إن كان هناك من تعريف عملي وصريح لمصطلح “عدم اليقين” والذي عادة ما تتناقله أوساط المراقبين الاقتصاديين ومحللي الأسواق في وصف حالة سوقية ما، فإن ما يشهده العالم حالياً جراء جائحة كوفيد19 هو التعريف الأمثل والأكمل والأكثر وضوحاً لهذه العبارة التي تطلق لوصف غموض مستقبل الأسواق وتقلبات العمليات الإنتاجية للسلع والخدمات .
في مثل هذه الأوقات من العام الحالي 2021 تحل الذكرى الأولى لانتشار هذا الوباء الذي عاث تخريباً بالأسواق وأصاب الاقتصاد العالمي بالشلل وعرقل أعمال الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم ، وعزل دولا لا بل قارات عن بعضها إثر الحجر الصحي وقبل هذا وذاك إزهاق الأنفس البشرية ، إذ لم يشهد التاريخ الحديث حظراً للتجول في معظم الدول كما شهدنا خلال العام المنصرم ومطلع العام الحالي ، وضرب في المفصل أعرق وأقوى الاقتصادات العالمية وألحق أضراراً كارثية بأسواق المال والسلع والإنتاج في كافة أنحاء المعمورة .
لقد بات العالم اليوم أمام تحد حقيقي يتمثل في كيفية الخروج من هذه الأزمة الصحية، وسبل مواجهة آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي واقع الحال فإن الخيار الوحيد والأقل تكلفة لمواجهة خطر محدق كهذه الجائحة والحد من تبعاتها المؤلمة لن يتأتى إلا وفق آلية جديدة ترتكز على تنمية التعاون وتكاثف جهود المجتمع الدولي كأسرة واحدة ، وإعادة تحديد وترتيب الأولويات، كما أن التنافس المحموم الذي شهدناه خلال الأشهر الماضية بين الدول العظمى في تحقيق السبق وتصوير الأمر وكأنه دلالة على حجم التقدم العلمي ومن يمكنه أن يقود العالم ويتزعمه مستقبلا بل والتشكيك الممنهج في حجم ما تحقق من دول بعينها لهو تصوير فج لضعف النفس البشرية ، ولعله من الأهمية بمكان أن نوقن بأن التاريخ قال كلمته ، وأثبت حقيقة الأهمية القصوى لمعنى التعاون والتنسيق بل والشراكة العالمية في مجال البحث العلمي .
لقد جسد ” كوفيد 19″ مفهوم أن العالم ” قرية صغيرة ” والمتتبع للأرقام المخيفة التي خلفتها الجائحة يلحظ كيف بتنا خلال ” ليلة وضحاها “على أعتاب عقد اجتماعي غير معهود .
وكلي أمل وتطلع بأن العالم بدوله وأنظمته وقادته قد تعلم “الدرس” جيداً ، فالمستقبل المجهول قد يحمل في طياته – لا قدر الله – كوارث أعظم لا قبل للبشرية بتكرارها ، وهذا ما بات يردده بعض علماء الوبائيات قياساً بتاريخ الجوائح .
إن الحاجة الماسة لتأسيس نظام صحي عالمي يتشارك خلاله العلماء والخبراء من مختلف انحاء العالم البيانات والمعرفة والخبرات لهو الخيار الوحيد لمواجهة أي طارئ كارثي وتغليب لمصلحة الإنسانية في مواجهة الأممية البغيضة .