كل الشواهد والإشارات، تسبقُها «الأرقام»، تؤكّد أن قطاع «الفندقة» السعودية يتّجه إلى انتعاشة كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة، وأن قطاع «الفنادق» بالمملكة سيتحول إلى «قاطرة» تقود قطاع الفنادق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. عيون كبار المستثمرين العالميين في قطاع الفندقة تتّجه ــ بقوة ــ إلى المملكة، الفنادق ذات السمعة الأبرز في العالم، والعلامات التجارية الأكبر عالمياً، والأسماء الأكثر شهرة في «الفندقة» الدولية حريصة على «الاستثمار» في قطاع الفنادق السعودي الذي يشهد «منافسة» حادة على الفرص الاستثمارية.. والتوقعات تشير إلى استثمارات فندقية «قادمة» إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى 2023، بقيمة 30 مليار دولار، منها مشروعات بـ 3.9 مليار دولار في السعودية، تُشجّعُها بيئة استثمارية، وبنية تحتية مواتية، ضمن استراتيجية شاملة في إطار «رؤية 2030» التي حرصت على تعظيم العائد من السياحة السعودية وأتاحت لها إسهاماً كبيراً بلغ %3.3 من الناتج المحلي الإجمالي.. ماذا يجري؟ وما المتوقّع في قطاع «الفنادق» السعودية، بعد التطوير الواسع والشامل الذي قامت به الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني؟ الإجابة قادمة، فيما ترصد «الاقتصاد» مستقبل الاستثمار الفندقي في المملكة.
2354 فندقاً بالمملكة 2018 مقارنة بـ 1800 في 2017 بزيادة %23.5 و«السياحة»: 3000 فندق في 2020
توقعات باستثمارات فندقية تفوق 30 مليار دولار حتى 2023 بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا منها مشروعات بـ 3.9 مليار دولار في السعودية
«السياحة والتراث الوطني» تُموّل 33 مشروعاً فندقياً وسياحياً في 13 منطقة بقيمة 1.1 مليار ريال
باتت مدن المملكة هدفاً بارزاً للعلامات الفندقية العالمية التي تتطلع للتواجد في السوق السعودية والاستفادة من مناخ الاستثمار الذي تزدهر فيه صناعة السياحة والضيافة بشكل لافت عن بقية الدول بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يسهم النمو القوي في أعداد السياح والزائرين للمملكة على مدار العام من مختلف أنحاء العالم في ارتفاع نسب الإشغال الفندقي. وتبرز الحاجة إلى مزيد من المنشآت الفندقية، خاصة مع تدشين المشروعات السياحية الكبرى في نيوم والبحر الأحمر والعلا وأمالا والقدية وغيرها، وذلك في إطار توجهها القوي لتكون في طليعة أفضل الوجهات السياحية الإقليمية والعالمية خلال السنوات المقبلة.
أرقام وفرص
تزخر المملكة بالفرص الواعدة في مختلف المجالات الاقتصادية وفي طليعتها قطاع الضيافة، ويعزِّز من ذلك اعتماد قطاعات السياحة والتراث الوطني كأحد أهم العناصر الأساسية في رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحوُّل الوطني 2020، وأحد أبرز البدائل لاقتصادات ما بعد النفط وتحقيق التنمية المستدامة. وأسهم الاستقرار السياسي وتوافر الأمن والأمان، وكذلك مناخ الاستثمار الجيد، وتمتع غالبية مدن المملكة ببنية تحية عالمية المستوى في نمو عدد الفنادق في المملكة في السنوات الماضية بشكل لافت، إذ وصل بنهاية 2018 إلى 2354 فندقاً، وذلك بزيادة %23.5 مقارنة بعام 2017 البالغ عددها 1800 فندق، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومن المرجح أن يرتفع عدد الفنادق بالمملكة لأكثر من 3000 فندق عام 2020. وتتوزع غالبية تلك الفنادق في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والرياض وجدة والخبر، وتتبوأ كل واحدة من هذه المدن مكانة مرموقة بين أبرز المدن من حيث أنشطة تطوير الضيافة في منطقة الشرق الأوسط.
