اختلاف الثقافات والبيئة وطبيعة المعيشة .. تحديات واجهتها خارج الوطن
وجود المرأة بين المسئولين بالسفارات السعودية بالخارج فاجأ الغرب
كنت أول امرأة سعودية ترأس قسم شؤون السعوديين بالخارج
الأمير محمد بن نواف أستاذي ومعلمي في السياسة والدبلوماسية
حكومتنا وضعت الإنسان السعودي في بؤرة اهتمامها منذ التأسيس
عملي في قسم شئون السعوديين بالخارج عرفني على هموم الشباب
التخطيط والإصرار وإيمان الشخص بقدراته أهم مفاتيح النجاح
تمتلك 25 عاما من الخبرات العملية في المجال الدبلوماسي والقنصلي، أشرفت على العديد من الملفات وقدمت الكثير من الإنجازات، قيادية ناجحة، هي امرأة مكافحة بحسب وصف العديد من المحيطين بها، جهودها وحماسها في العمل منقطع النظير، كما أن خبرتها كبيرة في المجالات والاهتمامات المتعلقة بشؤون السعوديين في الخارج وشؤون الأسرة والشباب، إضافة إلى تخصصها في العلوم السياسية والاستثمار في الطاقات البشرية.
صدمتها الكبرى في وفاة زوجها دهساً أمام عينيها وأمام أعين أطفالها، دفعتها للأمام، فكانت وقوداًَ يحركها بعد أن أصبحت لأطفالها الأم والأب في آن واحد، ووجدت السند في عملها من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف، الذي كان أستاذاً ومعلماً وراعياً لها، فانطلقت تحقق ذاتها، وتؤكد أن المرأة السعودية لا تقل كفاءة عن أخيها الرجل إذا أعطيت الفرصة.
كل من سافر إلى بريطانيا للتعليم أو العلاج أو السياحة عرفها، إنها الدكتورة مها حمد اليوسف التقتها “الاقتصاد” فكان هذا الحوار.
من هي مها حمد اليوسف؟
مواطنة سعودية قبل كل شيء بعهد ثابت “الله ثم المليك والوطن” دونه نفسي وأهلي ومالي وعليه أسير وأعمل. مواطنة طموحة تسعى دائماً للتطوير والتغيير بما يناسب تعاليم الدين الحنيف والأخلاق والمبادئ السعودية التي تربينا عليها. مواطنة سعودية تحب العلم والتعلم وتؤمن بأن الإنسان الطموح لا تقف أمامه العقبات. مواطنة سعودية أفتخر ببلادي وأتباهى بها في كل محفل.
كيف خرجت من أزمة وفاة زوجك دهسا أمام ناظريك وأمام أبنائه؟
نحن مسلمون ومؤمنون بقضاء الله وقدره، وكل نفس ذائقة الموت، في ذلك اليوم تغيرت حياتي في لحظة، وترك زوجي ـ رحمه الله ـ فراغاً كبيراً خاصة أنها جاءت في فترة كنت في أمس الحاجة لوجوده، حيث كان أبنائي أطفالا صغارا ووجود الأب ضروري في هذه الفترة من عمر الإنسان، وبعد وفاته كنت أمام مفترق طرق إما الاستسلام للأزمة، أو تجاوزها، وبما أنني بطبعي لا أرضى الاستسلام فقررت أن أربط حزام الهمة والصبر وأخوض طريقا وعرا لأصل مع أبنائي إلى طريق النجاة والأمان والنجاح.
من هنا بدأت أفكر في خطة لمستقبلي ومستقبل أبنائي وبدأت أتكيف مع وضعي الجديد كأم وأب أمام مسؤوليات جسام، ولله الحمد والمنة بالإيمان والصبر ومساندة والدتي ـ يرحمها الله ـ استطعت أن أتجاوز الأزمة وأشق طريقي في الحياة، حاملة على عاتقي طموحي ومستقبل أبنائي. ولا أنسى أن لأبنائي دورا في تجاوز الأزمة، حيث كنت أحاورهم في كل موضوع ونتفق عليه وكنا نعقد اجتماعات وأجيب على تساؤلاتهم وأطرح الموضوعات بكل شفافية ووضوح وبعد أن قوي عودهم وضعنا خطة للمستقبل وبدأنا في العمل عليها. وهذا ساعد كثيراً في تخطي الظروف وجعلهم يحملون جزءا من المسؤولية لتسير الحياة. ومازلنا على هذا النهج في الحوار وتبادل الأفكار.
