الربيعة: التأمين الصحي مجاني للمواطنين وليس انتقائيـاً، شامل لكل الأمراض حتى المستعصية ويغطي تحت مظلته أكثرَ من 20 مليوناً
470 مستشفى منها 318 مستشفى عاماً و152 مستشفى خاصاً و5700 مركز صحي، منها 2300 مركز عام و3000 مركز خاص تخدم 32 مليون مواطن ومقيم و18 مليون زائر للحج والعمرة
المويشر: التأمين الصحي حبل إنقاذ للشركات المحلية من «الغرق» في الانهيار والإفلاس
لن تجد شركاتُ التأمين المعنيّة بالقطاع الصحّي سبيلاً سوى تطوير أوضاعها، إذا ما أرادت البقاء في ساحة المنافسة على «كعكة» التأمين الصحّي المتوقّع أن تُثير اهتمام كل العيون التي تترقّبُ ما تطرحه الحكومة السعودية من خُطط في هذا القطاع الذي يحظى بأكبر اهتمام من الدولة (حيث تستحوذ الصحّة على أكثر من 150 مليار ريال في الموازنة العامة للمملكة).. المشروع هو الأكبر في المنطقة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط، والقرار هو الأهم من نوعه وفي مجاله، مما يُرتّبُ مسؤوليات كبيرة على شركات التأمين، حتى ترقى إلى مسؤولية «القرار» و«المشروع»، فيما يرى كثير من خبراء التأمين ومسؤولون بوزارة الصحّة أن الخسائر التي تعاني منها أغلب شركات التأمين، ربما تُعطّلُ الشركات كثيراً، قبل أن تخطو الخطوة الصحيحة التي يراها بعضُ الخبراء في «الاندماج»، حلاً لمشكلاتها، وقفزاً على واقع الخسائر، تطلعاً إلى نصيب في «كعكة» التأمين الصحّي.
لا يؤجّل عملية المنافسة على «كعكة» التأمين الصحّي ــ حتى الآن ــ سوى أوضاع شركات التأمين التي حقق معظمُها أرقاماً كبيرة إلى حد ما في خانة الخسائر، إضافة إلى تحديات عدّة تواجهها هذه الشركات، توفيقاً لأوضاعها، قبل الانطلاق في أداء خدمة التأمين الصحي.
ففي خطوة عملاقة على صعيد صناعتي التأمين والصحة، تترقب شركات التأمين التعاوني العاملة في السعودية، قرار تطبيق التأمين الصحي للمواطنين، وهو المشروع الذي أكدت الدولة أنه بات قريباً وأن العمل يجري حالياً لترتيبه وتنظيم آلياته.
وتتطلع شركات التأمين أن يكون القرار خيط النجاة لمعظمها، في وقت تعاني فيه من تراجع حاد في أدائها مما ولّد لها مشكلات وصعوبات عديدة في مقدمتها عدم القدرة على الإيفاء بمتطلباتها المالية.
وقد اقتربت وزارة الصحة، من الانتهاء من مشروع التأمين الصحي على المواطنين، العاملين في القطاع الحكومي وعائلاتهم، الذي يعد أضخم مشروع تغطية طبية تأمينية في حال الانتهاء منه على مستوى المنطقة.
وكشفت مصادر داخل الوزارة لـ «الاقتصاد» عن أن المشروع سيرى النور في مدة لن تتجاوز في أقصاها عامين، ليكون الخطوة الأولى لخصخصة القطاع الصحي في البلاد، وهو إحدى خطط رؤية السعودية 2030، وبرنامج التحوُّل الوطني، وجزء كبير من منظومة الارتقاء بالخدمات الصحية وتقديمها بشكل أفضل.
وتأتي هذه الخطوة المرتقبة بعد عام من إلزام وزارة الصحة القطاع الخاص بكافة شرائح وأشكال كياناته العاملة تحته على التأمين على جميع موظفيه.
وبحسب تصريحات سابقة لوزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة سيكون التأمين الصحي للمواطنين مجانياً، ولن يكون انتقائياً، كما سيكون شاملاً لكل الأمراض حتى الأمراض المستعصية بنسبة %100، كما سيغطي زراعة الأعضاء، والأسنان، مشيراً إلى أن هذا المشروع سيغطي مباشرة أكثر من 20 مليوناً.
