تمثل الشركات العائلية نسبة كبيرة بين مجموع الشركات في الاقتصاد السعودي، لذلك تبذل الحكومة جهوداً حثيثة لدعمها في نواح عديدة، حيث أنشأت هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لهذه المهمة. ومن الضروري أن تكون هذه الشركات قائمة على أسس إدارية ومالية وهيكلية قوية، لتستطيع مواجهة التحديات التي تحد من نموها واستمراريتها عبر أجيال متعاقبة عليها منذ تأسيسها، إلى أن تصبح شركات مدرجة في السوق المالية السعودية، بل تتجاوز حدودها المحلية إلى الإقليمية والعالمية.
الحوكمة الفعالة للشركات العائلية ضرورة ملحة، خاصة عندما يتم الفصل بين الملكية والإدارة. الحقيقة أن أغلب مشاكل الفساد تبدأ بعد تخلي المؤسس عن الإدارة، حيث يستغل بعض الرؤساء التنفيذيين مناصبهم لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة ملاك الشركات العائلية. الفصل بين الملكية والإدارة يستلزم قيام هيئة مستقلة عن الإدارة التنفيذية، بحيث تراقب أداء الرئيس التنفيذي وتوجيهه لتحقيق مصالح الملاك وبقية المستفيدين من الشركات العائلية، لأن الحوكمة الفعالة تفصل بين التدخل العائلي في الشركة، حيث تصبح المهام واضحة لكل من العائلة والإدارة التنفيذية، كذلك تحد من استغلال موارد الشركة بطرق غير مشروعة.
سيكون بإمكان مجلس الإدارة تطبيق الحوكمة بفاعلية وكفاءة عالية لحفظ أموال المستثمرين، بل سيمثل بعض أفراد العائلة بقية الملاك عندما يتم اختيارهم في مجلس الإدارة، فهم بطبيعة الحال أحرص على مسار الأداء الصحيح الذي يحقق الأهداف المنشودة. سيقوم مجلس الإدارة بتشكيل اللجان المتخصصة في المراجعة والتدقيق والرواتب والتعويضات والبحث عن رئيس تنفيذي جديد إضافة إلى لجنة المسؤولية الاجتماعية ولجنة إدارة المخاطر، بحيث تُعطى صلاحيات محددة تساهم في تسهيل وتسيير أداء كل من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.
ومن الأهمية عدم تضارب المصالح بين كل من أعضاء مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي فيما يخص المصلحة العامة للشركات العائلية، وبالطبع فإن تضارب المصالح يضر بالشركة وربما يؤدي إلى إفلاسها إذا لم تتم الحوكمة الصحيحة على أسس واضحة وشفافة لجميع الأعضاء والمستفيدين والإدارة التنفيذية.
تهدف حوكمة الشركات العائلية وكذلك الشركات المساهمة والمدرجة في سوق الأسهم السعودية، إلى حماية وتنمية مصالح المستثمرين فيها، خاصة مراقبة ومتابعة أداء إدراتها التنفيذية ومدى توافقه وانسجامه مع اللوائح والأنظمة الحكومية والمؤسسية التي تضبط الأداء والسلوكيات المهنية للإدارة التنفيذية. وتهدف أيضا إلى تقييم الخطط الاستراتيجية بما يتماشى مع الأهداف العليا للشركات. ومن مهام مجالس الإدارة في الشركات البحث والتعيين والتقييم لأداء الرئيس التنفيذي وإقالته وإحلاله بآخر إذا كان أداؤه ضعيفا أو إذا كان مخالفاً لمصالح المستثمرين ولم يحافظ عليها. ومن مهام مجالس الإدارة النظر في الخطط الاستراتيجية والقوائم المالية والموافقة عليها أو عدمه قبل نشرها للجهات المعنية والمساهمين، كذلك تحدد مجالس إدارات الشركات راتب وتعويضات الرئيس التنفيذي.
العديد من الشركات العالمية عانت وأفلست بسبب الفساد المالي والإداري لمجالس الإدارة والإدارة التنفيذية، ومنها على سبيل المثال إنرون الأمريكية وليمان برذرز وواشنطن ميتشوال وورلد كومب وبيرن ستيرن. ساهمت مجالس الإدارة بنسبة كبيرة في إفلاسها لأنها لم تكن نزيهة وشفافة، حيث تواطأت مع الإدارة التنفيذية لخدمة مصالحها على حساب المستثمرين.
وقد شهدت السوق المالية السعودية تعثر شركات مساهمة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث بلغت نسبة الخسائر فيها أكثر من %75 مما جعل هيئة السوق المالية تجمد تداولها. ملاحظات كثيرة على تشكيل مجالس الإدارة واختيار المدير التنفيذي وانضمامه لعضوية مجلس الإدارة وصلاحياته الممنوحة. وهناك الكثير من نقاط الضعف في حوكمة المراجعة الداخلية للشركات لأن غالبية مجالس الإدارة تريدها هكذا لخدمة مصالحها وليس لخدمة مصالح المستثمرين والمستفيدين من الشركات مثل المجتمع والحكومة والاقتصاد بشكل عام، ونلاحظ التباين في الأهداف المكتوبة والأهداف المحققة بشكل واضح مما يدل على سوء تشكيل مجالس الإدارة وما شُكِلت من أجله.
وأرى أنه من الأهمية المراجعة والتقييم الشامل لحوكمة الشركات العائلية بحيث لا تكون هناك فجوات يستغلها المنتفعون سواء في مجالس الإدارة أو الإدارة التنفيذية على حساب المستثمرين والاقتصاد، فقد كثرت مشاكل الشركات العائلية وكذلك الشركات المساهمة في السنوات العشر الأخيرة بسبب سوء مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية.
إصلاح هيكل مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية غاية قصوى لعلاقتها المباشرة بتحقيق رؤية المملكة 2030، ولمجالس الإدارة دور كبير في تحسين مستوى الإنتاجية من حيث الكمية والنوعية مما يطور المنافسة المستدامة للشركات العائلية على المستوى المحلي والعالمي. في الختام فإن حوكمة الشركات العائلية أساس لإدراجها في السوق المالية السعودية مما يساهم في نموها وتوسع منتجاتها وخدماتها المقدمة للمستفيدين منها.