كيف كيف تعايشتِ أعواماً طويلة ما بين الحياة الدراسية والظروف المعيشية خارج وطنك؟
حياة الإنسان خارج وطنه فيها تحديات كثيرة من بينها اختلاف الثقافات واختلاف البيئة وطبيعة المعيشة. وفي حياتي تجربتان في الغربة في بريطانيا، الأولى كزوجة مرافقة لمبتعث دامت سبع سنوات تقريباً، والثانية كموظفة في السفارة دامت اثني عشر عاماً، وبين المرحلتين عشت بالمملكة سنوات ليست بالقليلة، ولكل مرحلة صعوبات وتحديات، ولكن سأتحدث لكم عن الفترة الثانية وهي عملي في السفارة السعودية بلندن من عام 2007م حتى 2019م. كنت خلالها موظفة وطالبة علم وأما وأبا لأبنائي، فكان التحدي أمامي كبيرا بحجم المسؤوليات، فالحياة في بريطانيا ليست جديدة علي ولا على أبنائي، ولكن ما كان جديدا هو مجال العمل الدبلوماسي الذي اجتهدت على أن أكون خير ممثل لبلادي، وأن أكون مثابرة في عملي، لأنني أدركت وقتها أنني من الصف الأول من الدبلوماسيات السعوديات، ونجاحنا سينعكس على من يأتي بعدنا، فحرصت أن أكون على قدر هذه المسؤولية، خاصة أنه في ذلك الوقت كان الغرب يتفاجأون بوجود امرأة سعودية بين المسؤولين بالسفارة السعودية، والذي عكس الصورة الحقيقية لما تقوم به المملكة من تمكين للمرأة وتمهيد الفرص لها وما تقوم به من تطوير وإصلاح بشأن المساواة والقضاء على التمييز بين الرجل والمرأة.
وفي الجانب الشخصي فالحياة لم تكن سهلة، كان مجمل وقتي في بريطانيا بين عملي وطموحي للحصول على الدكتوراه في العلوم السياسية، وبين استقرار أبنائي وضمان البيئة المناسبة لهم لتحقيق الهدف الذي جئنا من أجله لبريطانيا ليعودوا للمملكة بشهادات عليا وثقافة. كان هدفي أن أصنع للوطن رجالاً يخدمون دينهم ووطنهم ويحمونه ويذودون عنه، ولله الحمد والمنة مرت السنوات واجتزنا سوية الحواجز وعدنا للوطن وجميعنا الآن يعمل لخدمة الوطن بكل جد واجتهاد.
تم تعيينك كأول امرأة سعودية ترأس قسم شؤون السعوديين في الخارج، ما الفرق بين الماضي والحاضر؟
لأنني كنت أول امرأة سعودية تكلف بهذه المهمة في الخارج، فلابد أن أذكر من كان خلف مسيرتي العملية في الخارج ومعلمي الأول في المجال الدبلوماسي، وهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ السفير السابق لدى المملكة المتحدة والذي دعمني خلال 12 سنة عملت وتتلمذت فيها تحت قيادته السياسة والدبلوماسية في أعلى درجاتها، حيث يؤمن سموه بإعطاء الثقة والفرصة للمرأة، فله كل الشكر والتقدير في إيمانه بقدراتي وتكليفي بمهمات عدة ووضعي في الميدان لتمثيل المملكة أمام الجانب البريطاني في كثير من المحافل، خاصة أنه في تلك السنوات كان من الصعب تقبل المجتمع لعمل المرأة في بيئة مختلطة، ومن الصعب كذلك تقبل المجتمع عمل المرأة في الخارج، ولكن سموه وطني بامتياز ودبلوماسي من الطراز الأول وتهمه صورة المملكة الحقيقية التي أساء لها الإعلام الغربي لجهله بما تقوم به المملكة من جهود للتنمية والتطوير. وسموه الأمير الإنسان الذي يحمل هموم المواطنين في الخارج ويقف عليها شخصياً لذلك حرص كثيراً على وجود امرأة سعودية في قسم شؤون السعوديين، خاصة أنها كانت فترة بداية برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والذي كان للمرأة نصيب متساوٍ مع الرجل في جميع جوانبه العلمية والمالية، وكان عدد المبتعثات ومرافقات المبتعثين في بريطانيا ليس بقليل، إضافة لمراجعة كثير من المواطنات السعوديات قسم شؤون السعوديين.
