كمّ كبير من الرؤية العادية للتجارة تميّز فيها أهل منطقة السواحل في الجزيرة العربية عن غيرهم من أبناء الأقاليم الداخلية، إقليم وسط الجزيرة أو منطقة نجد، أو المنطقة الوسطى من السعودية.
فحتى بعد الوفرة أو ما عُرف
بـ”الطفرة” انتهى بعض أهالي المنطقة إلى ثراء عقاري والقليل جداً منهم دخل التجارة العصرية.
الثراء العقاري جاء غالباً من فرص ناتجة عن قرب الأهالي من مركز القرار “العاصمة” وابتسم الحظ لدلالي العقار، وأكثر الناس ـ في مرحلة ما ـ تحوّل إلى دلال. ولا يُخفي جهله في منافذ التجارة الأخرى كالأجهزة والخدمات ومقاولات التنفيذ التقني الحديث.
قلة من رجال المنطقة من جيل ما بعد الستينيات الميلادية جاوزوا الخوف، ودخلوا في أعمال تجارية اعتمدت على المعرفة الـKNOW – HOW أكثر من اعتمادهم على شهرة تجارة آبائهم.
ثمة أشياء في البيع والشراء اختفت في جزيرة العرب، وثمة أشياء وسلع جديدة ظهرت لا علم لدى التاجر التقليدي عنها. ويتحسر الباعة وأصحاب المتاجر على ماضي الحي العريق، ويدندنون أحيانا بأغنية:
ليْسه كريز من الحسا عسى أريش العين يتزنيه “أي يقتنيه” والهدايا وغيرها كانت تُعمّر التجارة مع منطقة الأحساء. ويبادر بعض الشعراء بذكر وقائع قديمة لوالده ولقائه بمشاهير تجار السواحل الشرقية.
وحتى بعيد الحرب العالمية الثانية لم تلمع أسماء تجارية لتشمل مناطق كثيرة. كانت أغلب الثروات الأهلية تتكدس في الحجاز، في مينائها وقنطرتها التجارية الأولى، جدة وعند بيوتها التجارية.
فيما كان تجار مكة، يعملون إما شركاء أو وكلاء أو موزعين لبيوت جدة. مثلا كان التاجر الفلاني في مكة شريكاً ووكيلاً في مكة لبيت تلك الأسرة التجارية المشهورة، في توزيع منتجاته أو خدماته. لكن البعض من أهالي نجد لا يزالون يمارسون تجارتهم عبر النمط القديم والتفكير التقليدي. مثل ذلك العقاري الذي وقف أمام مدرسة في انتظار ابنه، وعندما خرج مئات الطلبة من باب المدرسة التفت إلى صديق له يقف بجانبه قائلاً له: “ترا كل هاذ ولا بكرا، يبون أراضي” أي: كل هؤلاء الصغار غداً سيحتاجون إلى قطع أراضٍ، وقصده بهذا أن تجارة العقار قائمة ما قام الدهر، بغض النظر عن الدخول وارتفاع وانخفاض أسعار الطاقة.
هذا تفكير جزء كبير من أهل المنطقة، ربما لأن أهل نجد مارسوا أنماطا من التجارة مختلفة. مثل ما يُسمى السابلة أو المسابلة وهي نوع من أنواع التجارة قديما وتعتمد على المقايضة، عمل بها سكان بادية الكويت وبادية المجاورة قديما، حيث يبيع سكان البادية بضائعهم من الخيام.
ومرّت نجد في مرحلة المسابلة تلك، فمعظم بلدات نجد يكون لديها فائض من التمر. وإذا أصابت البادية خيراً من الربيع، أتى رجالها إلى المدن لبيع ما لديهم من سمن أو مواشٍ، وبعضهم يجد كسبا في المسابلة فيقوم بإبدال ما عنده بـ “قلال” التمر.
ومع مرور الوقت وظهور التقاسيم لم يبق أحد بسابل في الكويت قديما، إلا عريب دار الكويت وهم يحسبون على الكويت وليس من خارجها وهم من يسابلون في فترة الربيع لبيع منتجاتهم.
هذه فكرة بسيطة عن المسابلة التي عرفها سكان البادية في الكويت والمناطق المجاورة لها حيث كان الكثير من الدول والبلدان المجاورة للكويت يتوجهون لها لشهرة أسواقها وتنوع بضائعها، إضافة إلى الثقة التي كانت سائدة آنذاك بين تجار نجد وتجار المناطق الساحلية والخليج.