ويبلغ أعداد المشمولين بنظام الضمان الصحي في السعودية مع نهاية عام 2017 أكثر من 12 مليوناً مؤمن له، يشكلون قرابة %37 من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 2.7 مليون سعودي (بنسبة %23)، في حين بلغ عدد المقيمين 9.3 مليون مقيم، يمثلون %77 من إجمالي المؤمن لهم حالياً.
الجبر: الاندماج حل أمثل و«مؤسسة النقد» تدفع تجاه تطبيق هذا التوجه
أبو السعود: الشركات تعاني من خسائر تستدعي معالجة الأسعار
الحسيني: مهلة عامين كافية للشركات لترتب أوراقها تجاه مواكبة المرحلة
32 مليون مواطن ومقيم حجم سوق التأمين المستهدف في السعودية.. و34 شركة تأمين محلية تتأهب بتحسين بيئتها المالية وتلبية المتطلبات
تراجع حاد
يأتي المشروع الضخم، في وقت تعاني فيه شركات التأمين من تراجع حاد في أعداد وثائق التأمين الصحي المباعة، بعد أن تراجعت في العامين السابقين بنحو %72 أي بواقع 746.5 ألف وثيقة بنهاية 2017، مقارنة بـ 2.670 مليون وثيقة في 2016، وأرجع مختصون تحدثوا للاقتصاد السبب إلى تطبيق الوثيقة الموحدة الجديدة للتأمين الصحي.
يتخوف متخصصون في التأمين من أن تعجز شركات التأمين العاملة في البلاد، عن الوفاء بمتطلبات هذا المشروع الضخم، فعلى الرغم من وجود 34 شركة تأمين عاملة في البلاد، إلا أن ثلاثة منها فقط تستحوذ على أربع أخماس السوق، بحسب التقرير السنوي لمجلس الضمان الصحي لعام 2017 استحوذت ثلاث شركات منها على %80 من الحصة السوقية للتأمين الصحي، فيما حازت ست شركات %10 من حجم السوق، وتقاسمت 18 شركة أخرى الحصّة المتبقية من السوق والبالغة %10.
ويكشف التقرير أن شركة «بوبا العربية» تستحوذ على %40.6 من سوق التأمين، تليها «التعاونية» بـ%30.17، و«ميد غلف» بأكثر من %9 من إجمالي الحصة السوقية للتأمين في البلاد.
قطاع ضخم
يُعد القطاع الصحي واحداً من أهم القطاعات في البلاد، إذ يستحوذ سنوياً على جزء كبير من الموازنة العامة للدولة، حيث بلغ مجموع ما خصص لقطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية في موازنة السعودية للعام 2019، نحو 172 مليار ريال، متضمنة حوالي 47.7 مليار لمبادرات تحقيق الرؤية السعودية 2030.
ويصل حجم الاستثمار في المجال الصحي للسعودية أكثر من 150 مليار ريال، حيث تقوم وزارة الصحة وجهات حكومية أخرى بتقديم خدمات الرعاية الصحية، إضافة إلى القطاع الخاص. ويوجد في السعودية 470 مستشفى، منها 318 مستشفى عاماً، و152 مستشفى خاصاً، كما يوجد 5700 مركز صحّي، 2300 منها عام، و3000 مركز خاص. وتقدِّم هذه المنشآت الخدمة لأكثر من 32 مليون مواطن ومقيم، ونحو 18 مليون زائر سنوياً أغلبهم يأتون للحج والعمرة.
وبحسب بيانات وزارة الصحة، توفر تلك المستشفيات أكثر من 72 ألف سرير بمعدل 2.2 سرير لكل ألف شخص، ويعمل في القطاع الصحي السعودي أكثر من 425 ألف ممارس صحي، منهم 90 ألفاً أطباء، و190 ألف ممرض وممرضة.
حراك سريع
وبحسب متخصصين في القطاع، فإن المسؤولين في شركات التأمين شدوا خطى حراكهم لتحسين بيئتهم المنتكسة حالياً، والسعي تجاه تأهيل مؤسساتهم التأمينية، لتواكب المشروع العملاق الذي تعتزم الدولة تنفيذه.
وكشف المحلل المالي المختص بقطاع التأمين ماجد المويشر أن أغلب الشركات تقوم حالياً بتطوير أنظمتها، لتسريع عملية الموافقات الطبية، مشدداً على أن هذا يتطلب أن تكون المستشفيات أكثر جاهزية في التعامل مع شركات التأمين، وأن تكون أكثر دقة في تقديم طلباتها.