واليوم تشهد المرأة نقلة نوعية تاريخية في الفرص والتمكين في زمن “الحزم والعزم” تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ـ يحفظهما الله ـ حيث أعلنت المملكة منذ العام 2016م رؤية 2030 الطموحة للرقي بالمملكة لمصاف الدول العظمى، والتي تعتمد على الاستثمار في الطاقات البشرية والتنوع في الاقتصاد وتمكين الشباب والكفاءات وتمكين المرأة، واليوم نشاهد المرأة تعتلي مناصب قيادية في المجالات المختلفة مثبتة جدارتها وكفاءتها والقادم أفضل بإذن الله.
جمعت بين العمل الدبلوماسي والسياسي وأنجزت مهمات صعبة. حديثنا عن ذلك؟
العمل في المجال الدبلوماسي والسياسي بطبيعته حساس ويتطلب الدقة والجدية والفطنة، فكل تصرف أو كلمة لابد أن تكون مدروسة فالدبلوماسي لا يمثل نفسه ولا أسرته، لكنه يمثل بلده، والعمل الدبلوماسي فيه مهام مختلفة من حضور مناسبات رسمية ولقاءات مع شخصيات من حكومة البلد المضيف أو من دبلوماسيين من بعثات دبلوماسية أخرى.
وكذلك العمل القنصلي فيه مقابلة للجمهور سواء في قسم التأشيرات لغير السعوديين لدخول المملكة أو قسم شؤون السعوديين، فالعمل ليس روتينيا مكتبيا، بل متنوع بتنوع الخدمات التي تقدمها السفارة أو القنصلية العامة من الأعمال والخدمات، ومن أهمها الاهتمام بالمواطن في الخارج، ونحن مؤتمنون على خدمة الوطن والمواطن في الخارج، فمن أهم مهام قسم شؤون السعوديين تقديم الخدمات التي تخص الوثائق الرسمية أو التي تخص القضايا القانونية وخدمة مصالح المواطنين في البلد المضيف من مقيمين وطلبة ومرضى ومرافقيهم والقادمين لبريطانيا بغرض الزيارة والسياحة أو التجارة وغيرها، ومن الطبيعي أن يكون حجم العمل كبيرا وحساسا ودقيقا خاصة في بلد مثل بريطانيا من ناحية عدد السعوديين المتواجدين على أراضيها أومن ناحية القوانين البريطانية التي قد يجهلها كثير من السعوديين القادمين لبريطانيا سواء بتأشيرة إقامة أو زيارة أو حتى الترانزيت في المطارات في مدن بريطانيا المختلفة. فالتوازن مطلوب في عملنا بين مصالح السعوديين في الخارج وبين قوانين وأنظمة الدولة المضيفة وفي بعض القضايا نقف بين ثقافتين قد تتضارب وتختلف، ولكن واجبنا حماية مصلحة المواطن وإيجاد الحلول وتذليل الصعاب أمامه بما يتوافق كذلك مع أنظمة المملكة وقوانينها، وبلادنا بقيادتها الحكيمة منذ التأسيس وضعت الإنسان السعودي في بؤرة اهتمامها منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز وسار على نهجه أبناؤه الملوك ـ يرحمهم الله جميعاً ـ والملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ ونحن نعمل تحت ظل قيادتنا وتوجيهاتها.