القاطرة الشرق أوسطية
وتؤكد دراسة صادرة عن مؤسسة «ميد بروجكتس» المتخصصة في مجال متابعة وقياس أداء المشروعات الفندقية، أن المملكة العربية السعودية تقود قاطرة النمو في قطاع البناء الفندقي بمنطقة الشرق الأوسط باستثمارات تتجاوز 10 مليارات دولار، وذلك بفضل المشروعات الكبرى التي يشهدها قطاع السياحة في السعودية وفقاً لرؤية 2030، مما يعزز فرص استقطاب مدن المملكة لمزيد من استثمارات العلامات الفندقية العالمية خلال الفترة المقبلة. كما توقع تقرير صادر عن «المنتدى العربي للاستثمار الفندقي 2019» أن تصل الاستثمارات في القطاع الفندقي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لنحو 30 مليار دولار خلال الفترة من 2019 وحتى 2023 منها مشروعات بقيمة 3.9 مليار دولار في المملكة العربية السعودية وحدها، وذلك في ظل نمو أعداد المترددين على المزارات السياحية المختلفة المنتشرة في أنحاء المملكة.
«السياحة والتراث الوطني» وبرامج طموحة
ويعزِّز من نمو الاستثمار الفندقي في المملكة حرص الحكومة، وفقاً لرؤية القيادة الرشيدة، على تخصيص حزمة محفزات أبرزها برنامج «الإقراض الفندقي والسياحي»، وهو إحدى ثمار التعاون بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ووزارة المالية. ويختص بدعم المشاريع الفندقية في المناطق الأقل نمواً، التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، مثل أبها والباحة والأحساء وغيرها، ويوفر البرنامج تمويلاً لا يقل عن 100 مليون ريال سعودي، لإنشاء الفنادق في هذه المناطق. كما يستهدف البرنامج أيضاً تطوير الفنادق والعناصر الملحقة بها والأجنحة الفندقية، وصالات ومراكز المؤتمرات، إضافة إلى المنتجعات والنزل السياحية، والفنادق التراثية، والخدمات السياحية، ومؤخراً أنهت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني متطلبات تمويل 33 مشروعاً فندقياً وسياحياً في 13 منطقة، بقيمة تمويلية تبلغ 1.1 مليار ريال.
كما شهد الربع الأول من العام الجاري 2019 موافقة اللجنة المشكلة من الهيئة ووزارة المالية، على 6 طلبات لإنشاء مشروعات فندقية، وذلك بقيمة تمويلية تتجاوز 71 مليون ريال. كما وجهت الهيئة في وقت سابق، باعتماد مشروع تطوير منصة إلكترونية وطنية للربط مع جميع الفنادق والشقق الفندقية في المملكة، لتقدم معلومات فورية دقيقة عبر استخدام التقنيات الحديثة لإثراء بنية القطاع السياحي، وذلك بهدف تطوير واستخدام التقنية لتسهيل الأعمال وتوفير المعلومات. ومن المرجح إطلاق المنصة المقرر في أغسطس 2019 وذلك ضمن الخطة المتكاملة التي تنتهجها الهيئة، وتهدف إلى زيادة عدد الزوار للمملكة، عبر تقوية مكانتها التنافسية في قطاع السياحة، والاستفادة من المزارات الثقافية والتراثية والمنتجعات الرائعة التي تحفل بها السعودية، مما عزز من نمو صناعة السياحة بها في الفترة الأخيرة، انسجاماً مع رؤية 2030، حيث تسهم القطاعات المرتبطة بشكل مباشر بالسياحة في تحقيق إيرادات تقدَّر بنحو 25 مليار دولار أي حوالي %3.3 من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن المجلس العالمي للسفر والسياحة العامة.
وتتوقع دراسة صادرة عن شركة الأبحاث كوليرز إنترناشونال مواصلة قطاع السياحة في المملكة النمو، خلال الفترة المقبلة، وترجح ارتفاع عدد الزوار القادمين إلى السعودية من الخارج بنسبة %5.6 خلال العام الجاري 2019 وتتوقع ارتفاع عدد الرحلات السياحية في المملكة من 64.6 مليون رحلة في نهاية العام الماضي 2018 إلى 93.8 مليون رحلة بحلول 2023، مما سينعكس إيجاباً على نسبة الإشغال الفندقي وحاجة السوق لمزيد من الاستثمارات في هذا القطاع.
25 مليار دولار نصيب القطاعات المرتبطة مباشرة بالسياحة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة %3.3
«هيلتون جاردن إن» في الجبيل و«وريزيدنسز شذا» بـ 205 غرف في الرياض و«شانغريلا» تستعد لافتتاح أول منشآتها في جدة مطلع 2020 وماريوت ترتبط باتفاقية لتطوير شيراتون طيبة المدينة
استثمارات عالمية
مناخ الاستثمار المتميِّز الذي تشهده المملكة انعكس خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تضاعفت أعداد الغرف الفندقية من 220 ألف غرفة إلى 490 ألف غرفة فندقية في كافة أنحاء المملكة، ومن المرجح أن يصل عددها إلى 650 ألف غرفة فندقية نهاية عام 2022 ووفقاً لتقرير صادر عن الشركة البريطانية «إس تي آر»، المتخصصة في الأبحاث الفندقية، فإن عدد المنشآت في مرحلة الإنشاء في منطقة الشرق الأوسط بلغ حتى نهاية الربع الاول من العام الجاري 424 مشروعاً فندقياً، تضم 125 ألفاً و52 غرفة، وتستحوذ السوق السعودية منها على نحو 42.5 ألف غرفة فندقية تمثل %42.9 من المعروض الحالي في المملكة.