ويقول المويشر لـ «الاقتصاد»: التأمين الصحي سيكون حبل إنقاذ لكثير من الشركات، والتي عليها أن ترفع رأس مالها حالياً، لكي تكون قادرة على قبول المخاطرة المتوقعة، وربما نرى اندماجات بين الشركات، خاصة التي لديها عنصر قوة في أحد القطاعات على حساب البقية، إضافة لدخول شركات التأمين الأجنبية، كل هذه الأمور ستزيد من قوة شركات التأمين لتكون قادرة على الوفاء بالالتزامات المتوقعة منها.
وحول الأزمات التي تواجه شركات التأمين، يضيف المويشر: «المشكلة الأكبر التي تواجه شركات التأمين، هي التحايل، فمع الأسف %30 من الطلبات التي تم تقديمها في عام 2016 كانت غير صحيحة.
كثير من العوائق
وأكدت وزارة الصحة في غير مناسبة أنها تسعى لأن يكون مشروع التأمين الصحي على المواطنين متكاملاً بأسلوب قائم على الوقاية، بيد أن المعضلة الأكبر تكمن في قدرة شركات التأمين العاملة في البلاد على استغلال الفرصة.
ووفقاً لتقارير شركات التأمين الصادرة حول النتائج المالية، عن الربع الأخير من العام الماضي، فإن الشركات الخاسرة تفوق الشركات الرابحة بكثير، وعلى سبيل المثال منيت «المتحدة للتأمين» بخسارة 12 مليون ريال، فيما خسرت «الخليجية للتأمين» 7.6 مليوناً، وكذلك «العالمية» 7.8 مليوناً، فيما سجلت «سوليدرتي» 9.6 مليوناً خسارة، وكذا الأمر لشركة «أمان»، حيث فقدت خمسة ملايين و«الإنماء طوكيو مارين» 4.7 مليوناً، وفي المقابل ربحت «بوبا» 245 مليوناً، و«تكافل الراجحي» 77.2 مليوناً و«بروج» 25.4 مليون ريال، الأمر الذي يكشف الهوة الواسعة بين أداء الشركات.
وحاولت بعض الشركات، تحسين بيئتها المالية، فعمدت 9 شركات إلى إعادة هيكلة رؤوس أموالها في عام 2018، عن طريق رفع رأس المال أو خفضه، بهدف تحسين مستوى الملاءة المالية وإطفاء بعض الخسائر المتراكمة، وعليه قامت 5 شركات برفع رؤوس أموالها بنحو 740 مليون ريال، سواء عن طريق منح أسهم مجانية أو عن طريق حقوق الأولوية، وخفضت أربع شركات من رؤوس أموالها بمقدار 382 مليون ريال، فيما بلغ إجمالي هيكلة رؤوس الأموال لشركات التأمين التي تمت نحو 1.12 مليار ريال.
وهنا يؤكد الرئيس السابق للجنة التأمين في غرفة الشرقية صلاح الجبر أن وضع شركات التأمين الحالي يحتاج للمراجعة لتكون جاهزة لأداء الدور المطلوب منها مستقبلاً. ويقول لـ «الاقتصاد»: هناك دراسة مقترحة بألا يكون التأمين على المواطنين مقصوراً على شركة واحدة.
وأضاف الجبر أن مجلس الضمان الصحي بالتعاون مع وزارة الصحة سيقيّم الوضع، حيث يطلع على جميع تفاصيل شركات التأمين وخاصة التي تعمل في المجال الصحي وتعرف واقعها جيداً، مشيراً إلى أنه سيكون هناك نقاش طويل قبل اتخاذ أي إجراء، مع توقع طلب كبير على هذا النوع من التأمين، وقطعاً سيشمل ذلك كثيراً من ورش العمل المتخصصة.
وشدد الجبر الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة «ولاء» للتأمين التعاوني على أن الاندماج بين شركات التأمين سيكون خياراً مثالياً للاستعداد لهذا الحدث الكبير، ويضيف: هناك بعض الشركات بدأ فعلاً في خطوة الاندماج، ومؤسسة النقد ترحب بهذه الخطوات، بينما هناك كثير من الشركات تتناقش حول الاندماج.
