 لعقود الفلل و%8.13 لعقود الشقق، وذلك وفقاً للحلول السكنية المقدَّمة كوحدات سكنية للمستفيدين من خلال برنامج سكني وصندوق التنمية العقاري.
وتعرِّف الوزارة المستحقين للسكن بأنهم المواطنون الذين تم توقيعهم لعقود تملك الوحدات السكنية من خلال الحلول السكنية المقدَّمة من برنامج سكني أو صندوق التنمية العقاري خلال عام 2018.
سوق التمويل
ووفقاً للبيانات الرسمية المسجلة لدى الجهة الأكبر في التمويل العقاري وهي صندوق التنمية العقارية، سجل سوق التمويل العقاري في المملكة ارتفاعاً بنسبة %133 خلال الربع الأول من العام الحالي 2019 مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، حيث ارتفعت حصة التمويل العقاري المدعوم من قبل جهاز صندوق التنمية العقارية لتصل إلى %84 في الربع الأول للعام الحالي من إجمالي حصة سوق التمويل العقاري بالمملكة.
ووصل حجم تمويل الصندوق 14.9 مليار ريال خلال الربع الأول من العام الحالي، مقابل 6.4 ملياراً في الربع الأول من العام الماضي، بينما ارتفعت محفظة التمويل العقاري للصندوق في الربع الرابع من 2018 إلى %41 بقيمة 10.5 مليارات ريال.
تحدي الاستدامة
وفي مقابل إشكالية التضخم المالي وارتباطه بواقع الإسكان والإقراض، يرى الدكتور صالح السلطان أن موضوع الاستدامة يمثل التحدي الأكبر أمام الصندوق العقاري – الممول الحكومي لإسكان المواطنين- إذ يلفت إلى موضوع التساؤل حول مدى رسوخ الدعم وقدرة الصندوق على الاستمرار في تقديم الدعم على مدى عشرات السنين، دون حاجة إلى انتظار المتقدم لفترات طويلة.
ويشير السلطان إلى أن الطريقة التقليدية في سياسة الصندوق لا تقبل الاستمرار إلا في حالة واحدة، وهي استمرار ضخ عشرات المليارات من المالية العامة كل سنة في الصندوق، لمدة طويلة جداً، مفيداً أن من محاسن الصندوق أن مبلغ الدعم يوزع على مدة القرض، ما يجعل عدد المستفيدين سنوياً أكبر بضع عشرات مرات مقارنة بالطريقة السابقة، وهو الأمر الذي يخفى على كثيرين.
ولكنه يرى في جانب العيوب أنها لا تتيح لفئة كبيرة من ذوي الدخول المنخفضة الحصول على قرض يمكنهم من امتلاك مسكن في مستوى قريب من مستوى كان بإمكانهم تملكه وفق الطريقة السابقة، مجدداً تساؤله حول مصدر سداد الدعم، إذ إنه بعد سنوات وحين ينتهي سداد قروض الصندوق وفق طريقته القديمة، هل سيزيد حجم المشكلة التي تواجه الصندوق!
هذه النقطة، وفقاً للسلطان، تُعد مهمة حين النظر إلى ما يمكن أن يؤدي إليه من زيادة على ميزانية الدولة، لافتاً إلى أن المَخرَج هنا هو مفاتيح وسياسات تقبل التطبيق أهمها استثمار العقارات المهدرة للدولة، والثاني وضع برنامج ادخار إسكاني.
متوسط أسعار الشقق يتراجع %11 والفلل %12 في عام
التمويل الحكومي يصعد %133 في الربع الأول من 2019
متوسط سعر المتر المربع للأراضي يرتفع %7.2 خلال عام
20 ألف عسكري حصلوا على قروض حسنة
“التنمية العقارية” تعتزم تمويل ١١٠ آلاف مستفيد حتى ٢٠٢٠
الرياض- «الاقتصاد»
كشف صندوق التنمية العقارية على لسان المشرف العام خالد بن محمد العمودي، التأثير الذي أحدثه الصندوق خلال العامين الماضيين على نمو القطاع العقاري، بعد إطلاق برنامج الإسكان «سكني»، مشيراً إلى التحديات التي واجهها الصندوق مع الجهات التمويلية، عند تطبيق برنامج التحوُّل من الإقراض المباشر إلى الإقراض من خلال البنوك المحلية.
