ذكرنا كثيرا القول القديم، إذا عطست أمريكا أصيب العالم بالزكام، وإذا ألمانيا بخير، فأوروبا بخير، وأيضا إذا عطست الصين أصيب العالم بإنفلونزا الطيور.
الآن إذا عطست الصين لا ندري ماذا ستكون التداعيات!! خصوصا أن اقتصادها أصبح متشابكا بقوة مع الاقتصاد العالمي، لأنها تشكل أكثر من %16 من حجمه وبفارق كبير عن عام 2003 عندما كانت هذه النسبة عند %4 فقط، عدا ذلك يجب أن لا ننسى حجم صادراتها، وأيضا الدول التي تعتمد على طلبيات الصين من المواد الأولية مثل استراليا التي بفضل الصين فقط اكتسبت شهرة أثناء الأزمة العالمية، ومستويات الدولار الاسترالي خير شاهد على ما يحصل حاليا في الاقتصاد الأسترالي.
في بعض الفترات كان ملفتا صعود الدولار والذهب سويا، ويعتبر ذلك عادة من الإشارات غير الجيدة. فمثلا واضح ضعف اليورو في اتخاذ المبادرة دائما مع الدولار، ويبدو أنه في هذه المرحلة يواجه تحديات تضرب اقتصاد اليورو بسبب عواصف آتية من ألمانيا الاقتصاد الأكبر في المنطقة. وسأتناول أهم تأثيرات فيروس كورونا، حتى أصبح عاملا أساسيا في تحديد تقلبات الأسعار في الأسواق.
في المراحل الأولى من انتشار فيروس كورونا، كان التأثير الأول والمباشر على أسعار النفط بسبب طلبيات الصين التي هي أكبر مشترٍ للنفط الخام في العالم بأكثر من 10 ملايين برميل يوميا، وبالتالي أصبحت هناك مخاوف على الطلب العالمي للنفط، وهنا وبمقارنة بسيطة مع أزمة النفط في صيف 2014 والتي عرفت بصدمة النفط، وأتت بسبب تخمة في المعروض النفطي، أما حاليا فهبوط الأسعار يأتي بسبب مخاوف على الطلب.
في مقابل ذلك كان هناك تماسك مهم لأسواق الأسهم في البدايات، إلى أن بدأ الفيروس بالظهور في كافة البلدان، ومع تزايد الإصابات بدأت التقلبات القوية والتذبذات العالية تسيطر على الأسواق التي انتقلت فيما بعد إلى مرحلة هبوط بأكثر من ألف نقطة في وول ستريت، وعناوين مثل أكبر هبوط يومي منذ زمن، وأكبر هبوط لجلستين، أو أدنى إغلاق شهري وأسبوعي منذ … وعناوين عن السوق الهابطة وغير ذلك، ومقارنة كل هذه الأرقام تاريخيا مع فترات أخرى مثل وقت الحرب العالمية، كل هذه العناوين يتسابق عليها الإعلام ويصبح الـ “عاجل” شغالا بقوة في تلك الأوقات، وتكون هناك متابعة قوية من نسبة كبيرة من الأشخاص المتداولين وأيضا غير المهتمين بالأسواق، وهذه الأخبار لا يمكن إلا أن تجذب الجميع، وتجتمع معها مخاوف من حصول أزمة اقتصادية، وبالتالي تكون هناك متابعة قوية لمعرفة إلى أي مدى يمكن أن تتفاقم الأمور ويؤثر انهيار الأسواق على حالة الاقتصاد.
على جبهة السلع بإمكاننا القول إن فترات كثيرة من الأشهر الأخيرة كانت أسعار البلاديوم والذهب هي المتألقة، بينما في المقابل كانت أسعار النفط وعلى فترات متعددة أيضا تتعرض لخسائر قوية وتكون من بين أكبر الخاسرين.
العائد على السندات يلعب دورا محوريا في أسعار الذهب، وبما أن المعدن الأصفر لا يقدم أي عائد فإن أي قرار بشأن الفائدة من البنوك المركزية الكبيرة وخصوصا من طرف البنك الفيدرالي الأمريكي يؤثر بقوة، لأن الذهب مثله مثل أية سلعة يباع بالدولار، وبالتالي عندما يكون هناك قرار مهم بالتخفيض أو بالرفع فإنه سينعكس حتما على الأسعار.
عوائد سندات الخزانة الأمريكية هي الأكثر متابعة بالنسبة لأسعار الذهب، وشاهدنا في الأسابيع الأخيرة كيف هبطت عوائد الـ 5 سنوات والسنتين دون مستوى %1، وأيضا كانت هناك مستويات تاريخية لعائد 10 سنوات والذي يعتبر الأشهر والأكثر متابعة.
إذا ألقينا نظرة على الموجة الصاعدة للذهب، نجد أن القفز فوق 1400 و1500 دولار أتت بدعم مباشر من الدولار، ومن قرارات الفيدرالي الأمريكي، ثم الجيوسياسية وفيروس كورونا صعدتا به إلى مشارف 1700 دولار، والآن عادت الكرة مجددا إلى ملعب الفيدرالي الأمريكي، وهناك حديث الكثير من الخبراء عن الإجراءات التي يمكن أن تتخذها البنوك المركزية في العالم، وبشكل رئيسي الاحتياطي الفيدرالي، لمواجهة تداعيات أزمة قادمة، أو على الأقل للتحوط من فترات صعبة على الاقتصاد في المرحلة القادمة أيضا.
الملاحظ أن بعض البنوك العالمية تسابقت على إعطاء أهداف للذهب بالنسبة للمرحلة المقبلة وجميعها تقريبا توصي بأسعار عالية فوق مستويات 1700 دولار، فمثلا بنك UBS أرسل إلى عملائه رسالة في 21 فبراير يقول فيها إن الذهب سيكون فوق 1650 دولارا في الأسابيع التي بعدها، وكان سبقه في ذلك مجموعة Citi التي قالت إن الذهب سيسجل قمة عند 2000 دولار خلال فترة من سنة إلى سنتين، وعلى المدى القصير تتوقع المجموعة مستويات 1700 دولار خلال 6 أشهر إلى سنة مدعوما بمعدلات الفائدة على المدى القصير بسبب عدة عوامل أبرزها عدم اليقين بالنسبة للحرب التجارية وانتخابات الرئاسة الأمريكية.
مؤشر الخوف وبعد سبات طويل، عاد يلفت الأنظار مع القفزات التي كان يسجلها في جلسة واحدة، ولا تقارن هذه القفزات إلا بقفزات عملة الـ “بيتكوين” أثناء حقبتها الذهبية والتي كانت قفزاتها أيضا أكبر وتصدرت عناوين وسائل الإعلام.