وزاد الجبر متحدثاً عن مشكلات شركات التأمين: «تعاني الشركات في الغالب من ضعف رأس المال، ولكن هناك إدارات تسببت في ذلك من خلال حرب خفض أسعار التأمين لأسعار تنافسية وكانت لا تغطي التكلفة، لأنهم فكروا في المبيعات أكثر من الربحية النهائية، وهذا أثر في نهاية المطاف على وضع الشركة».
تحديات ماثلة
وأمام هذا المشهد المتحفز، يواجه القطاع الصحي كثيراً من التحديات، ما سينعكس سلباً على مشروع التأمين وقدرة الشركات العاملة في المجال على تلبيه الطلب المتزايد، وأهم تلك التحديات يكمن في ارتفاع التكلفة المالية، ونمو القطاع الصحي بشكل أسرع في التكلفة، وكذا مقارنة بنمو الناتج القومي، وهو يمثل تحدياً لغالبية دول العالم في السيطرة على التكلفة، مشيراً إلى أن تزايد الأمراض المزمنة وازدياد متوسط العمر في السعودية عوامل تحدٍّ أمام صناعة التأمين.
غير أن التحدي الأكبر يكمن في تسهيل الحصول على الخدمة، ومدى قدرة شركات التأمين على الوفاء بمتطلبات المشروع، وهنا يؤكد عضو لجنة وسطاء التأمين بمؤسسة النقد السعودية عماد الحسيني، أن شركات التأمين بوضعها الحالي لن تكون قادرة على النهوض بمتطلبات هذا المشروع الوطني، مشيراً إلى أن وضع شركات التأمين الحالي سيجعل من قيامها بذلك مهمة صعبة من دون تطوير برامجها، وزيادة عدد موظفيها.
ويضيف الحسيني لـ «الاقتصاد»: يجب أن يكون هناك موظفون مدربون بشكل جيد، لكي يكون هناك استيعاب للعملاء الجدد، فيما شركات التأمين قاصرة حالياً، وأغلبها يعاني مشكلات مالية. ويشدد الحسيني الذي كان نائباً لرئيس لجنة التأمين في غرفة الشرقية سابقاً، أن مهلة عامين، ستكون كافية للشركات لكي ترتب أوراقها شريطة أن تبدأ مبكراً في ذلك.
ويضيف: شركات التأمين ستحصل على مبالغ كبيرة من التأمين على المواطنين، ولكن في المقابل ستكون هناك مطالبات كبيرة تهدد الربح دائماً، إذا ما علمنا أن هناك 32 مليون مشترك، بدلاً من 12 مليون حالياً لم يتم استيعابهم بشكل جيد.
ويختتم الحسيني تصوراته بالتأكيد أن المشكلات الحالية ستستمر، إذا لم يتم الترتيب لهذا المشروع بشكل جيد من قبل الشركات العاملة، والعمل على زيادة عدد الكفاءات والتوظيف والتدريب المستمر للكوادر لمواكبة الحدث.
التوجه السائد
في المقابل، يؤكد عبدالعزيز أبو السعود، نائب رئيس الشركة السعودية للتأمين التعاوني «سايكو»، أن شركات التأمين قادرة على استيعاب العشرين مليون مشترك الجدد، في حال عملت على تطوير بيئتها الاستثمارية والمالية والتسويقية والإدارية.
يقول لـ «الاقتصاد»: هناك توجه لدى مؤسسة النقد لرفع رؤوس أموال شركات التأمين، وهو ما يعزز من قدراتها المالية أكثر، كما أن هناك عديداً من الشركات حققت أرباحاً في العام الماضي حتى لو كانت متواضعة»، مشيراً إلى أن عدد الشركات الخاسرة هي 10 شركات فقط من أصل 34 شركة.
ويفيد أبو السعود بأن وضع الشركات كان جيداً في عام 2016، إذ حقق القطاع أرباحاً تفوق 2 مليار ريال قبل تسجيله للتراجع الحاد في 2017، إلا أنه شهد تحسناً طفيفاً خلال العام الماضي 2018.
وزاد: الشركات تعاني من ارتفاع الخسائر، خاصة في قطاع التأمين الصحي، وهذا يستدعي معالجة الأسعار بدقة، وأيضاً التدقيق في التعامل مع الجهات التي تتسبب في تلك الخسائر، وهي عملية ليست عصية على الحل، ويمكن حلها بإشراف من مؤسسة النقد، خلال العام الجاري أو المقبل كحد أقصى.