في المحكية الخليجية تأتي كلمة “شرهة” على معنيين، الأول، العتاب كما في قول الأمير الشاعر خالد الفيصل “يا حبيبي شرهة العاشق كبيرة / كل ما زاد الغلا زاد العتاب”. والثاني، أنها تأتي بمعنى العطاء من كبير القوم أو ذو المقام إلى جماعته أو إلى المحتاجين أو المتأملين عطاءه، وهي في الثقافة الخليجية تشبه المعونة الاجتماعية. ويخطر لي الآن وأنا أكتب أن هذه التسمية فيها لطافة ورقي حتى لا تسمى العطية بمسمى الصدقة لمراعاة أحاسيس الناس الذين كان أغلبهم في حاجة قبل أن يمن الله بثروات الأرض الطبيعية.
إبان عملي رئيسا للقسم الاقتصادي في جريدة “الحياة” شهدت قصة انتهاء امتياز شركة الزيت العربية المحدودة “اليابانية” لإنتاج النفط في الجزء التابع للسعودية في المنطقة المحايدة مع الكويت، بعد أن خسرت نتيجة عدم رغبتها في العطاء الكافي مقابل ما تأخذ كما أحسب.
الجميع تابع القصة، لكن جريدتي وجريدة الشرق الاوسط بحكم “اللندنية” كانتا تعملان بحرية أكبر وجرأة أكثر من الصحف السعودية الرسمية على تلك القصة التي تابعتها وكتبت عنها غير مرة في حينه.
كان الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وكيل وزارة البترول أهم تنفيذي في هذا الملف، وبالطبع كان إضافة إلى إدارته الدفة نحو مصالح بلادنا، يتابع ما ينشر إعلاميا بدقة ويدعم كثيرا من الصحافيين بالمعلومة أو تصحيح المعلومة.
نشرت قصة في هذا السياق ليس عليها شائبة مهنية، لكن يمكنني وصفها اليوم بأنها لم تكن مناسبة من ناحية التوقيت، و”أجندة” المصادر، فـ “شره” عليَّ الأمير كمسؤول حريص على مصلحة بلاده، وقوة إعلامها وتأثيره، وبأسلوب رصين ومساعدة مهمة كمصدر رفيع، جعلنا نتابع التغطية بما يخدم بلادنا ويشبع مهنيتنا على الصعيد الاقتصادي الذي توليته، والسياسي الذي تولاه الزميل تركي الدخيل رئيس القسم السياسي في السعودية آنذاك وسفيرنا الحالي لدى الإمارات الشقيقة.
تذكرت هذه القصة التي أتمنى أن أكون دقيقا فيها لمرور ما يقرب من عشرين عاما عليها، وأنا أبتهج بالأمر الملكي الكريم بتعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزيرا للطاقة، فمنذ ذلك الحين إلى وقت قريب كان الأمير بالنسبة لي كصحافي، ولاحقا ككاتب، مصدرا مهما للمعلومة والفكرة في ملفات الطاقة، وبرنامج كفاءة الطاقة، وجمعية “كلانا”، المتخصصة في دعم ورعاية مرضى الكلى وذويهم، وجمعية الاقتصاد السعودية وحصلت منه على مدى أعوام على “شرهات” معلومات وأفكار، كثير منها ضمنته مقالاتي، خاصة في ملفي كفاءة الطاقة وجمعية “كلانا”.
الأمير عبدالعزيز أحد صناع استراتيجية الطاقة والسياسة البترولية للمملكة، وهو على مدى ثلاثة عقود ونيف أحد واضعي منهجية المحافظة على مصالح المنتجين والمستهلكين والحيلولة دون الإضرار بمصالح الطرفين، لاسيما أن قدرة المملكة الإنتاجية تسهم كثيرا في إعطاء إشارات إيجابية للأسواق العالمية.
يعتبر البترول هو محور قطاع الطاقة العالمي، واقتصاداته وتأثيراته على المنتجين والمستهلكين لها التأثير الأبرز في مؤشرات النمو والتفوق لأي اقتصاد، رغم أنه سلعة متذبذبة، تجعل الميزانيات أحيانا تتذبذب معها.
كتب مرة أن “هذه الخبرة العالية، والأداء المميز يمكن مجازا اعتباره أداء سيمفونيا في سوق الطاقة العالمي”، وبموقع المملكة الأهم في هذه السوق، وبخبرة ومكانة وزير الطاقة الجديد يمكن استعارة وصف “قائد الأوركسترا” العالمية للطاقة لأصف به الأمير عبدالعزيز.
أيضا الأمير عبدالعزيز بن سلمان حاول جاهدا أن يحصل الجميع في المملكة على “شرهة” هي عبارة عن التوفير المالي، والحفاظ على البيئة، عبر البرنامج الذي تبناه ورعاه ونجح في تنفيذه، وهو برنامج كفاءة الطاقة الذي يمكن اعتباره أحد أهم وأنجح المبادرات الحكومية التي قضت على كثير من السلبيات في أسواق الأجهزة، وفي ذهنية المستهلك للطاقة، وهي شرهة حصل عليها من انتبه ووعى ونفذ، وأبى من بقي على غي “عدم الترشيد”.
كثير مما أقول يعرفه صحافيون وكتاب كثر، بعضهم عاشه طويلا مثلي، ولذا كان “المخضرمون” في الصحافة والحرف أكثر سعادة بهذا التعيين المستحق من زملائهم الجدد لأنهم عاشوا فترات كانت المعلومة الصحيحة والدقيقة وبناء المصادر ليست شيئا يسيرا.
وفق الله بلادنا وقادتنا دوما وأبدا لتواصل الازدهار والنمو وتحقيق الأحلام والرؤى، ووفق الأمير المتواضع والمثقف في مهمته التي تهم كل العالم من منتجي ومستهلكي الطاقة، حكومات ومنظمات وأفراد.