يصعب تعريف القيادة بشكل عام، وعلى وجه الخصوص قادة إدارة الأزمات التي تتميز بظرف طارئ قد لا يُعرف مصدره وسببه وطريقة التعامل معه لعلاجه، لكن هذه الظروف أو الأزمات تعد الميدان المناسب لبروز القادة الذين يستطيعون إدارتها والتعامل معها بشكل ناجح وفعال للتخفيف من وطأتها على الدولة المعنية بالأزمة، بل وعلى العالم إذا كانت أزمة عالمية.
لقد كشفت أزمة فيروس كورونا المستجد عن تباين قادة العالم في التعامل مع الجائحة بفاعلية، وقد برزت قيادات ناجحة، وأخرى فاشلة في إدارتها لجائحة فيروس كورونا من حيث التشخيص والتوعية والسلامة والمعرفة العلمية بحجم الأزمة وأسبابها وعلاجها، لذلك ظهرت لنا حاجة العالم إلى قيادة عالمية تهتم بتشخيص ومكافحة الفيروس وعلاجه للحد من انتشاره وآثاره الصحية والاقتصادية والاجتماعية على العالم. كشفت الأزمة عن ضعف في القيادات العليا للدول في التعامل مع هذه الأزمة وكبح انتشار الوباء حول العالم بما في ذلك الدول المتقدمة التي اتضح فشلها سياسياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً في تقليل الأضرار التي تلحق بالعالم حتى هذه اللحظة جراء هذا الوباء الفتاك.
الأزمات العالمية سواء السياسية أو الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية حالات استثنائية تمر بها الدول، وتعد الاختبار المناسب لبروز مهارات قادة الأزمات الذين يعتبرون قليلون ويتميزون بصفات قد لا نجدها في معظم القادة التقليديين. إدارة الأزمات والمخاطر مهمة غير اعتيادية تحتاج لمهارات وقدرات عالية.
للقيادة السياسية دور كبير في خطابها الموجه للشعب سواء لبعث الطمأنينة أو التحذير من الوباء، لكن هذا الدور لم يكن كما يجب، فقد ظهر لنا قادة ينافون في سلوكهم ما يدعون إليه من وعي بأهمية الاحترازات الوقائية، ما جعل الشعوب لا تأخذ الجائحة على محمل الجد.
وقد برزت القيادة النيوزيلندية في إدارة الأزمة والحد من انتشار الوباء في نيوزيلندا لتعيش اليوم في بلد خالٍ من الوباء، وساعدها في ذلك أنها دولة بلا حدود برية مع أية دولة. وقد استحقت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن، الإشادة في إدارتها الناجحة لأزمة فيروس كورونا المستجد على مستوى العالم.
وبقراءة شاملة ودقيقة ومتفحصة وموضوعية نجد أن العالم متخم بالقيادات التقليدية التي قل أن نجد منها ما يتميز بصفات قبول المغامرة ومواجهة التحدي والتغيير الفعال والهادف لتتجاوز الأزمات، بل معظمهم يفكر بنفس النمط التقليدي القديم بعيداً عن الواقعية والموضوعية والشفافية والاستقراء والاستشراف المستقبلي والربط بين المتغيرات لتحديد المشكلة ومستواها وطرق علاجها. إنها قيادات تتفاعل مع الأحداث بعد وقوعها لتصلح ما أتلفته تلك الأحداث بدلاً من بناء قوة مؤسسية تجس نبض الأحداث لتتعامل معها قبل وقوعها. وهذه بلا شك صفة من الصفات الكثيرة التي تميز قيادات الأزمات عن غيرها، والمثال على ذلك هو ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين بينما أغلب دول العالم في سبات مما يحدث. والأجدر أن دول العالم تغلق حدودها مع دولة مصدر الوباء بسرعة للحد من انتشاره خارج الصين.
ومن الصفات التي تتحلى بها قيادة الأزمات تشكيل فريق عمل متكامل ومتمكن في مجال الأزمة للتعامل معها بفاعلية وكفاءة عالية، بحيث يتآزر أعضاء الفريق من حيث المعرفة والمهارة والخبرة والجدارة ليصبحوا مكملين لبعضهم. وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة تزويد القيادة العليا بالمعلومات الكافية لعمل ما يلزم لإدارة الأزمة بسرعة وجودة عالية كما أنه يتوجب على كل فرد في فريق العمل الأداء بشفافية ومصداقية.
وفي الختام الظروف والأزمات الطارئة تحتاج إلى قيادة مميزة عن القيادة التقليدية في العديد من الصفات الشخصية والقدرات والمهارات والجدارات التي تناسب حجم الأزمة وحدودها.