وتعكس لغة الأرقام امتلاك قطاع الضيافة في المملكة لكافة مقومات النمو المستدام والقدرة على استيعاب التحديات التي تواجهها صناعة السياحة في الأسواق الدولية، فضلاً عن تواجده في طليعة أسواق المنطقة من ناحية متوسط الأسعار أو العائد على الغرف، وذلك رغم التوسع المتواصل في المعروض، الأمر الذي يعكس جاذبية الاستثمار في القطاع الفندقي بالمملكة، وهو ما دفع بعدد من العلامات التجارية الشهيرة عالمياً في قطاع الضيافة إلى توسيع نطاق استثماراتها في المملكة، من خلال تدشين فنادق جديدة في أنحاء المملكة، أبرزها: قيام سلسلة «هيلتون جاردن إن» بافتتاح فندق «هيلتون جاردن إن الجبيل» مؤخراً على كورنيش الجبيل بالقرب من الميناء التجاري، ويتكون من 8 طوابق بإجمالي 133 غرفة. فضلاً عن العلامة التجارية «وريزيدنسز شذا» التي افتتحت مؤخراً في الرياض ثالث فندق لها على مستوى المملكة، ويتألف شذا الرياض من 205 غرف. وهناك أيضاً العلامة الفندقية العالمية «شانغريلا» التي تستعد لافتتاح أول منشأة لها في المملكة العربية السعودية وتحديداً على طريق كورنيش جدة المواجه للبحر الأحمر وذلك مطلع العام المقبل 2020 ويتكون الفندق من 65 طابقاً بإجمالي 236 غرفة وشقة فندقية.
وهناك أيضاً شركة ماريوت الدولية التى ترتبط باتفاقية مع شركة «طيبة القابضة لتطوير فندق شيراتون طيبة المدينة من فئة الخمس نجوم، ويقع على مساحة أرض تبلغ 1,019 متر مربع في المنطقة المركزية بالمدينة المنورة بالقرب من الساحة الشمالية للمسجد النبوي الشريف، ويحتوي الفندق على 268 غرفة فاخرة، ومن المرجح أن تبدأ عمليات التشييد والبناء للفندق في الربع الثاني من عام 2020 على أن يكون الانتهاء من كافة التشطيبات والافتتاح الرسمي للفندق في عام 2023. كما سبق وأطلقت مؤخراً شركة «دور للضيافة» خدمات فندق ماريوت وشقق ماريوت التنفيذية في الحي الدبلوماسي بالرياض. وهناك أيضاً مجموعة تشويس الأمريكية للفنادق التي ترتبط باتفاقية مع مجموعة «سيرا القابضة» لتشغيل وإدارة سبعة فنادق جديدة في أنحاء متفرقة من المملكة، وذلك ضمن خطة التحوُّل التي سبق وأعلنت عنها «سيرا القابضة»، وتهدف إلى تطوير وتشغيل 6000 مفتاح بحلول عام 2022. وأيضاً شركة الفنادق الألمانية الرائدة، «دويتشه هوسبيتاليتي»، كشفت خلال مشاركتها مؤخراً في معرض سوق السفر العربي عن عزمها التوسع في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة عبر افتتاح سلسلة فنادق جديدة في دول الخليج، وفي طليعتها السعودية التي توفر مناخاً جيداً للاستثمار.
كما سبق للمملكة أن شهدت خلال 2018 افتتاح مجموعة من الفنادق لعلامات تجارية شهيرة إقليمياً وعالمياً في قطاع الضيافة، أبرزها: فندق وريزيدنس هيلتون الرياض، وفندق كوبثورن مكة المكرمة في جبل عمر، وفندق سويس بيلهوتل العزيزية مكة المكرمة، وفندق ميلينيوم جدة، وفندق هيلتون جاردن إن الخبر. وتحمل هذه المشروعات وغيرها في طياتها فرص عمل كبيرة واستقطاب لشريحة جديدة من السياح، الأمر الذي يجذب مزيداً من المستثمرين لاغتنام فرص النجاح المتوفرة في القطاع الفندقي بالمملكة خلال الفترة المقبلة.