تعاملت مع ملفات الطلبة السعوديين في الخارج، كيف كانت مهمتك؟
صلب عمل السفارات هو الجانب السياسي والعلاقات الثنائية بين البلدين مع الجانب القنصلي والذي يتضمن رعاية مصالح المواطنين على أراضي الدولة المضيفة. وكما ذكرت لكم بأن السعوديين المتواجدين في بريطانيا عددهم ليس بالقليل مقارنة بدول أوروبا الأخرى والنسبة الأكبر منهم الطلبة المبتعثون وأسرهم المرافقة، فقسم شؤون السعوديين في بريطانيا يعمل كخلية النحل على مدار الساعة تحت توجيهات سمو السفير آنذاك، خاصة في مواسم الإجازات بالمملكة، حيث أن بريطانيا من أكثر وجهات السفر للسعوديين. ومن أهم الأعمال التي كنت أقوم بها الوقوف على القضايا ومتابعتها وحضور اجتماعات مع المسؤولين سواء من الجانب السعودي أو البريطاني، إضافة إلى عضوية لجنة شؤون الطلبة، والتي من خلالها استطعنا تذليل الصعاب أمام أبنائنا ومرافقيهم، وحل بعض القضايا والمشكلات التي تواجههم، كما كانت الزيارات لمقرات إقامتهم من أهم الأعمال التي قمت بها حيث كانت توجيهات سموه آنذاك لقسم شؤون السعوديين وللملحقية الثقافية عمل جدول زيارات لمدن بريطانيا المختلفة لتفقد أحوال الطلبة ومرافقيهم وإيجاد فرص تعليمية أكثر لهم في الجامعات البريطانية، خاصة في مجالات الطب والصحة والعلوم، ومن خلال هذه الزيارات يتم الاجتماع مع المسؤولين بالجامعات ومناقشة مناطق القوة والضعف لدى أبنائنا، كما أن سموه كان حريصا على مشاركتهم في الاحتفالات الرسمية والمؤتمرات والندوات التي ينظمها الطلبة من خلال الأندية السعودية بإشراف الملحقية الثقافية. كما كان الحال كذلك لمن قدم لبريطانيا لغرض العلاج كان التعاون مع الملحقية الصحية كبيرا جداً وكانت الزيارات وتفقد أحوالهم ومتابعة موضوعاتهم من أهم أعمالنا وكان سموه يحرص على زيارتهم شخصياً يرافقه الملحق الصحي ومسؤول من قسم شؤون السعوديين.
هل كان للتخطيط الاستراتيجي دور في تحقيق هدفك؟ وكيف يتم إعداد الشباب لمتطلبات سوق العمل بالمملكة؟
عملت في مجال التعليم الجامعي لأكثر من 10 سنوات من خلالها تعرفت على احتياجات الشباب، خاصة المرأة ووضعت ذلك أمام ناظري هدفا لدراسة الدكتوراه والبحث في التحديات التي تواجهها المملكة في زمن العولمة منها إصلاح الاقتصاد والاستثمار في الطاقات البشرية، حيث أن الشباب يشكلون أكثر من %60 من عدد السكان المملكة، وهم الثروة الحقيقية التي تدركها الحكومة والتي عملت على كثير من المشاريع والمبادرات العملاقة للاستثمار في الشباب، ومن أهمها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وما نراه اليوم من المشاريع الصغيرة ومن أفكار وإبداع في أغلبها نتاج جيل المبتعثين وجيل الشباب.
ومن خلال عملي في قسم شؤون السعوديين، تعرفت على هموم الشباب ومكامن الضعف والقوة ووجدت أن ما ينقص الشباب السعودي لتلبية احتياجات سوق العمل السعودي وتحقيق توجهات الدولة في دعم السعودة وتمكين الشباب وتمكين المرأة، يكمن في اكتساب المهارات الناعمة والمهارات الصلبة بموازاة العلم والمعرفة. ومن هنا بدأت أخطط للدراسات العليا وكان ذلك قبل انتقالي للعمل في السفارة في لندن، وقد استطعت التوفيق بين عملي ودراستي حتى حصلت على الماجستير في تخصص العلوم الدبلوماسية ثم الدكتوراه في العلوم السياسة.
ماذا تقولين للطلبة الخريجين؟ وكيف يمكن الخروج من الأزمات للوصول إلى الهدف؟
أقول لأبنائي الشباب والشابات أنتم المستقبل الواعد الذي يدفع بعجلة التنمية في المملكة، وأنتم قادة المستقبل، فاعملوا على استغلال الوقت والفرص في تنمية ذواتكم وتهذيب النفس والتحلي بالصبر والتخطيط السليم المدروس للمستقبل. احذروا من القيل والقال والشائعات وتناقل الأخبار المغلوطة، لأنها تؤدي بالإنسان للهاوية، فكونوا حريصين مع من تتحدثون ومن تستشيرون واحذروا من قناصي الفضاء المفتوح الذين يستهدفون الشباب والعقول الطرية لجذبها لمصالح وأجندات معادية للدين والوطن. كونوا دائما سفراء لبلادكم في الخارج مدركين حجم بلادكم ومكانتها في الساحة الدولية. احرصوا على العلم والتعلم واكتساب مهارات جديدة تواكب العصر. فالتخطيط والإصرار وإيمان الشخص بقدراته من أهم عوامل النجاح وتحقيق الأهداف. وعليكم بتقوى الله سبحانه وتعالى ثم المحافظة على أمن واستقرار بلادكم فأنتم الجندي الأول لحماية الوطن.