وشدَّد على أن صندوق التنمية العقارية استطاع التغلب على تلك التحديات بدلالة النجاحات المحققة منذ بداية برنامج التحوّل الذي بدأ في 2017 وحتى نهاية الربع الأول من 2019، إذ استفادت 86.7 ألف أسرة من شراء أو بناء مسكن خاص بها، بحجم المبالغ المودعة التي تصل إلى 46 مليار ريال.
ولفت العمودي ــ في إفطار رمضاني نظمه الصندوق ــ إلى أن «التنمية العقارية» خلال 40 عاماً من إنشائها وحتى تاريخ انطلاق برنامج التحوُّل، موّلت 860 ألف مستفيد بمعدل 20 ألف مستفيد سنوياً، بفضل الدعم الحكومي والعمل المباشر مع المواطن بمعزل عن تنمية قطاع التمويل العقاري.
وأوضح أنه بعد التحوُّل وتلبية الأهداف الطموحة لرؤية المملكة 2030، تغيرت استراتيجية الصندوق العقارية، وارتكزت على أربعة محاور رئيسة، تمثلت في محور تنمية منظومة التمويل العقاري، ومحور الارتقاء بتجربة المواطن، ومحور التميُّز المؤسسي والتشغيلي، ومحور الاستدامة المالية.
وبيَّن العمودي أن أهداف الصندوق واضحة فيما يتعلق بتقديم الحلول التمويلية لـ 480 ألف مستفيد على قوائم الانتظار، إذ صدرت الموافقات لـ 370 ألف مستفيد حتى العام الحالي، متوقعاً أن يحصل 110 آلاف مستفيد على الموافقات الفورية مطلع العام المقبل 2020، مؤكداً انخفاض قائمة الانتظار لطالبي الدعم السكني إلى نسبة %77.
ولفت إلى أن الموافقات تصدر فوراً متى كان لدى المستفيد الجاهزية للاستفادة من الدعم المالي المقدَّم من الصندوق، فيما إذا لم تصدر الموافقة يستفيد من خدمة «عجّلها» عبر موقع الصندوق الإلكتروني.
وبحسب العمودي، فإن الصندوق كان يدعم 20 ألف مستفيد سنوياً قبل العام 2017، بينما يدعم الآن أكثر من 10 آلاف مستفيد شهرياً، كاشفاً عن وصول خدمات الصندوق إلى 15 ألف مستفيد شهرياً قبل نهاية العام الحالي، مبيناً أن أكثر من 20 ألف عسكري حصلوا على قروض حسنة.
وأوضح العمودي أن «التنمية العقارية» مكّنَ 10 آلاف مستفيد من العسكريين للحصول على الدفعة المقدمة لشراء المسكن الأول، كما أطلق منتج دعم الدفعة المقدمة لشراء المسكن الأول للمدنيين ممن تبلغ أعمارهم خمسين عاماً وأكثر، لافتاً إلى أن الصندوق أتاح تمكين أكثر من 13 ألف مستفيد من ذوي الدخل المحدود أو ممن شارف على التقاعد أو منسوبي القطاع الخاص للحصول على تمويل عقاري سكني.
وأضاف المشرف العام على صندوق التنمية العقارية إن ما تحقق خلال الفترة الماضية يدل على ثقة المستفيدين بالمنتجات التمويلية التي يقدِّمها الصندوق بالتعاون مع شركاء التمويل من البنوك وشركات القطاع الخاص، متوقعاً أن يحقق الصندوق نهاية العام الحالي رقماً قياسياً في عدد العقود الموقعة مع المستفيدين.