القرار الحكيم الذي صدر مؤخرًا والمتعلق بتجنيس نخبة مختارة من العلماء والمبدعين والمفكرين في مختلف العلوم والإبداع الفكري، الذين يرغبون في حمل الجنسية السعودية، يذكرنا بحامل لواء الوطنية الشيخ عبدالله الطريقي ـ رحمه الله ـ فقد كان خلال حقبة الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، يجابه وحده عمالقة شركات البترول التي كانت تملك شركة الزيت العربية الأمريكية “أرامكو”، بما لديهم من المتخصصين المخضرمين في المحاماة والهندسة والحسابات والقانون، وهو لا يملك إلا شهادته في الجيولوجيا، مع قسط وافر من الوطنية والحنكة والحكمة. كان هدفه ومهمته كمدير عام إدارة شؤون البترول في وزارة المالية، قبل إحداث وزارة البترول في المملكة، التأكد من حصول المملكة ومواطنيها على كامل حقوقها المالية ولمواطنيها فرص التدريب والتأهيل للعمل في شركة البترول. ولم يكن التعليم في البلاد حينها يُخرِّج متخصصين في تلك المجالات الحيوية قبل إنشاء الجامعات المحلية.
وكان من مسئوليات الطريقي، حديث التخرج من جامعة تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية، مراقبة أعمال شركات البترول من النواحي الفنية والعمالية والمالية، واستطاع بدقة ملاحظته ومتابعته وحكمته وعبقريته اكتشاف أمور كثيرة، أضافت إلى الدخل الحكومي مبالغ كبيرة، ومهدت الطريق لتطوير مهارات موظفي الشركة من المواطنين وفتح مجال الابتعاث.
والشاهد هنا، أن الشيخ عبدالله الطريقي كان في حاجة مُلِحَّة لوجود موظفين دائمين يعملون معه ولديهم مؤهلات جامعية وخبرات عملية في الهندسة والقانون والمحاسبة، ولعدم وجود مواطنين بتلك المواصفات فقد اضطر إلى استقدام عدد محدود من الأخوة العرب الذين يحملون تلك المؤهلات، وحرصًا على ضمان ولائهم واستدامة بقائهم معه، اقترح تجنيسهم كخبراء، ووافق المقام السامي على ذلك، ورغم الموافقة السامية وقبول مجلس الوزراء للفكرة، إلا أن نفرًا من الصحفيين والكتاب انتقدوا وبعنف شديد تلك الخطوة التي لم يكن حينها بُدٌّ من اتخاذها. وصبوا جام غضبهم على الطريقي، وكأنه عمل جرمًا شنيعًا بحق الوطن، غير مدركين أهمية ما كان يواجه من عتاة شركات البترول في سبيل الحصول على حق مشروع وحاجته إلى المؤازرة من خبراء في مجال عقود وإنتاج البترول، حتى يتوفر من المواطنين منْ سوف تكون لديهم الكفاءة والخبرة المطلوبة. وهو ما حصل بعد سنوات من الابتعاث والإعداد الذي كان للشيخ الطريقي الفضل بعد الله في مجهوده.
وسوف إن شاء الله نفرد مقالاً مستقلًّا لجهود الشيخ عبدالله ـ رحمه الله ـ ودوره في توجيه البعثات الخارجية وإنشاء جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، خصوصًا البعثات التي كانت تتجه إلى أمريكا، منبع الخبرات البترولية، لدراسة الهندسة والتخصصات الفنية التي تتعلق بالصناعة البترولية.
كان الطريقي قد تم تعيينه عام 1948، بعد حصوله على الماجستير في جيولوجيا البترول من جامعة تكساس، كمسئول في مؤسسة كانت تابعة لوزارة المالية في بداية متواضعة، كان يطلق عليها “إدارة شئون البترول”، وبمجهوده الشخصي وطموحه، نمت خلال العشر سنوات التي تلت لتصبح إدارة في مقام وزارة، ولكنها ظلت تحت مظلة وزارة المالية حتى تحولت إلى وزارة البترول والثروة المعدنية عام 1960م. وكان تعيين الشيخ عبدالله كأول وزير
بترول في المملكة، تحصيل حاصل، فعندما أنشأ الطريقي مع زميل فنزويلي منظمة الأوبك، لم يكن حينئذ وزيرًا بعد، وفي الواقع، فإن المتتبع لسيرته وأعماله سوف يجد أن إنجازاته الوطنية التي كانت تتمثل في مكتسبات مالية للدولة وحقوقية وتحسين أوضاع في مجال عمل المواطنين في شركات البترول، معظمها قد تم الحصول عليه قبل أن يصبح الطريقي ـ رحمه الله ـ وزيرًا.