ما المهام التي قمت بها في مجال العمل الدبلوماسي؟
العمل بسفارة بحجم سفارة السعودية في لندن وأهميتها في سياسة المملكة الخارجية، يعطي الموظف الفرصة الذهبية للخوض في العمل الدبلوماسي المتنوع، والقيام بمهام متعددة منها تمثيل المملكة في المحافل الرسمية ومرافقة كبار الشخصيات والوفود الرسمية، وهذه الفرصة الثمينة منحتني حضور زيارات على مستوى الملك وولي العهد وكبار المسؤولين بالمملكة ومن خلالها كلفت بمهام عدة أثرت خبرتي، وتعرفت عن قرب على المراسم وبروتوكولات الاستقبال والتوديع وحضور اجتماعات وولائم رسمية على أعلى المستويات كما أتيحت لي الفرصة لمرافقة كبار الشخصيات والوفود الرسمية وغير ذلك من المهمات. إضافة إلى تنوع المهام في عملي بقسم شؤون السعوديين ومقابلة المواطنين ومشاركتهم همومهم وأفراحهم ونجاحاتهم. كما أن عملي الآن بديوان وزارة الخارجية منحني الفرصة للخوض في مجال الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية وأهميتها لسياسة المملكة الخارجية حيث عملت في وكالة الشؤون الدولية المتعددة وكلفت بملف مهم جداً ملف الإعارة والعمل لدى الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية وكذلك في مجال تطوير إدارة الترجمة في وزارة الخارجية، كما منحتني الفرصة أن أقدم دورات في معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية لنقل الخبرة للشباب، فالتنوع والاختلاف في المهام يوسع المدارك ويثري الخبرة.
كيف يمكن للتحول الرقمي أن يلعب دواراً في الحياة السياسية والدبلوماسية؟
العالم الرقمي بات أمراً ضرورياً في حياة البشرية والشبكة العنكبوتية تتيح الفرصة لمخاطبة الشعوب ومخاطبة ملايين من الناس، وتعد الدبلوماسية العامة من أهم ركائز القوة الناعمة التي تروج الثقافة والأفكار وتبني الجسور بين الدول وتحقق مصالح الدول وعلاقاتها الدولية.
فالدبلوماسية الرقمية باتت ضرورة بموازاة الدبلوماسية التقليدية الكلاسيكية، وكثير من الدول المتقدمة الآن حرصت على إنشاء إدارات في وزارات الخارجية للدبلوماسية الرقمية مثل بريطانيا التي تعد من أوائل الدول التي وظفت الدبلوماسية الرقمية في سياستها الخارجية، والمملكة لم تغفل هذا الجانب المهم في تطوير العمل الدبلوماسي وتحول الدبلوماسية العامة إلى دبلوماسية رقمية إلكترونية من حيث نشر الصورة الواقعية والحقيقية لثقافة المملكة، وإبراز مكامن القوة في المجتمع السعودي، وإبراز المشاريع والمبادرات بلغات مختلفة عبر مواقع وزارة الخارجية ومواقع البعثات الدبلوماسية الإلكترونية في وسائل الإعلام الجديد المختلفة.
والسعودية واعية جداً ومواكبة لما يحدث في العالم من تغير وتطور، وواعية جداً لأهمية الإنسان في التنمية فأولت اهتماما كبيراً بدعم الرقمنة كمتطلب أساسي في التعليم وفي التجارة الإلكترونية وفي إنشاء المدن الذكية وغير ذلك من أجل تحقيق نمو اقتصادي متنوع مستدام، والمملكة سباقة في التحول الرقمي والحوكمة الإلكترونية وربط الجهات الحكومية ذات الصلة ببعضها من أجل تقديم الخدمات الحكومية للمواطن والمقيم، ومن الطبيعي أن يكون لوزارة الخارجية نصيب منها، الآن تصدر التأشيرات السياحية وتأشيرات الحج والعمرة وغيرها إلكترونياً، وكذلك خدمة المواطنين في الخارج أصبحت إلكترونية من إصدار وثائق رسمية مثل الوكالات والتقديم على تجديد جوازات السفر وغيرها.
فالتحول الرقمي أحدث تغييراً كبيراً في حياة المواطنين، ويعد أحد أدوات تحقيق رؤية 2030 والتي تعتمد على الابتكار والإبداع الكامن في شباب المملكة، وعلى سبيل المثال لا الحصر النجاح الكبير الذي شهده العالم أجمع في اجتماع قمة العشرين الـ 15 الذي انعقد في الرياض برئاسة السعودية، حيث برعت في تنظيم وتنفيذ اجتماعات قادة دول العشرين افتراضياً والذي يحدث لأول مرة في التاريخ وتم ذلك بدقة وإتقان ومهنية عالية بجهود سعودية وأيد سعودية ومن خلال تمكين الشباب وتمكين المرأة والثقة بقدراتهم.
هل هناك تغييرات اختلفت من حيث التدريب والتوظيف للسيدات في السلك الدبلوماسي؟
عندما بدأت عملي في المجال الدبلوماسي عام 2007م وتم نقلي إلى العمل بالسفارة في لندن كانت وزارة الخارجية في ذلك الوقت في طور تجهيز موظفات رسميات للعمل بالخارج، وبدأ الاهتمام بتوظيف السعوديات في وزارة الخارجية وكان لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل عرّاب الدبلوماسية ـ يرحمه الله ـ دور كبير في دعم المرأة السعودية للانخراط في العمل الدبلوماسي، حيث كان يمهد الطرق لنا في ذلك الوقت، ويدعم تعيين المرأة السعودية في البعثات الدبلوماسية في الخارج، حيث وضع لنا الأرض الصلبة التي وقفنا عليها وانطلقنا منها.
ووزارة الخارجية سباقة في مواكبة التطور وتمكين المرأة، اليوم تعمل الموظفات جنباً إلى جنب مع زميلها الموظف بوزارة الخارجية بكفاءة عالية وتتلقى التدريب والتأهيل سواء في معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية أو في الخارج، وتحصل على نفس فرص التدريب التي يتلقاها الموظف وتكلف بملفات حساسة ومهمات ذات أهمية عالية سياسية واقتصادية وإنسانية وغيرها.
أين ترين مكانة المرأة السعودية في ظل التحولات الجذرية؟ وما النصيحة التي تقدمينها للمرأة في بداية حياتها العملية؟
تشهد المملكة اليوم نقلة نوعية في النمو والتنمية والإصلاح خاصة في الأنظمة والقوانين التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ـ يحفظهما الله ـ اليوم المملكة تبهر العالم بالقفزات المدروسة المتوازنة بين ما يحدث في العالم الخارجي من تغيير وما يناسب مجتمعنا وديننا وثقافتنا، وهذا التوازن ليس سهلاً ولكن المملكة نجحت في ذلك وخير دليل دعم المرأة كشريك في التنمية، وقد شاهدنا المرأة في مناصب قيادية في مجالات متعددة وأعطيت الفرص والثقة، وفتحت لها أبواب ومهد لها طريق الإبداع ولها نصيب كبير في الإصلاح وفي رؤية 2030. لم تغفل بلادنا الغالية عن أهمية مشاركة المرأة في النهوض بالمجتمع وأنها النصف الآخر الذي يحدث التوازن في التطور والنمو، وكما قال سمو ولي العهد “المرأة السعودية عانت لعشرات السنين، أما اليوم فتعيش مرحلة تمكين غير مسبوقة، والمرأة تحتاج الفرص لتشارك في قيادة التنمية مع الرجل بدون تفرقة” وهذا ما تشهده اليوم المرأة السعودية.
أما النصيحة التي أقدمها للمستجدات في العمل في القطاعات المختلفة وفي وزارة الخارجية بشكل خاص، الحرص على الجد والاجتهاد والإخلاص في العمل والتكيف مع ضغوط العمل والتنوع في المهام لكسب الخبرة والمعرفة كما أنصح بالتدريب المستمر وتطوير المهارات.